نقل الإعلامي الدكتور فيصل القاسم على صفحته الرسمية في الفاسبوك عن راشد الغنوشي الكلام التالي:
“المفكر التونسي راشد الغنوشي في كلام عقلاني محللا التجربة الإسلامية القصيرة في الحكم :
* عندما أخذنا معظم السلطة أخذناها على قراءة خاطئة، على أساس أننا أخذنا الأغلبية، دون أن ننتبه لميزان النخبة الذي نحن ضُعفاء فيه.
* الذين انتخبوا الرئيس مرسي 51% فارغة من ميزان القوة، والذين عارضوه 49% مليئة بالقوة الصلبة (المال، الإعلام، القضاء الشرطة، الجيش، الإقتصاد، الفن، أصحاب المصالح والنفوذ …إلخ.)
* جبهة الإنقاذ في الجزائر حصلت عام 91 على 80% من الأصوات العاطفية الناعمة، في حين كانت النخبة والقوة الخشنة مع ال20% والحصيلة 250 الف قتيل، ورجوع للخلف عشرات السنين.
* لا يمكن أن نحكم مجتمعا رغم نخبته، إلا إذا مارسنا قدرا عاليا من العنف وهذا أثاره كارثية..
* نحن الإسلاميين (الصواب: الإسلاميون) فقراء من حيث القوة الصلبة، فقراء في النخب، لأننا لم نأخذ وقتنا، خرجنا من السجون وعدنا من المهاجر واختارتنا الناس بالعواطف، فكيف لنا أن نحكم بهذا الغثاء العاطفي ، فالنخب هي التي في أيديها كل شيء؟!.” انتهى النقل عن الغنوشي.
التعليق:
المحطة الأولى:
أما آن للغنوشي أن يكفر بالديمقراطية ونظامها العلماني الذي غَيَّرَ لأجلِ أن يحوزَ رضاهُ توجُّهَ حركة النهضة من حركةٍ إسلاميةٍ إلى حركةٍ علمانيةٍ، وحَوَّلَ لأجلِهِ خطابَهُ بالكامل لخطابٍ علمانيٍ ديمقراطيٍ ليبراليٍ صرف، إذا ذكرت الشريعة الإسلامية وتطبيقها عبر دولة الخلافة اشمأز الغنوشي، وأزبد واستنكر تارة، فمثلا قال عن الخلافة الإسلامية حين سئل عنها في لقاء منشور على اليوتيوب تحت عنوان: ” تونس: راشد الغنوشي: الخلافة ليست واقعية” قال: “نحن نريد دولة قومية وطنية لتونس، أما الخلافة فهي غير واقعية” وفي لقاء على الجزيرة في 18 سبتمبر 2013 علق الغنوشي على دعوة حزب التحرير لإقامة الخلافة بقوله: “هذا فكر متشدد إنهم يدعون للخلافة وينددون بالديمقراطية !! هؤلاء مشبوهون على الأقل مشبوهون عقليا “. وحين سئل الغنوشي حول شعارٍ رُفع في المظاهرات في تونس “نعم للخلافة الإسلامية” قال رداً: “نحن نقيضٌ لكل هذا الفكر”. ولقد ظهر الغنوشي في العديد من المناسبات يعلن تقبله لليبراليين واليساريين دون تحفّظ “ودون وصاية لاحد على أحد”، بينما هو في تلك المقابلة يعلن رفضا باتا ومناقضة تامة لما يدعو إليه المسلمون، في حدة شعورية كانت بارزة حتى في ملامح وجهه.
وفوق ذلك فقد تبرأ الغنوشي من الإسلام السياسي، واعتبر أن الثورة أنهت الرؤية الشمولية للإسلام في مقابل الإسلام الديمقراطي الذي يروج له.
فهل آن للغنوشي أن يدرك أن الديمقراطية والديمقراطيين، والعلمانية والعلمانيين، والليبرالية والليبراليين لن يوصلوا أمثاله للحكم حتى وبعد عقود من إعلانه البراءة التامة من كل ما يمت لتطبيق الشريعة الإسلامية في واقع المسلمين، ومن الإسلام السياسي، وإعلان قبوله التام ودعوته الكاملة لما يؤمن به هؤلاء الليبراليون العلمانيون الديمقراطيون، حتى الشذوذ الذي اعتبره شيئا طبيعيا.
المحطة الثانية:
وفي كلامه الذي ينقله عنه القاسم أعلاه يقول: ” لا يمكن أن نحكم مجتمعا رغم نخبته، إلا إذا مارسنا قدرا عاليا من العنف” وهذه أيضا تنم عن تخبط آخر للغنوشي يضاف لتخبطاته السابقة، فيزيدها ضغثا على إبالة، وإذ تلمح في نبرته القنوط واليأس، بعد الخسارة الماحقة الساحقة التي لحقت بمرشحه لانتخابات الرئاسة، إذ حصل على 12.8% من نسبة ال45% الذين صوتوا في الانتخابات، فإذا ما قيست بنسبة من يحق لهم التصويت كانت نسبته هي مجرد 5.76% .
لقد كانت كلمة أهل تونس، من امتنع منهم عن التصويت لإدراكه بأن هذه الانتخابات استمرار لتكريس النظام العلماني الرأسمالي التابع للمشروع الغربي الاستعماري نفسه، وحتى من أدلى بصوته فيها منهم، كانت كلمتهم واضحة بأنهم يرفضون هذا النهج النهضوي الزئبقي البائع لثوابت الإسلام منذ عقود، وقد كان الفرق بين مرشح حزب النهضة وبين عبير موسى بضعة عشرات من الآلاف فقط.
فبعد هذا الفشل الفظيع في “النهج الغنوشي الموروي”، ينتقل الغنوشي لقناعة أخرى أدهى وأمر، وهي أن التغيير لا يمكن أن يتم إلا بالعنف، بل وبقدر عال من العنف! وإن لم يحصل بالعنف فإنه لا أمل ولا فرصة للوصول إلى الحكم!
المحطة الثالثة:
لقد أدرك حزب التحرير حينما تأسّى بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والتزم طريقته أهمية أهل القوة والمنعة في المجتمع لحصول التغيير، فاستنبط من مداومة رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلب النصرة مدة تزيد على السنوات الثلاث، استنبط فرضية طلب النصرة، سواء من أهل القوة والمنعة أو الحل والعقد في المجتمع (بشرط أن يكونوا قادرين على إحداث التغيير في المجتمع بما لهم من نفوذ، أي إن كانوا قادة يأتمر غيرهم بهم)، وكان هذا العمل ضامنا لحصول القوة على التغيير في الكيان المجتمعي، وأساس هذا النوع من طلب النصرة: الدعوة وتغيير القناعات لدى هذه الفئة من المجتمع، وإنما تطلب منها النصرة بهذه الصفة، أي بصفة قدرتها على إحداث التغيير، تماما كما طلب الرسول ﷺ النصرة من الأنصار، فقام فيهم سعد بن معاذ بما لديه من قدرة على فرض السلطان الجديد في المجتمع، أو بطلب النصرة من أهل القوة والمنعة في الكيان التنفيذي (الدولة) أي من أهل القوة في الجيش ومن هم بمقامهم حتى يتم تجريد الكيان التنفيذي من أسباب قوته التي يمنع بها حدوث التغيير، فإن لم يؤخذوا من الكيان التنفيذي قامت الدولة بتسليط أهل القوة على المجتمع فتقوم حرب بين قوتين كبيرتين: الأمة وهي الراغبة في التغيير، وقوة الجيش، وهذا ما شاهدناه في الثورة السورية وفي الجزائر وفي غيرها من محاولات الأمة استعادة سلطانها إذا لم تأخذ القوة من الكيان التنفيذي لصفها، فلا تكون العملية التغييرية طبيعية، وقد تفشل أو تتأخر، وسيكون ثمنها باهظا.
لقد أدرك حزب التحرير هذا بفضل اقتدائه بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كان يغير المجتمع على بصيرة من الله، وفق السنن المجتمعية للتغيير، والتي تقتضي أن يصاحب عملية تغيير المفاهيم والمقاييس والقناعات عند الأمة وإيجاد الرأي العام فيها لصالح تطبيق الشريعة الإسلامية الغراء، جنبا إلى جنب مع أخذ أسباب القوة من مظانها من أهل القوة والمنعة، لتحصل العملية التغييرية بدون إراقة دماء، توصل حزب التحرير لهذه القناعة وعمل بها منذ أكثر من ستين سنة، وحينما تلقى الغنوشي الضربة المؤلمة على رأسه، بدلا من أن يستفيق ويدرس العملية التغييرية النبوية من مظانها ويقتدي بها متأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم، عاملا لتطبيق الشريعة التي ناضل لأجل تطبيقها ثلاث عشرة سنة، فإن الغنوشي بدلا من ذلك توصل لقناعة جديدة وهي أن ممارسة قدر عال من العنف هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله الوصول للحكم!