هل أن السياسة هي فن الممكن؟ قصر تعريف الشيء على أحد صفاته أو ماهياته يزيفه ويحرفه

هل أن السياسة هي فن الممكن؟ قصر تعريف الشيء على أحد صفاته أو ماهياته يزيفه ويحرفه

السياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من قبل الدولة والأمة فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة .

والحزب السياسي القائم على الإسلام كمبدأ يمارس السياسة بحسب طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة وتغيير المجتمع ، ويلتزم هذه الطريقة ولا يقبل فيها التنازل ولا التفاوض .

وأما وصف السياسة بأنها فن الممكن فهو وصف من حيث  كونها في الممكنات لنفي الاستحالة والخيال وطلب غير الممكن.. ولكن هذا الوصف ليس تعريفا لها وإن عرفها البعض بهذا التعريف. فليس كل ممكن هو سياسة, وقد ترى هدفا مثل إقامة الخلافة مستحيلا لكنه فرض وواجب شرعي ووعد من الله عز وجل ومن الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك..

ليس كل ممكن جائز بحسب الأحكام الشرعية

فالرسول صلى الله عليه وسلم رفض الحكم مجزوءا أو مشروطا كما في واقعة عامر بني صعصعة وثعلبة بني شيبان بالإضافة إلى الآيات التي دلت على حرمة التنازل.

والآن يأتينا من يتعجل الشهرة أو السمعة أو يزعم أنه يملك طريقة أكثر عملية.. فيقفز على جل الأحكام الشرعية المتعلقة بالتغيير ومنها:

1/ وجوب وضوح الغاية وأنها إقامة حكم الإسلام بتشييد الخلافة

2/ وجوب الالتزام بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة.

3/ وجوب ان يكون الخطاب عقديا وليس برغماتيا لا لون له ولا رائحة.

4/ وجوب أن تكون المحاسبة حكما شرعيا وليست بديلا عن الطريقة وليس غاية لذاتها ، وليس مجردة  دون امتلاك مشروع بديل.

5/ وجوب ان تكون المحاسبة كأسلوب على أساس الأحكام الشرعية.

خطابات ومناكفات حول العمل الحزبي واعتراضات.. تتبخر جميعا لنجد أصحابها ينتهون إلى شعار مائع.. “السياسة فن الممكن”

إنها نتيجة طبيعية لمن يدورون حول أنفسهم وليس حول الحكم الشرعي, فوصف السياسة بأنها فن الممكن والتوقف عن إبراز تصور الإسلام في الحكم والدولة مهزلة سبقكم بها أصحاب الإسلام المعتدل.

عندما تقتضب تعريف الشيء بأحد ماهياته فإنك تزيفه

مثلا القول: بأن “الإسلام دين المحبة”: تزييف لرسالة الإسلام ووصف يقتل في الإسلام عنصر الكفاح والنضال والجهاد… وعنصر التشريع وعلى رأسه تشريع الحكم والاقتصاد .ولكن أن يقال إن “الإسلام فيه محبة”.. فهي مقولة صحيحة بلا شك.

وإن قلت في شرحك لمعنى الأخوة أو الحب في الله.. مثلا: “الإسلام دين محبة”.. فهو في سياقه صحيح.. ولهذا نعرف أن ترويج فكرة “الإسلام دين المحبة” ولهذا فإننا نعرف أن ترويج مثل هذه الجملة في خطب ومواعظ معينة يأتي ضمن حملة تزييف الإسلام.

مثلا القول :بأن الإسلام دين الاخلاق هو تزييف وحرف لرسالة الإسلام وتحويلها لرسالة كهنوتية أخلاقية ونزع الوجه العقدي والتشريعي فيها ومسخها إلى مصاف النصرانية واليهودية :

ولكن يقال بأن الأخلاق جزء من الأحكام الشرعية التي انزلها الله.

فإن قلت في شرحك لمعنى الإسلام.. فالإسلام كنظام شامل كامل منبثق من عقيدة قطعية أتى بكل الأخلاق الحسنة ونهى عن كل الأخلاق السيئة فكان بذلك دين الأخلاق.. يجمعها كلها كان السياق صحيحا.

ونفس الأمر بالنسبة للقول بأن “السياسة فن الممكن”

فهي مقولة يرددها العلمانيون والميكافيليون والمحرفون لرسالة الإسلام وكل من سار في طريق التنازلات والمساومات.. وكل من يبتغي الهرب من دائرة الالتزام بالأحكام الشرعية. ولكن في شرحنا لمعنى السياسة بعد تعريفها بأنها رعاية شؤون الناس بأحكام معينة.. وان الإسلام جعل الأحكام الشرعية هي الأساس في رعاية الشؤون.. أن قلنا “والسياسة بهذا المعنى هي فن الممكن” فالمقولة صحيحة.

إن قصر تعريف الشيء على أحد صفاته أو ماهياته يزيفه ويحرفه

عندما نقول مثلا: “السياسة فن الممكن”

 وتكون المقولة قائمة لوحدها دون تفصيل ودون شرح ودون تلبس بالتزام منه شرعي في التغيير كما تفعل الجماعات التي وصلت للحكم باسم الإسلام ولم تحكم به, عند ذلك تكون المقولة هدفها التنصل من الالتزام بالشرع في عملية التغيير وفتح الباب على مصراعيه للتنازل عن الخطاب الشرعي الواجب لمن يقوم للتغيير.

وتكون هذه المقولة بمثابة تصوير لمن يخوض العمل السياسي القائم بعد أن يتعرى من الالتزام بالحكم الشرعي بأنه يفعل الممكن, وبالتالي لا تثريب عليه, وتصوير عدم القبول بأنصاف الحلول آو أشباه الحلول, أو التنازل عن مفاهيم الإسلام وأحكامه في الحكم والدولة بأنه تعلق بالخيال أو المستحيل.

فمن يدعو لإعادة الخلافة بالعمل السياسي الفكري يمارس الخيال, ومن يشارك في لعبة الانتخابات بأنه يمارس فن الممكن..

وبهذا الفهم فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما رفض عرض عامر بني صعصعة وثعلبة بني شيبان كان خياليا غير عملي. وإذا قرنت مقولة القائل مع ممارسته رفع العذر عن صاحب المقولة.

محمود رضا

CATEGORIES
TAGS
Share This