ليبيا: أما آن لعقلائها أن يحزموا أمرهم

ليبيا: أما آن لعقلائها أن يحزموا أمرهم

من لم تؤدبه الأيام والأحداث فلا مؤدب له. لايزال مختلف الفرقاء المتصارعون في القطر الليبي، وهم يشهدون بأم العين الأثر المدمر للتدخل الخارجي على الأرض الطاهرة ليبيا، يستعدون على بعضهم البعض أطرافا خارجية ويتقوون بهم على خصومهم السياسيين، حتى غدا القول بأن المجموعة الدولية تخلت عن ليبيا حجة، على القوى المهيمنة لكل فريق أحس بضعف موقفه أمام ” خصمه “، بدعوى ترك البلاد فريسة للميليشيات المنفلتة، وهي ” التهمة ” التي تعمل القوى الخارجية والمؤثرة في مجريات الأمور على دحضها بمزيد من التدخل وقوة التأثير في الأحداث، حين يكون موقع الطرف الذي يدعمونه مريحا.

  وبالرغم من أن تبعة ما تعانيه ليبيا من عنت يتحمله الطرفان الأكبر، والمتنافسان على مسمى ” الشرعية “، حكومة الوفاق الوطني، من جهة، والتي تحظى بدعم أوروبي عام برئاسة فايز السراج غربي البلاد، والقوى المهيمنة في الشرق الليبي بقيادة حفتر المدعوم أمريكيا بشكل لم يعد يخفى على أحد من جهة ثانية، فإن التبعة تقع في الحقيقة على جميع الأطراف المؤثرة في ليبيا، بأي درجة كان تأثيرها، وذلك بقبولها وعدم إنكارها الحاسم لكل تدخل خارجي.

     وتجدر الإشارة في هذا الباب أن دعوة غسان سلامة، مثلا إلى تشكيل موقف دولي موحد ينهي تدخل بعض الأطراف الخارجية في ليبيا، يدخل في باب البهتان السياسي. فمن هي الأطراف الخارجية الواجب إنهاء تدخلها في ليبيا والحال أن طرفي التدخل الخارجي لا يعدو إلا أن يكون الطرف الأمريكي  والطرف الأوروبي بل الإنجليزي تحديدا وراء كل من حفتر تباعا والسراج . وأما القول بضرورة الحد من تدخل كل من الإمارات العربية وقطر وتركيا فهو لا يعدو إلا أن يكون دخانا لحجب الحقائق فهذه الأطراف الثلاثة ليست إلا مقاولات مناولة. وعلى هذا فالأطراف الواجب إنهاء تدخلها في ليبيا لإطفاء نار الحريق الذي يأتي على الأخضر واليابس فيها هما الطرفان الأمريكي والإنجليزي تحديدا، وذلك هو أول خطوة واجبة على طريق السلامة والفلاح.

     إن الوعي العاقل على حتمية وفرضية القضاء على كل تدخل خارجي في الساحة الليبية لا يكون إلا بقطع كل يد تمتد إلى ساحتها، وبحتمية وفرضية الإنكار والتشنيع على كل من يستنصر على أهله بطرف خارجي وعدو متربص، وذلك بإعادة بوصلة القضية إلى اتجاهها الصحيح وتحديد زاوية النظر وتجلية الأفق والحد من العقبات التي تعيق سرعة الوصول إلى الحل الأوفق.

   فأهل ليبيا الكرام عمار هذا البلد الطيب، سواء أكانوا من سكان البلاد قبل ظهور الإسلام وبلوغ الدعوة إليهم وسواء أكانوا من الأمازيغ كقبيلة لواتة، مثلا، المشهورة والقاطنة في الأغلب بمدينة مسلاتة والذين يتكلمون العربية لاستعرابهم بعد الفتح الإسلامي، وليس فيها من يتكلم الأمازيغية كما هو الحال في العديد من المدن الليبية الأخرى، وكذلك الحال لقبيلة ورفلة وكافة القبائل المتاخمة لبني وليد. أو القبائل الأمازيغية التي حافظت على لسانها ك ” الزنتان” و” الطوارق ” مثلا أو القبائل الإفريقية ك ” التبُّو “، أو من أهل ليبيا عمار هذا البلد الطيب ممن وفد مع الفتوحات الإسلامية من القبائل العربية أحفاد الفاتحين الأولين أو من تبعهم من الهلاليين وبني سليم كل هذا المكون الكريم اعتنق الإسلام وانصهر بعقيدته وأفكاره وأصبح الجميع حملة لهذا الخير وعمادا له وصار الإسلام هو العروة الوثقى التي ثبتت قواعدها لديه ورسخت أركانها وهو على ثقة من أمره لكونه استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

  إلا أن الغريب في أمر أهل ليبيا الميامين وهم المعلوم عنهم شدة تمسكهم بدينهم، وهم المعلوم عنهم أنهم من أكثر حفظة القرآن، في الأمة الإسلامية، والعناية بعلومه، كيف يركنون إلى أمثال أنطونيو غوتيريش أمين عام عش الدبابير ” الأمم المتحدة “، وغيره من أهل الكفر والمكر،  ويأمنون لقوله حين مغادرته ليبيا إثر زيارة بلدهم في أفريل الماضي بأنه يغادر بقلب مثقل وقلق عميق، وأن الأمم المتحدة تعمل للوصول إلى أي حل سياسي قادر على توحيد المؤسسات الليبية، وليمنّ عليهم بأن ” الليبيين يستحقون السلام والأمن والازدهار واحترام حقوقهم الإنسانية.”

      أليس في كبار قبائل ورفلة والقذاذفة وترهونة والمقارحة وزناتة والطوارق وإخوانهم من القبائل الأخرى من الحكمة والحنكة ما يغنيهم عن سم أمريكا ومكر بريطانيا صلف فرنسا بل وعن هوان إيطاليا؟

     أليس في كبار قبائل ورفلة والقذاذفة وترهونة والمقارحة وزناتة والطوارق وإخوانهم من القبائل الأخرى من الحكمة والحنكة ما يرشَّد جنوح شبابهم والمتنطعين من أبنائهم والمتفلتين من أصحاب الأهواء منهم حتى صار الولاء منقسم بين أبناء القبيلة الواحدة يباع ويشترى بثمن بخس؟

     أليس في كبار قبائل ورفلة والقذاذفة وترهونة والمقارحة وزناتة والطوارق وإخوانهم من القبائل الأخرى من الحكمة والحنكة من يرى أنه لا عصمة لهم من الزلل والهوان على الناس والوقوع تحت إمرة أعداء الله ورسوله والمؤمنين إلا في شرع الله وحكمه بوضعه موضع التطبيق والتنفيذ؟

      هل من حلّ أيسر من اجتماعكم مع بعضكم البعض وعرض أمركم على كتاب الله تجمع عليه الكلمة وتحصن به الدماء والأعراض وترد به الحقوق وينصف به المظلوم وتكف به يد البغي

 فالصراع، عندكم، حقيقة ليس بين شرق البلاد وغربها ولا هو بين عرب وأمازيغ ولاهو بين ثوار ومتمسكين بنظام بائد وإنما هو صراع بين الأمة وعملاء الغرب ومن يتصور غير ذلك أو يركن إلى أمريكا وبريطانيا وما يسمى بالأمم المتحدة ويعتبر ذلك جزءا من الحل هو ساذج لم يتعلم الدرس وسيخدعه الغرب وعملاؤه حتى يصلوا لمأربهم ثم يذبحونه بعد ذلك وأنتم أعلم الناس بما جرى لعميلهم القذافي

 فإلى متى ستظل رؤيتكم محصورة داخل خيارات الغرب دولة وطنية يتنازعها أبناء البلد الواحد تحت حماية العدو خدمة لأغراضه وتحقيقا لمصالحه والحال أن الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد يحتاج مشروعا حقيقيا منبثقا عن فكرة قوية وقيادة سياسية واعية على هذا المشروع بتفاصيله وكيفية إيصاله للحكم وكيفية تطبيقه تطبيقا يعالج جميع مشاكلها بشكل صحيح وعملي، والمشروع الوحيد القادر على ذلك حقا هو مشروع الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ولكم في كتاب الله وسنة نبيه نور وهدى.

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  ـ المائدة ـ(57)

 عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This