وضعت حرب الانتخابات أوزارها وبعد أن أفرزت ما أفرزت وعبدت الطريق للمتهافتين على السلطة وكراسيها إلى قصر باردو، وقبل أن ينقشع غبارها بالكامل دقّ غانموا الوجاهة والحصانة طبول حرب جديدة تدور رحاها هذه المرة حول المغانم المخبأة في قصر القصبة لتعويض ما خسروه في معركة الوصول إلى كرسي قصر قرطاج، واليوم لا شيء يعلو على الحديث عن تشكيل الحكومة القادمة وعن جنسها, أهي حكومة تجمع أحزابا أم حكومة كفاءات أم تراها حكومة إنقاذ, أم هي حكومة ما أسموه بحكومة الرئيس؟ وخلف آكام هذه التسميات المتعددة يقف حزب أو إئتلاف أو ما شابها ذلك مدججا بترسانة من الأطماع ممطيا ظهر مصالح حزبه وعلى أهبة الاستعداد للإتيان على الأخضر واليابس في سبيل تحقيق مآربه تحت عنوان انتشال البلاد من الوضع المزري الذي تتخبط في قاعه والوصول بها إلى بر الأمان، وبر الأمان هذا يختلف من حزب إلى أخر حسب اختلاف الأجندات والمسارات المحددة سلفا من غرف ما وراء البحار, وحسب حجم العطايا القادمة من هناك.
” أحصنة طروادة “
“حركة النهضة” الفائزة في الانتخابات البرلمانية لم يمنحها حصاد الصناديق الأغلبية المريحة, بل وجدت نفسها محاطة بأغلبية ترفض التعامل معها ومساعدتها في حمل عبئ تشكيل الحكومة الجديدة وهي بدورها ترفض التعامل مع “حزب قلب تونس” الذي يليها في الترتيب و”الحزب الحر الدستوري” متعللة بفساد الأول وديكتاتورية الثاني ووجهت بوصلتها حول أحزاب وصفتهم بالثورية ك “التيار الديمقراطي” و”حركة الشعب” و”ائتلاف الكرامة” وبعض المستقلين, وبما أن لكل مكون للبرلمان الجديد أجندات محددة, رفض شق ممن مدت لهم حركة النهضة يدها أن يكونوا من مكونات الحكومة القادمة أو قدموا إزاء ذلك جملة من الشروط لم تستسغها الحركة المذكورة. ف “التيار الديمقراطي” اشترط أن يكون ثمن تحالفه مع “حركة النهضة” وزارتي العدل والداخلية ووزارة الإصلاح الإداري, وهذا ما صرح به القيادي ب”التيار “محمد عبو” وقد نفى عن ” حركة النهضة” القدرة على حمل تلك الحقائب الثلاث إما لعدم الكفاءة أو لفساد أعضائها. أما ” حركة الشعب” فهي بدورها ردت على مغازلة “حركة النهضة” لها بجملة من الشروط أبرزها كشف ملابسات الاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد أثناء حكم “الترويكا” وفتح ملف التسفير إلى بؤر التوتر مع اعتراف الحركة بمسؤوليتها في التدهور الذي تعيشه البلاد في جميع المجالات وخاصة المجال الاقتصادي. أما ” حزب قلب تونس” و” الحزب الدستوري الحر” فتحججا بكون ” حركة النهضة” وحليفها “ائتلاف الكرامة” يمثلان التطرف والرجعية ويناهضان الحداثة وضد مدنية الدولة, لذا لا يمكن أن يكونا ضمن حكومة تقودها “النهضة” ومن بين مكوناتها “ائتلاف الكرامة”. إذن, الكل يشترط والكل يتمنع ولا غاية للجميع إلا المزايدة للحصول على تنازلات من هذا الطرف أو ذاك لينال نصيبه من كعكة الحكم ليس إلا. فلا “حركة النهضة منحازة للثورة وترفض التحالف مع الفساد والاستبداد ولا “التيار الديمقراطي” يريد حقا الإصلاح ولا البقية جادون وصادقون في ما يزعمونه. فالهدف المشترك عند الجميع هو غنيمة الكرسي ولا شيء غير الغنيمة وما نسمعه ونراه من تجاذبات وصراعات كلها فقاقيع صابون سرعان ما تتلاشى بمجرد أن يلامسها هواء الكراسي وكل المواقف المعلنة ما هي في الحقيقة إلا استنساخ لحصان طروادة وبأشكال مختلفة ومتعددة كل حسب حاجته والأهم هو حاجة المسؤول الكبير, فلكل فائز في الانتخابات مسؤوله الكبير, ولن تكون الحكومة إلا وفق ما يفرزه الصراع بين مسؤول كبير وآخر من نتائج.
وعليه, كل ما نشاهده هذه الأيام لا يتعد كونه لهو صبيان وعبثا طفوليّا سينتهي بمجرد رفع المسؤول الكبير سبابته والإشارة بها تجاه الذي يريده ويعود بعده الهدوء للجميع وندخل في مرحلة قديمة جديدة من المعاناة ويستمر لهث الناس خلف السراب إلى حين أن يدركوا ضرورة تحطيم الآلة الصانعة لهكذا أحزاب ولهكذا ساسة. آلة النظام الديمقراطي الوضعي التي لن يكون إنتاجها إلا نكدا وزرعها خمط وأثل وسدر قليل..