باشر الأستاذ قيس سعيد مهامه كرئيس للجمهورية بعد أدائه اليمين الدستورية أمام البرلمان، ولم تخالف اجراءاته المألوف عدى الاعلان عن مبادرة التبرع بيوم عمل كل شهر طيلة خمس سنوات لمعالجة المديونية، وهي مبادرة تعطي فكرة عما يمكن أن يقدمه الرئيس قيس سعيد لمعالجة أحد أهم الملفات الحارقة التي تواجه البلاد و تهدد استقلالها وتضع قرارها السياسي بيد الدول الغربية و مؤسساتها المالية، بعدما بلغت حجم الديون الخارجية 97 مليار دينار حسب اخر تقرير للبنك الدولي. وقد علق توفيق الراجحي الوزير المكلف بالاصلاحات الكبرى على هذه المبادرة بأنها تمكن من دفع مستحقات صندوق النقد الدولي أو إحدى قروض السوق المالية.
لا شك أن قسما عريضا ممن انتخبوا الأستاذ قيس سعيد ينتظرون منه التغيير لاسترجاع القرار السياسي المسلوب والثروات المنهوبة والأموال المغصوبة والمهربة، والقضاء على المديونية والفقر والبطالة والمحسوبية والفساد والاحتكار والتهرب الضريبي ونفوذ رؤوس المال الفاسدين وسطوة الدول الغربية ومؤسساتها المالية وغيرها الكثير من الملفات الحارقة التي تحتاج إلى رجل دولة يستند في قراره وسياسته على سيادة الشرع وسلطان الامة دون غيرهما.
لكن بالمقابل فإن رئيس الجمهورية قيد نفسه باحترام الدستور العلماني، سبب الفساد و الافساد، الذي أشرف عليه اليهودي نوح فيلدمان، وسيلتزم بالاتفاقيات الدولية التي من خلالها يبقي الغرب نفوذه على بلادنا، ما يعني أن هامش التحرك محدود، بل يكاد يكون منعدما ولن يخرج عن مبادرات ضمن الإطار الممكن والمسموح به داخليا وخارجيا، من قبيل ما أعلنه في خطابه الأول بالضغط على الحلقة الأضعف ليتحمل الشعب المسكين تكاليف السياسات العقيمة التي أنتهجتها الحكومات المتعاقبة التي أغرقت البلاد في بحر لجي من القروض المتراكمة، أو من قبيل إعادة إنتاج الفسفاط إلى سابق عهده وحل معضلة الحوض المنجمي، أو التقليل من الاضرابات وما شاكل ذلك، وهي أمور لن تلبي طموحات الشعب الثائر الذي يبتغي العيش الكريم و التحرر الشامل.
إن أكبر معضلة تعيشها تونس هي النفوذ الغربي الذي يطل برأسه في كل شاردة وواردة، فصندوق النقد الدولي أرسل وفده أثناء الانتخابات التشريعية والرئاسية ليقف على مدى التزام تونس بالاصلاحات الكبرى التي في حقيقتها إملاءات الصندوق، أما سفير الاتحاد الأوروبي في تونس باتريس برغاميني فلا يتوقف عن التدخل في شؤون البلاد، وقد صرح بعيد الانتخابات بشكل صلف ومهين بقوله حان وقت الفعل احقيقي ويجب فعل الاصلاحات الاقتصادية، وهو بذلك يلوح بضرورة التوقيع على اتفاق الأليكا الذي يهدد الأمن الغذائي التونسي، ولن يدخر الغرب وأدواته المحلية في ثني البلاد عن التوجه نحو التحرر الشامل وسيشغلون أبناءها في الدوران حول الحلول الجزئية والعقيمة.
إن مجرد التفكير بالتغيير ضمن المنظومة الغربية ودون الانفكاك من النفوذ الأجنبي ومؤسساته المالية هو تفكير عقيم، بل هو تفكير مدمر إذا يبعث في الناس قناعة بعدم قدرتهم على التغيير، لأن التغيير الحقيقي لا يكون حسب ما يسمح به الغرب وتحت إشرافه و ضمن شروطه، بل لا يقع إلا وفق مشروع حضاري من خارج المنظومة الغربية، مشروع نابع من عقيدة الامة وتراثها التشريعي، فالإسلام وحده القادر على تحريرنا وإخراجنا من عنق الزجاجة، إذا وضعناه موضع التطبيق والتنفيذ، وإن اتخاذ مثل هذا القرار لا يقدر عليه إلا من كان ملتحما بأمته، واثقا بربه، مخلصا لدينه.
لقد حوى الإسلام معالجات شافية ووافية لكل القضايا المصيرية بما فيها المديونية وهي جاهزة للتنفيذ، وإذا أراد الرئيس ومن حوله التفصيل في ذلك فطريقه معلوم لديهم.
قال تعالى: “يا أيّها الناس قد جاءكم بُرهانٌ من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مُبِينا”
د. الأسعد العجيلي, رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير – تونس