” ..الاقتصاد التونسي تحكمه لوبيات معينة تتحكم فيه عدد من العائلات النافذة والتي تسعى لخدمة مصالحها فقط…” هذا ما جاء في حوار أجرته صحيفة “لوموند” مع سفير الاتحاد الأوروبي بتونس “باتريس بيرغاميني” وقطعا ما صرح به يندرج في خانة الكلام الحق الذي أريد به باطل، ودليل على أن الأمر ببلادنا تديره أياد خارجية وعلى دراية تامة بكل ما يحدث في بيتنا. تغض الطرف تارة وتكشف المستور تارة أخرى حسب ما تمليه مصالحها وأطماعها، وهذا ما هو واضح وجلي في كلام سفير الاتحاد الأوروبي عن تغول عدد من العائلات النافذة وتحكمها في الاقتصاد بمنعها لأية منافسة في السوق من طرف المؤسسات الصغرى, فقد شخص الداء وقدم لنا الوصفة الناجعة حسب ما تقتضيه مصلحة دول الاتحاد الأوروبي وهي ضرورة إمضاء اتفاق الأليكا” التي الهدف منها على حدّ زعمه المساعدة في دعم النمو ورفع مستوى الاقتصاد التونسي.. “فالتشخيص سليم ووصف العلاج يزيد من استفحال الداء لدرجة يستحيل الشفاء منه. هذا وما يهمنا في تصريح سفير الاتحاد الأوروبي إلى جانب كونه دليلا جديدا على أن سيادة الدولة وهيبتها هما من محض خيال القائمين على شؤون البلاد بالوكالة، هو أكذوبة الحرب التي أعلنها الموظف السابق بالسفارة الأمريكية بتونس ورئيس الحكومة الحالية ” يوسف الشاهد” على الفساد” وزيف الهالة “الهوليودية” التي رافقت شنّ تلك الحرب الوهمية.
وبما أن هذه الدولة قائمة أساسا على الوهم والتزييف, وكل ما فيها من مؤسسات عبارة على برق خلّب لا يعقبه مطر. فقط هي موجودة للتظليل وخداع الناس وحشو عيونهم برماد الدجل. ولنا في تعدد هيئات الرقابة التي أوجدوها لكي لا تراقب بل جعلوا منها ممرا آمنا يعبره كل فاسد مفسد فهي عمياء صماء وتعاني من كل العاهات والإعاقات الموجودة في النظام الوضعي.
وتتكون منظومة الرقابة في تونس من: هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية وتعمل تحت إشراف رئيس الحكومة, وهيئة الرقابة العامة للمالية وتعمل تحت إشراف وزير المالية, وهيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية, وتعود بالنظر إلى وزير أملاك الدولة.الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية وهي تابعة هيكليا لرئاسة الجمهورية. هذا ومن باب أخذ الحيطة أكثر أضافوا لهذا الكم من الهيئات هيئة جديدة وأعطوها صفة المستقل وأسموها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مما يوحي بدحر الفساد وقطع دابره.. كيف لا وفي كل ركن هيئة تراقبه وترصد تحركات محترفيه وهواته.. ومع هذا لم يطمئن قلب رئيس الحكومة, في لحظة تاريخية وفارقة امتشق الموظف السابق بالسفارة الأمريكية مكنسته وأعلنها حربا لا هوادة فيها عن الفساد وأهله وكان حصاد هذه الحرب الإطاحة بقليل من الفاسدين ولم يتبعهم آخرون, لأن محاربة الفساد عند هؤلاء القوم تقتضي وجوبا التضحية بالقلة لينجو الكثرة ويستفيد قائد المعركة وينتصر من شنت عليه الحرب لأنه هو أساس النظام ومن دونه يصبح بلا قيمة ألا وهو الفساد.
نعم كل تلك الهيئات التي أتينا على ذكرها وهم الآن بصدد تعزيزها بأخرى أختلف الأحزاب في ساحة البرلمان حول إنشائها واسمها “هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد” وقد يقول الصائدون في الماء العكر ما الجدوى من وجود هيئة جديدة لها نفس مهام هيئات أخرى تكافح الفساد وتكتم أنفاسه صباح مساء ؟ والجواب أن هذه الهيئة التي يتصارع النواب حول انتخاب أعضائها, أنها أولا “مستقلة” وثانيا وهذا الأهم هي “هيئة دستورية”. نعم الدستورية, وكل ما هو دستوري في عرفهم فوق الشبهة ولا تشوب مصداقيته أية شائبة, هذا هو زعمهم.., فالدستور وما انبثق عنه هو أصل الفساد وفصله ولن يغير كون مثل هذه الهيئات منتخبة من كونها على شاكلة أخواتها التي يقع تعيينها من طرف وكلاء المسؤول الكبير, لا فرق بين هذه وتلك إلا بالتسمية, فجميع لجانهم وهيئاتهم هو كيد ساحر استأجره فراعنة القوى الاستعمارية ليضلل الناس ويبعدهم عن نظامهم الذي ارتضاه رب العالمين لهم, إنه الإسلام بوصفه نظاما يشمل جميع جوانب الحياة. وعليه, فهم يكافحون الفساد بالفساد. وما نظامهم وقوانينهم ومن هم على هرم السلطة وعلى سفحها وكل من حولهم.. مردوا على الفساد والإفساد. وفي هذا تكفي شهادة سفير الاتحاد الأوروبي بتونس أحد أكابر الفاسدين الذي شهد على انتعاش الفساد لنكتفي باستحضار المثل القائل ” وشهد شاهد من أهلها”.