العدل في النظام الوضعي, أسّه الأطماع وسقفه الانتهازية

العدل في النظام الوضعي, أسّه الأطماع وسقفه الانتهازية

من أهم صفات النظام الديمقراطي الوضعي قدرة مفاهيمه على التلون والتحول حسب ما تفرضه السياقات وتتكيف مع الأوضاع السائدة, ودوما تكون اليد العليا للمصلحة حزبية كانت أم شخصية, هذا دون الحديث عن أم المصالح وهي مصالح القوى الكبرى سواء بصفة مباشرة كالولايات المتحدة الأمريكية وأشياعها أو عبر أحد أذرعها  مثل صندوق النقد والبنك الدوليين. هذا ولا غضاضة حسب أبجديات هذا النظام في أن تحاكي مفاهيمه الحرباء في تغيير لون جلدها مع بقاء الجسم والأعضاء على نفس الحالة, وهذا ينطبق تماما على القائمين على النظام الوضعي أو روافده من أحزاب توصف بالمعارضة أو من الاعلاميين وكل من يروج للنظام الديمقراطي.

وعلى سبيل المثال لا الحصر يعد العدل من أكثر المفاهيم التي يسعى كهنة النظام الديمقراطي الوضعي إلى إيهام الناس بأنه الركن الركين  في الدولة المدنية الديمقراطية ، يرفعون لواءه كلما دعت الحاجة لرفعه والتلويح به في ساحة المعركة أين يتم التناحر على الغنائم ومطاردة الفرائس. كما أنه من أكثر المفاهيم التي تخضع للرسكلة والتحول. فما هو عدل اليوم يصبح غدا ظلما, والعكس بالعكس, ما يرونه ظلما يمكن أن ينقلب بين عشية أو ضحاها عدلا لا يضاهيه حتى عدل عمر بن الخطاب ، ودائما المقياس هو المكسب والمصلحة كما أسلفنا الذكر

قضية “نبيل القروي” وتشظي العدل

لا حديث هذه الأيام إلا على المترشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها “نبيل القروي” القابع في السجن قبل انطلاق الدور الأول لهذه الانتخابات بتهمة التهرب الضريبي وتبييض الأموال. وبالمفهوم الديمقراطي في ايقاف “نبيل القروي” تجلى العدل في أبهى صوره, فهو امتنع عن أداء ما عليه من ضرائب لفائدة الدولة ومن ثمة حرَم من يحتاجون لتلك الأموال من فرصة لا تعوض في التمتع بالعيش الكريم ، فلو أدى ما عليه لصرفت الدولة تلك الأموال في إنشاء مرافق يحتاجها الناس وانفقتها في ما ينفعهم ويضمن رفاهيتهم وبتهربه ذاك سلّط ظلما على الفقراء والمحتاجين وكل من به خصاصة ، وبما أنها قائمة على العدل لم تتوان الدولة على حبسه ليكون عبرة لغيره ويجبره السجن على أن يؤدي ما عليه من حقوق تجاه من يستحقها. فعلت الدولة هذا وكأن المدعو “نبيل القروي” خرج فجأة للناس وجمع تلك الأموال وبالطريقة التي يجرمها النظام ولم يكن معلوما لدى مصالح الدولة, وكان صنيعه هذا خفيا عنها.

لقد غضوا عنه الطرف لأن مصلحة من في سدة الحكم تقتضي ذلك وحين تغير اتجاه بوصلة المصلحة تغير موقفهم منه وتذكروا أنه من المتهربين الجبائيين ومن غاسلي الأموال المشبوهة, وما أكثرهم في بلادنا, لكنهم ينعمون بعدل النظام إلى حين تغير المصلحة فترميهم في جحيمه وتريهم الوجه الأخر للعدل. الوجه الذي يرفضه أنصار “نبيل القروي” وكل من يدعمه من الداخل والخارج فتحت العنوان ذاته والمسمى نفسه يعتبرون ما حصل ل “القروي” ظلما وعدوانا غاشما من الدولة عليه هو شخصيا وعلى الديمقراطية برمتها. فكيف للدولة أن تحرم مترشحا للانتخابات من القيام بحملته وتحرم الناخبين من سماعه ومعرفة برامجه. كيف تقدم على هذا والديمقراطية من أهم مقوماتها ضمان التكافؤ في الفرص. فكما تضمن هذا التكافؤ في الصحة والتعليم والتشغيل تضمنه ايضا في التنافس على الوصول إلى أحد كراسي الحكم – لم تضمن غير انتفاخ البطون والأرصدة البنكية لأصحاب النفوذ والمتمعشين من أوجاع المهمشين-

فالدولة في نظرهم جانبت طريق العدل وكان الأجدر بها أن تخلي سبيل ” نبيل القروي” ليتمكن من أداء مهمته النبيلة وإن تمكن من الوصول إلى قصر قرطاج فسيتكفل عدل النظام الديمقراطي من تخليصه من أوزاره كلها ويمكنه من الافلات من العقاب بفضل الحصانة التي يوفرها النظام لرئيس الدولة.. وهل هناك بعد هذا العدل عدل؟ نعم هذا هو العدل في النظام الديمقراطي ميزانه يتأرجح بين المصالح والأطماع, هذا إن كان له ميزان من الاصل, والكل يرى كيف يتجول عدل القوى الاستعمارية في أرجاء العالم  ويكفي أن نلقي نظرة على ما يعانيه مسلمو بورما وفلسطين والصين وافريقيا الوسطى وغيرها من بلاد المسلمين وكيف تعامل تلك القوى “كيان يهود” حتى ندرك معنى العدل في النظام الديمقراطي الوضعي.. ألاف من المسلمين تسلخ جلودهم وتسحق عظامهم دون جريرة, فقط لكونهم مسلمين. وإن تحركوا دفاعا عن أعراضهم وأرواحهم تقوم الدنيا ولا تقعد, وتضج المنابر والمنتديات وتعلن الأمم المتحدة وما انبثق عنها حالة الطوارئ وتتخذ القرارات الرادعة ضد الضحية منصفة الجلاد. وذاك هو عدل النظام الديمقراطي الوضعي, وذاك ما يستميت أذيال كل مسؤول كبير في الذود عنه.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This