بعثة صندوق النقد الدولي في تونس لتأكيد الوصاية الخارجية
أثناء انشغال الجميع بالانتخابات ومفرزاتها، تزور بعثة من صندوق النقد الدولي تونس للوقوف على مدى التزام الحكومة بإملاءاتها، حيث كشف الوزير لدى الحكومة المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي، أن بعثة من صندوق النقد الدولي ستزور تونس غدا الثلاثاء 8 أكتوبر الجاري وتستمر خمسة أيام لمواصلة الإطلاع على مدى تقدم تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي.
إملاءات خارجية وليست إصلاحات اقتصادية:
تندرج هذه الزيارة ضمن إعداد المراجعة السادسة من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي فرضه صندوق النقد على الحكومات المتعاقبة، بموجب اتفاق آلية التسهيل الممدد البالغ قيمته 2.8 مليار دولار والذي يتواصل إلى غاية أفريل 2020، حيث اتخذ صندوق النقد الدولي من القرض الممدد وسيلة فعالة لإخضاع الحكومة وجعلها فاقدة للإرادة السياسية، بحيث لا تخطو أي خطوة إلا وفق توصياته، وأي خروج عن الخط المرسوم يؤدي إلى حجب القسط القادم من القرض الممدد.
فتونس لم تتحصل على الأقساط الخمسة الأولى خلال 2016/2019، إلا بعد سير الحكومة قدما في الإصلاحات الكبرى التي يشرف على تنفيذها توفيق الراجحي وعلى رأسها: تخفيض سعر الدينار مقابل الدولار، والضغط على النفقات العمومية، وتخفيض نفقات الدولة الخدماتية، ورفع الدعم عن الحاجات الأساسية ولو جزئيا، وزيادة أسعار المحروقات، وفرض الضرائب، وخصخصة القطاع العام، وذلك بالتفويت في المؤسسات العمومية للقطاع الخاص الأجنبي لتمويل الموازنة وهي من أخطر ما تتناوله الإصلاحات الكبرى الذي قدمه يوسف الشاهد قربانا لصندوق النقد الدولي، حيث وقع التفويت في 14 بنكا، ويجري العمل قدما على التفويت في مصانع الاسمنت والحديد والتبغ والمؤسسات الخدمية وغيرها.
وصفات صندوق النقد لم تزد تونس إلا خضوعا وفشلا:
ويعتبر صندوق النقد الدولي من أشد المؤسسات المالية فتكا باقتصاديات بلدان العالم الثالث، ومن أكثر المؤسسات التي تستخدمها الدول الكبرى للتدخل في شئون دول العالم بإغراقها في دوامة الديون وفرض التبعية الاقتصادية عليهم، فقد ازداد الفقر وتضاعفت المشاكل حيثما حل، وبلدنا تونس خير شاهد على ذلك، فالإصلاحات الاقتصادية التي فرضها الصندوق علينا لم تزدنا إلا فقرا وعجزا.
فمنذ تدخل الصندوق تدهور سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية بشكل لم يسبق له مثيل، وازدادت المديونية والضرائب وأسعار المحروقات، وهو ما أدى إلى التضخم في العملة و غلاء المعيشة وزيادة العجز في الميزان التجاري الذي بلغ 19 مليار دينا، بالإضافة إلى تردي الخدمات الصحية والتعليمية والخدماتية.
أما المديونية فقد بلغت أواخر 2018 أكثر من 76 مليار دينار، أي ما يعادل 71% من الناتج المحلي وهو ما يستنزف موارد الدولة، فوفقا لبيانات وزارة المالية التونسية، تصل قيمة خدمة الدين في موازنة العام المالي لسنة 2018 إلى 7.972 مليارات دينار، منها 5.185 مليارات دينار لسداد أصل الدين ومبلغ 2.787 مليار دينار لسداد الفوائد.
الحزام السياسي لتنفيذ الاملاءات الموجعة
ونظرا لخطورة بعض بنود هذه الإملاءات، لم تستطع الحكومات المتعاقبة على فرض سياسات الصندوق بالوتيرة التي كان ينشدها وذلك للوضع السياسي الحرج للبلاد حتى لا ينزلق في فوضى غير مأمونة العواقب، ولذلك كان السير في هذه الاملاءات بشكل حذر خاصة فيما يمس لقمة الناس، فقد أوردت جريدة الصباح في الثالث من الشهر الجاري تصريحا لتوفيق الراجحي من أن منظومة الدعم تتطلب حزاما سياسيا لإنجاحها، مؤكدا أنه بالرغم من اعداد الحكومة لخطة طريق تمت الموافقة عليها من قبل مجلس وزاري منذ 2018 وتكوين لجنة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، الا أن كل المشاريع لم نتقدم فيها لغياب حزام سياسي.
صندوق النقد يستبق الحكومة القادمة باتفاقيات ملزمة
وأمام الضغط الشعبي المتزايد ونقمة الناس على الطبقة السياسية الحاكمة بالوكالة، فإن تنفيذ بعض بنود هذه الاصلاحات كخصخصة القطاع العام وإلغاء منظومة الدعم، سيجد معارضة شديدة من الناس ولن تجرأ الاحزاب الحاكمة أو المعارضة على تأييده، خاصة إذا أفرزت الانتخابات النيابية برلمانا مفككا يتنازعه خليط من التشكيلات السياسية، لذلك سيعمد صندوق النقد الدولي في هذه الزيارة لإبرام اتفاقيات مع الحكومة الحالية لإلزام الحكومات القادمة باتفاقيات لا مناص من الانفكاك منها، وهو ما كشف عنه الراجحي في تصريحه بأن المراجعة السادسة قد تتضمن امضاءات من وزير المالية ومحافظ البنك المركزي كالتزامات أمام الصندوق للحصول على القسط السادس من القرض الممدد بقيمة 450 مليون دولار.
إصرار على ترسيخ الاستعمار وجعل البلاد تحت الوصاية
إن استقبال حكام تونس لوفد صندوق النقد الدولي واتباع سياسة التداين من الخارج، هي جريمة كبرى يراد منها فتح الطريق للأموال الأجنبية لتحل محل الجيوش والقوى العسكرية في فرض السيطرة على البلاد، وذلك بالرغم من أن الخيارات الاقتصادية البديلة قائمة وممكنة إذا وجدت الإرادة السياسية، خاصة أن بلادنا تزخر بثروات كبيرة وكنوز دفينة، و لكن حكامنا أخلدوا إلى الأرض واتبعوا وصفات صندوق النقد الدولي وجرعاته المميتة فأصبح الحال يغني عن المقال.
الحل
لقد كان أحرى بحكام تونس رفض قروض صندوق النقد الدولي وعدم الاستجابة للضغوط الدولية، حتى تستطيع الدولة تخطيط المشاريع المنتجة بما يخدم مصالح البلاد، وليس الدول الكبرى وشركاتها الإستعمارية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال مشروع حضاري يحررنا من الهيمنة الغربية، أي بمشروع حضاري من خارج المنظومة الغربية، فالأمر يحتاج إلى تغيير النظام الرأسمالي العلماني الذي نبتت منه كل الشرور، من مؤسسات ربوية، ونظام احتكاري، وتحكمات اقتصادية، وشركات عملاقة تتحكم في الاسعار والاجور وغيرها.
الإسلام هو المشروع الحضاري الوحيد لتحريرنا من هيمنة الغرب
إنه من رحمة الله سبحانه وتعالى علينا أن ديننا الإسلامي قد حمانا من وباء القروض الربوية ووفر على أمتنا مثل هذه المطبات المالية المهلكة، فبتحريم الربا في الإسلام فإن هذا السلاح اللعين يُرَدُّ بكل بساطة على أهله ويتحرر المسلمون منه تحرراً كاملاً، ولا يضيق المجتمع والأفراد والدولة بعبء المديونية الثقيل الذي يغرق من يتعامل به في بحر لجي من الظلمات الاقتصادية القاتمة.
وإن العلاج الناجع للمشكلة الاقتصادية في بلادنا هو في تبني نظام الإسلام العظيم الذي بين ثلاث مسائل هامة وهي:
-
التملك: فقد حدد الإسلام أسباب التملك (العمل، والإرث، وإعطاء الدولة الأموال للرعية، وإعطاء ذوي الحاجات، والأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل جهد أو مال. وحرم (الربا، والقمار، والاحتكار، والغش، والبيوع الحرام، والشركات المساهمة، والتأمين، والخصخصة، وغيرها)
-
التصرف: ينقسم قسمين في الإسلام (الإنفاق والتنمية)، والإنفاق إما (حرام أو مستحب أو واجب)، وأما التنمية فقد بين الإسلام (أحكام الاستصناع وأحكام الشركات وأحكام البيوع وأحكام الأراضي).
-
التوزيع: هو إشباع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد وتمكينهم من إشباع الحاجات الكمالية. والحاجات الأساسية للأفراد هي (المأكل والملبس والمسكن) والحاجات الأساسية للرعية هي (التطبيب والتعليم والأمن).