جمعهم الثبات على المفاهيم الغربية والتشبث بالنظام الوضعي والعض عليه بالنواجذ، ومشاقّة الله ورسوله وشن” الحرب تلوى الأخرى على أحكام الإسلام. هذا من جانب، ومن جانب آخر شتتتهم وفرقت جمعهم الحسابات والأطماع والولاءات التي تختلف باختلاف جنسية المسؤول الكبير. وبعبارة أوضح جمعهم الباطل وفرقهم باطل مثله. هذا هو حال الفائزين في الانتخابات الأخيرة والتي هي بدورها ملطخة بأدران الباطل. لهذا ما نراه من صراع وتطاحن من أجل الضفر بحقيبة أو أكثر من مخزن قصر القصبة. لا يتعد حدود المزايدات الرخيصة بما فيهم أولئك الذين أعلنوا زهدهم في الحكم واختاروا أن يكونوا في صف المعارضة. وحتى يبدو الأمر وكأنه جدل وتجاذب من أجل مصلحة البلاد والعباد جعل كل فريق من المتهافتين على الحقائب الوزارية عنوانا للحكومة التي يراها الأصلح والأنسب لتكون سفينة نجاة لتونس فهذا يقترح أن تكون الحكومة القادمة تحت مسمى “حكومة إنقاذ وطني” وذاك يصر ويلح على أن يكون عنوانها “حكومة مصلحة وطنية” أما الآخر بعد طول تفكير وتمعن أجزم أن لا غنى عن “حكومة كفاءات اقتصادية” كل يغني عن حكومته وكل يحاول إخفاء مآربه خلف العنوان أو المسمى الذي وضعه للحكومة المنتظرة. وفي حقيقة الأمر كل هذه العناوين مجرد شعرات جوفاء, فلا إنقاذ ولا مصلحة إلا مصلحة تلك الأحزاب المتكالبة على الحكم وعلى خدمة المسؤول الكبير، ولا كفاءات. لقد قالها من سبقهم وبشرنا بالإغماء لو اطلعنا على برنامج حزبه وقائمة الكفاءات الموجودة فيه وفي الأخير كانت النتيجة أن زادت أوضاع البلاد تدهورا وتحول حزبه إلى شقوق قبل أن يندثر بشكل نهائي.
رسكلة الوهم
تلاشت “حركت النداء” وتقلص حجم “حركة النهضة” بعد أن مسكتا بتلابيب الحكم وتقاسمتا غنائمه تحت سطوة التوافق والتنازلات وفي المقابل صعدت أطراف أخرى مما أوحى بأننا على أبواب مرحلة جديدة تختلف عن سابقتها خاصة وأن الأجواء الثورية هي الطاغية اليوم أو هكذا يبدو, وكثر الحديث عن حتمية القطع مع الماضي ورفض من هم موسمين إما بالاستبداد ك “الحزب الدستوري الحر” أو بالفساد والمتمثل في “حزب قلب تونس” خاصة وأن الانتخابات الرئاسية أتت برئيس يوصف بالاستقامة ونظافة اليد وكل الصفات التي يحلم الناس بأن يروها في الرئيس.
إذن تغير المشهد وبدأ الأمل يدغدغ الكثيرين وانطلق التطلع لمرحلة جديدة تتحسن فيها الأوضاع وتسترد البلاد هيبتها وسيادتها وتتخلص من ربقة الاستعمار، تماما كما هو الحال عقب هروب ” بن علي” وسقوط منظومته التي سامت الناس أشد صنوف العذاب، وبعد حالة الاستبشار وموجة التفاؤل التي اجتاحت البلاد. وبمجرد شروع من حملتهم رياح الثورة إلى أروقة القصور الثلاث وأجلستهم على كراسي الحكم انقشعت الغشاوة وتبين للمستبشرين بسقوط عرش “بن علي” وقدوم وجوه جديدة توسموا فيهم الخير كله لا يختلفون عنه في شيء والسبب هو بقاء واستمرار الآلة التي طحنهم بها “بن علي” ومن قبله “بورقيبة” وهي هذا النظام الوضعي وقوانينه التي أقسم ” قيس سعيد” بأنه سيطبقها على الجميع دون تردد ولن يستثني في ذلك أحدا. الشيء نفسه أكد عليه من سيؤثثون مقاعد قصر باردو والذين لا يرون إلا ما تراه الديمقراطية ولا يرضون عنها بديلا.
وعليه, فإن الوضع سيبقى يراوح مكانه ولن يتغير من الأمر شيء. وسيتواصل العجز ويستمر الفشل حتى وإن تغيرت الوجوه وتبدلت الوجوه ووضعت العناوين الرنانة لأن ديمقراطيتهم هي العجز وهي الفشل وهي عدم القدرة على رعاية شؤون الناس. وبمجرد انطلاق الحكومة القادمة في أداء مهامها ستنهار قصور الرمل التي بنيت على شطآن الوهم، وسيدرك كل من علق أماله على الوافدين الجدد على سدة الحكم أن حال البلاد سيظل كما هو عليه وأنه هو ذاته منذ أن جيء ب” بورقيبة” ومن بعده ” بن علي” ثم كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة. لن يتغير مقدار حبة خردل بل ستسوء الأمور أكثر فأكثر لأن النظام الوضعي لا يزال جاثما على صدورنا ولا يزال يجد من يعمل على تكريسه وترسيخه تحت عناوين ومسميات تخدع ظمأ الذين لم يفرقوا بعد بين السراب والماء…