في ظل حكم العلمانية صارت الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً متكرراً، وصار أراذل الناس وفسّاق القوم وفجّارهم يتجرؤون على شرف الإسلام ومكانة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
في تونس الزيتونة، بلد أسد بن الفرات وبن خلدون والطاهر بن عاشور… وفي هذا الزمن الرديء، ينشر الحاقد على الإسلام, رئيس جمعية الشواذ “منير بعتور” في صفحته على الفايسبوك منشورا يتهكم فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعلى الإسلام وعلى آيات القرآن ما أدّى إلى موجة غضب عارمة في أوساط الناس وسط تعتيم شبه كلي من وسائل الإعلام- إلا من رحم ربي- التي سارعت فيما بعد للحديث عن التكذيب الذي نشره المدعو منير بعتور ينفي فيه ما اقترفه من أفعال..
وإثرها بأيّام صرحت اليسارية ألفة يوسف في إذاعة موزاييك أف أم انه ” من غير المعقول التطاول على الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة… التدوينة التي تم فيها سب رسول الله من قبل منير بعتور رئيس جمعية شمس للدفاع عن المثليين جنسيا تعتبر حرية تعبير…”
وفي هذا الأسبوع تم نشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ل4 فتيات لا تتجاوز أعمارهن 16سنة فيه استهزاء بذكرى المولد النبوي وسب لله ولرسوله..
فمن الواضح أن هذه الشرذمة الساقطة في ظلال النظام القائم أصبحت أكثر صخباً وشجاعةً في هجماتها وإهاناتها ضد الإسلام .
فأمثال هؤلاء لا تخيفهم بعض قوانين العقوبات التي سيواجهونها إذا تمت إدانتهم. وهذا يدل على أن القوانين في البلاد ليست رادعا لهم لامتصاص هجماتهم وإهاناتهم ضد الإسلام، وهو الدين الرسمي المنصوص عليه في الدستور!
ولا يغيب عنا أن هؤلاء مدفوعون من قبل دوائر الغرب صاحب الرصيد الممتلئ بالإساءة لديننا وعقيدتنا..
السؤال الذي يطرح نفسه..
لماذا في بلد حيث الإسلام فيه منصوص في الدستور، هناك أفراد لديهم الجرأة لمهاجمة والإساءة للإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ما السبب في استضعافنا لهذه الدرجة، وإتيانهم بنيانَنا، وتسلقهم جدرانَنا، وإساءتهم إلى مقدساتنا في تحدٍ صارخ، واستفزاز ساخن دونما خوف ولا وجل؟!
ذلك لأن قوانين البلد ليست مستمدة من أحكام الإسلام بل من العلمانية. العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة، وهي أساس الليبرالية التي تضمن حرية التصرف والفكر، حتى عندما تكون فاسدة.
في الواقع، لا تضع قوانين البلاد أي أهمية لقوانين الخالق (أحكام الشريعة) التي يجب تطبيقها، وبالتالي تونس اليوم هي دولة علمانية على الرغم من أن الإسلام هو الدين الرسمي فيها؟!
فممَّ يخشى هؤلاء المعتدون إذن.. إن أساؤوا للإسلام، وقرآن الإسلام، ونبي الإسلام؟!
أيخشون الحكامَ في بلادنا، وهم قد وضعوا الإسلام خلف ظهورهم، فعطّلوا أحكامه واتخذوا أحكام الغرب وأنظمته ووجهة نظره للحياة شرعتهم ومنهاجهم في الحكم والتشريع؟!
بطبيعة الحال فإن كل مسلم مخلص يسأل عما يجب فعله في هذه الحالة، وكيف يمكن وقف الاستهزاء برسول الله عليه الصلاة والسلام، وكيف يكون الرد الحقيقي على هذا التحدي، وكيف نعاقب أولئك المجرمين على جرائمهم، ومن ثم كيف نعمل على القضاء نهائيا على الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم ؟
لو نظرنا في سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، وفي تاريخ الدولة الإسلامية، منذ بدايتها وحتى تاريخ هدمها، فسيتضح لنا تماماً أن الإسلام قد وضع حلاً لهذه المشكلة، حيث واجه المسلمون حالات مماثلة مرات عدة. لقد حافظ الإسلام على العقيدة بأحكام كثيرة، وقد منعت هذه الأحكام بفاعلية محاولات النيل من الإسلام أو المساس بمقدسات المسلمين على مر القرون، ليس فقط داخل حدود الدولة الإسلامية بل أيضا على أراضي الدول الأخرى.
ويكفي أن نذكر ما جرى في 1890م حين قام الكاتب الفرنسي مارك دي باريس بكتابة سيناريو لمسرحية تعرض على خشبة مسرح كوميديا فرانسيس، وفيها إساءة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فقام حينها الخليفة عبد الحميد بإرسال رسالة إلى فرنسا يمنعها فيها من عرض تلك المسرحية، فأطاعت فرنسا أمره ومنعتها، وأرسلت للسلطان الرسالة التالية: “نحن متأكدون بأن الموقف الذي اتخذناه تجاه أمر السلطان سيعزز العلاقة التي بيننا…”.
ثم قام الكاتب الفرنسي بعدها بمحاولة عرض مسرحيته في بريطانيا، وبدأ التحضير للعرض في أحد المسارح الإنجليزية المشهورة، فما كان من السلطان إلا أن أرسل رسالة أخرى يطلب فيها منع عرض المسرحية، فمنع عرض المسرحية في بريطانيا، واعتذرت بريطانيا عن سكوتها عن محاولة الكاتب عرض مسرحيته فيها. لا بد هنا من التأكيد على أن هذا الأمر حصل حين كانت الإمبراطورية البريطانية تحتل مركز الدولة الأولى في العالم، كما هي أمريكا اليوم، وفرنسا أيضا كانت من الدول الكبرى وقتها، ومع ذلك فإن الخلافة العثمانية لم تسمح لهما بالإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الغرب يتصور تماماً مدى ما يحمل المسلمون من حبٍّ لرسولهم ولدينهم وأنهم جاهزون للذود عنهما والحفاظ على قيمهم مهما كلفهم الأمر.
وهكذا، فإن الدولة هي التي حمت العقيدة، ومنعت المساس بشرف الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. ولذلك لا بد أن يفهم الجميع أن الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم والإساءات الأخرى للعقيدة الإسلامية ستتوقف فقط عندما تقام دولة الخلافة الإسلامية.
من هنا، يتبين بأن الطريق الوحيد لمنع الإساءة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، هو العمل لإقامة الخلافة. وجدير بالذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تحمل صنوف الأذى في طريق إقامة الدولة، من الاستهزاء والاعتداء المادي على شخصه. فمنهم من ألقي على ظهره أمعاء الشاة وآخر وضع الشوك في طريقه، وثالث وضعت القمامة عند باب بيته، ورابع حثى على رأسه الشريفة التراب. وما تعرض له صحابته الكرام، من أصناف العذاب، وحتى القتل. وهكذا فإن الطريق التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت من أجل حماية المسلمين وتطبيق شرع الله وحده، وهو الطريقة لإقامة الخلافة. هذه الطريقة تتضمن إنشاء التكتل، الذي أخذ على عاتقه أعباء العمل بين العرب لدعوتهم إلى الإسلام، ليصبح دينهم. وفيها طلب النصرة من أهل القوة الذين يحمون الرسول صلى الله عليه وسلم ويسلمونه الحكم. وبعد 13 عاماً من العمل الجاد، والتضحيات الجسام، هيأ الله لنبيه أنصاراً من أهل يثرب التي صارت تعرف بالمدينة المنورة فيما بعد، فسلموه الحكم وأقيمت أول دولة للإسلام على يد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
أما بالنسبة للشكايات والعرائض التي تقدم أمام القضاء ضد المسيئين وبالنسبة لجملة أعمال الإستنكار والرفض، فإنها وإن كانت تعبر عن غضب المسلمين على المسيئين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن في تونس أحبابا لرسول الله مخلصون لدينهم ولنبيّهم إلا أن تلك الأعمال لا تنتج أثراً مباشراً في وقف الإساءة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم… وعليه فلا يجوز أن يقتصر الرد على الإساءة المتكررة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتنفيس عن المشاعر ومن ثم السكوت والرضا… بل إن الرد الحقيقي والوحيد على هذه التصرفات الدنيئة هو أن يكون للمسلمين قوّة في وجه هذه الإساءات، وإنما يكون ذلك بالمسارعة للعمل من قبل الأمة الإسلامية جمعاء لإقامة دولة الخلافة بطريقة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وعندها فإن أعداء الإسلام سيحاسَبون على أعمالهم أمام رئيس الدولة، كما فعل الخليفة عبد الحميد.
إن إقامة الخلافة الراشدة الثانية هي وحدها التي ستعيد للمسلمين عزتهم وتحميهم، وستجعل أعداء الإسلام يحسون من جديد أنه لا يمكن التعدي على قيم المسلمين ومقدساتهم.