لماذا نرفض الانتخابات الرأسمالية؟
سؤال يطرحه العديد من المتابعين لنشاط حزب التحرير: لماذا يرفض الحزب بشكل مبدئي المشاركة في أي انتخابات سواء منها البلدية أو التشريعية أو الرئيسية، لاسيما أنه بعد الثورة، حسب رأيهم، أصبحت تلك المحطات تشكل فرصة أمام جميع الأطياف السياسية لاحترام مواقع القرار وبالتالي التمكن من تنفيذ برنامجها السياسي.
ولكن الواقع يؤكد أن موقف حزب التحرير المنتهج في هذا الخصوص كان مبنيا على نظرة سياسة واعية بحقيقة الواقع والتزام ثابت بالطريقة الشرعية في التغيير.
أولا: الأسباب السياسية الموجبة لرفض المشاركة في الانتخابات في ظل الهيمنة الرأسمالية.
لاشك أن العمل السياسي الصادق المنبثق عن وعي يفترض الحيطة والحذر من الوقوع في شبكات الخداع والفخاخ التي تنصبها الأطراف المعادية، من بينها مسرحية الانتخابات الديمقراطية التي يروّجون لها.
والكشف عن حقيقة العملية الانتخابية يقتضي منا الوقوف عند الحقائق التالية:
-
الانتخابات الرأسمالية آلية للحفاظ على النظام وليست أداة للتغيير:
إذا علمنا أن النظام السياسي يؤطره الدستور وتركزه القوانين، فإن العملية الانتخابية تصبح مجرد آلية وإجراء لاختيار الأشخاص الذين سيتولون تنفيذ قواعد المنظومة السائدة (الدستور والقوانين). وبالتالي تكون هاته الانتخابات وسيلة لتثبيت النظام وليس لتغييره.
والواقع السياسي الراهن سواء على المستوى المحلي أو الدولي خير شاهد على ذلك. فبلادنا عرفت تغييرا وحيدا منذ ما يسمى بالاستقلال وذلك حينما وقع الانقلاب البورقيبي في 25 جويلية 1957 بإعلان النظام الجمهوري وإلغاء نظام البايات. منذ ذلك الحين أصبح النظام الجمهوري هو المهيمن على البلاد رغم تغيير الأشخاص سواء بواسطة الانتخابات أو بدونها.
أما بالنسبة للوضع العراقي بعد الاحتلال الأمريكي، فقد تم وضع دستور “بريمر” خلال سنة 2003، وبذلك تسنى للاستعمار إعادة صياغة نظام سياسي يقر بالاحتلال الأمريكي للعراق، ولم تغير الانتخابات الديمقراطية من ذلك الواقع الاستعماري أي شيء، بل إنها أكدت الاستعمار الأمريكي وعمقت الانقسام الطائفي داخل الشعب العراقي.
فالعملية الانتخابية لا يمكن أن تحدث أي تغيير جذري للنظام القائم، وإنما على العكس من ذلك تماما، تعمق الهيمنة الأجنبية التي فرضتها تلك الأنظمة السياسية المقيتة وجعلت من الحكام مجرد عسس ونواطير يسهرون على تثبيتها.
والجدير بالملاحظة أن جميع التغيرات السياسية التي عرفتها منطقتنا في ظل ما يعرف بالربيع العربي حصلت خارج إطار صناديق الكذب والتدجيل والاحتيال، فتم بفضل تلك الثورات التخلص من أنظمة الاستبداد والقمع في كل من تونس ثم مصر وليبيا. وما يحدث اليوم في الجزائر من الحراك الشعبي المستمر منذ أشهر ما كان سيتواصل لو تم تدجين هذا الحراك وتأطيره صلب صناديق الاقتراع التافهة والخاضعة لقواعد اللعبة التي يسيرها ويشرف عليها سماسرة الانتخابات المحليون والدوليون، باعتبارها قوى تبذل كل جهدها لإعادة إنتاج المنظومة القديمة بإخراج جديد، بغاية إفشال كل عملية تغيير حقيقي وإفراغها من مضمونها.
-
الانتخابات الرأسمالية وسيلة لتثبيت الهيمنة الاستعمارية:
لئن كانت الشركات الرأسمالية الضخمة تشكل الأداة المثلى للهيمنة الاقتصادية للنظام الرأسمالي فإن الانتخابات الديمقراطية تشكل ذراعها الطولى للهيمنة السياسية. فالانتخابات في مثل هذه المنظومة سوف تجدد العهد لأصحاب النفوذ سواء على المستوى المحلي أو الدولي طالما وأنهم نجحوا في صياغة عقلية الناخب وتزييف وعيه، وبذل المال الفاسد في شراء الذمم واستغلال الوضع الاجتماعي البائس لأغلب القاعدة الانتخابية. وبذلك فإن الانتخابات في ظل النظام الديمقراطي الرأسمالي تكون على الدوام مزورة ومزيفة لأنها مبنية على المغالطات والاستخفاف بعقول الناس وتوجيه الرأي العام الوجهة المطلوبة وإن تطلب الأمر ارتكاب أبشع الجرائم الارهابية ثم استثمارها سياسيا طالما وأن الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت قذرة.
-
الانتخابات الرأسمالية تفسد الحياة العامة للناس:
تجري الانتخابات في كل الدول الرأسمالية في أجواء تنافسية متطاحنة بعيدة كل البعد عن قواعد النزاهة والشرف وأبسط المعايير الأخلاقية، وبذلك أصبحت تلك الانتخابات عنوانا للكذب والمداهنة والنفاق، بل إن أبطالها يعلنون ذلك صراحة تحت مسمى “البراغماتية” والواقعية. وهذا التعفن الصارخ يخدش الأخلاق العامة ويخلف عزوفا عن المشاركة في الحياة العامة بحيث تصبح مائدة الانتخابات منصوبة على ذمة اللؤماء من الناس المتهاوية أخلاقهم. فيكونوا طيعين أذلاء في خدمة أصحاب النفوذ الاستعماري.
-
الانتخابات الرأسمالية تنشر روح اليأس والعدميّة:
لقد باتت كل محطة انتخابية تشكل فرصة للنظام الديمقراطي الفاسد من إعادة إنتاج نفسيه وتبديل جلده مع الحفاظ على لبه وجوهره. فهو نظام خبيث يحمّل مسؤولية الفشل للأشخاص القيمين عليه والمشرفين على تنفيذه، في حين ينأى بقيمه الصنميّة من ديمقراطية وجمهورية وحريات عن كل نقد باعتبارها قيما مقدسة غير قابلة للنقاش أو النقد، وإنما من يحاكم هم الأشخاص الذين يلقى عليهم اللوم بالفشل في الأداء وليس أكثر من ذلك ويطلب تغييرهم بأشخاص آخرين.!!
وهكذا يرفع النظام الرأسمالي الديمقراطي قيمه من مجرد أفكار وحلول من وضع بشر إلى قيم صنمية وتماثيل مقدسة وخالدة تعلو على جميع الأديان ولو كانت آتية من عند رب البشر!!
فهذا المنهاج يمنع الناس من التفكير الجدي في البديل عن النظام الديمقراطي الرأسمالي الدجّال ويهوي بهم إلى حفرة سحيقة لا يكادون يخرجون منها، ويجعلهم يحومون صلب دائرة مفرغة من التغييرات الشكلية من شخص إلى آخر وإن تغيرت معه الأساليب والوسائل، لكن الوضع يبقى على حاله نفس الوضع دون تغيير. فتنتشر حينئذ روح السلبية والعجز والاستسلام لدى الناس وتصبح دائرة الشأن العام لا يشتغل بها إلا أصحاب النفوذ أو “القوادة” المنتفعون منه وهكذا يثبّت النظام الرأسمالي المجرم سلطانه ويحتكر السياسة بأيدي نخبة من الانتهازيين الخاضعين لتعليمات المستعمر بعدما اختطف كل شيء واستحوذ على كل شيء ولم يبق لعامة الناس سوى الحضور إلى المناسبات الانتخابية في شكل طوابير مثل القطعان الواقع ترويضها على أداء الأدوار المناطة بعهدتها.
-
الانتخابات الرأسمالية قفز إلى المجهول:
باعتبار أن العملية الانتخابية تقوم على التفويض المفتوح لفائدة المترشح الواقع انتخابه، فإنه بمجرد تقلده للمنصب يقطع كل التزام تجاه ناخبه، ويمضي في تنفيذ أجندات المنظومة الرأسمالية السائدة دون الالتفات إلى سابق تعهداته. والكل يعرف كيف استغلت حركة النهضة الإسلام في الوصول إلى الحكم ثم تملصت منه مذعنة إلى كراس شروط المملاة من القوات الاستعمارية المتحكمة في البلاد، لاسيما في قضية فصل الدين عن السياسة فأعلنت نفسها حركة مدنية، كما تنكرت لالتزامها السابق بتطبيق الشريعة الإسلامية واعتبرها فتنة من شأنها أن تقسم التونسيين، كما تورطت بشكل مباشر في إعادة غلق التعليم الزيتوني بعد اتهام الشيخ الحسين العبيدي بأنه جعل جامع الزيتونة مجالا مفتوحا لنشاط حزب التحرير ومحاضرات شبابه من الداخل والخارج. كما تم توظيفها في تمرير أفظع القوانين المعارضة لأحكام الشريعة الإسلامية. أما بقية الأحزاب الصريحة في علمانيتها فقد جعلت من مجلس النواب “سوق ودلال” في إطار ما سمي بظاهرة السياحة الحزبية حتى أصبح مجلس النواب سوقا للدواب تباع فيه الرقاب وتشترى بجميع الأثمان.
وهذه الأوضاع الناجمة عن انتخابات متعفنة في ظل واقع رأسمالي ديمقراطي مفروض من الغرب كانت نتيجة طبيعية لانتهازية الوسط السياسي وطبيعة العملية الانتخابية التي أتت بهم إلى سدة الحكم.
واذا وقفنا على حقيقة الواقع الانتخابي كما هو عليه الآن استطعنا الوقوف على تحديد الحكم الشرعي تجاهه.
ثانيا: الأسباب الشرعية الموجبة لرفض العملية الانتخابية:
من المعلوم أن النظام الرأسمالي الديمقراطي يرتكز على إعلاء قيمة النفعية. والغاية عنده تبرر الوسيلة، أما بالنسبة للمسلمين فإن الغاية تفرض التقيد بوسيلة من جنسها .فالغاية الشرعية هو إنجاز فريضة إقامة نظام الحكم الإسلامي الذي ينبني على منهج الخلافة وطريقة الوصول الى ذلك يجب أن تكون مستندة الى نص شرعي.
-
التقيد بالمنهج الشرعي في عملية التغيير:
إذا كانت عملية التغيير واستئناف الحياة الإسلامية ضرورة شرعية ، فإن الطريق المؤدي إلى ذلك يجب أن يكون ايضا شرعيا مستمدا من النصوص الشرعية (كتاب ، سنة) ذات الصلة بالموضوع فالرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره المرجعية في عملية التغيير أنشأ تكتلا حزبيا من الصحابة وحمل دعوة الإسلام وسار بها وفق منهج ثابت لا يتحول عنه حتى جاءه النصر، ولم يتخل عن ذلك المنهج ولم يتجه عن “التموقع” أو المشاركة في السلطة رغم إغرائه بذلك فكان رفضه قاطعا ودون تنازل ولا مناورة فهذا هو المنهج الشرعي الوحيد في السير بالدعوة حتى تصل الى سدة الحكم.، فالدخول في انتخابات التدجيل هو “تنكب” عن هذه الطريقة الشرعية والبحث عن التموقع من شأنه إفساد صفاء الدعوة ومصداقيتها وهو ما لم يتورط فيه نبينا الكريم وقد حذره الله من ذلك بقوله “لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ” دل ذلك على أن الطريقة المعتمدة في التغيير ملزمة وليست خيارا أو إبداعا من لدن شيخ أو خبير “تكتيك” فاقتحام ميدان الانتخابات الرأسمالية سوف يضلل عن هذه الطريقة لأن الانتخابات مؤداها تحقيق نتيجة مادية ملموسة أما الطريقة الشرعية فإنها تقوم على الإخلاص العقائدي والصفاء الفكري وبذل الجهد أما نتيجة الوصول الى تحقيق النصر فهو أمر مفوض الى الله تعالى دون غيره.
2- المشاركة في الانتخابات تؤدي إلى تلبيس الحق بالباطل:
إن المشاركة في العملية الانتخابية في ظل الوضع الاستعماري يلبّس على الناس أن النظام القائم شرعي ويعطل عملية التغيير حينما يقصرها على الأشخاص دون النظام.
فإخضاع منهجية التغيير إلى الإجراءات والأساليب المملاة من النظام الديمقراطي العلماني يؤدي إلى اختطاف الطريقة الشرعية التي أملتها السيرة النبوية الشريفة في التغيير واستئناف الحياة الإسلامية.
-
الانتخابات الرأسمالية تناقض القيم الإسلامية:
يتم إجراء الانتخابات على المنوال الرأسمالي في ظل إعلاء القيم الديمقراطية التي تقوم أساسا على مبدأ فصل الدين عن الدولة وعن الحياة العامة.
وحينما يتم إعلاء قيم الديمقراطية يتم في مقابل ذلك إضعاف القيم الإسلامية التي أمرنا بمناصرتها وتعزيرها ( الذين آمنوا به وعزروه الآية ) فالقاعدة أنك كلما رفعت فكرا إلا وقد أضعفت من الفكر المقابل أو الضديد له.
فالإسلام اليوم هو البديل الوحيد والمنافس الشرس للنظام الديمقراطي الرأسمالي وهو السبيل الوحيد لتحرير البشرية من ريقته وظلمه ، فلا بد أن يبقى الإسلام منهجا مستقلا نقيا صافيا ومنزها عن القيم الديمقراطية الاستعمارية المتهاوية.
-
قاعدة الوسيلة إلى الحرام محرمة: