رأي علماء المالكيّة في دفع الزّكاة إلى الدّولة
ياسين بن علي
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
نلاحظ منذ مدّة سعي جمع من المشايخ والأئمة ودكاترة الشريعة إلى إيجاد رأي عام حول مسألة تبني الدولة لفكرة الزكاة من باب تنظيمها تحصيلا وصرفا. وقد قال ممثل الهيئة الشرعية للجمعية التونسية لعلوم الزكاة بصفاقس شفيق شطورو في دورة من الدورات إنّ “العجز المالي في البلاد يمكن معالجته عن طريق الزكاة، مبينا أن الزكاة تعتمد اليوم على مبادرات فردية ولا بد من تنظيمها لتصبح جزءا من ميزانية الدولة.وبيّن أن المواطن يريد إخراج الزكاة وأنه من الضروري تنظيم هذه العملية بتوفير الأطر القانونية اللازمة لها، مشيرا الى أن وضع الزكاة في سلة الدولة بإحداث صندوق لها سيساعد على حل مشاكل عديدة من بينها الفقر والتعليم والصحة. كما أكد أن الزكاة يمكن أن تشكل عاملا رئيسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وفق تقديره.وقد أجمع عديد المتدخلين على ضرورة أن تصبح الدولة راعية للزكاة”. (عن باب نت بتصرف، بتاريخ 04/12/2019م).
إنّ هذا المقترح المتعلّق برعاية الدولة التونسية لصندوق الزكاة ينظر فيه من زوايا متعدّدة، منها السياسي والاقتصادي والفكري والاجتماعي والفقهي، ويثير عدّة أسئلة محورية تحتاج إلى دراسة وبحث، منها:
-
لماذا الحديث عن الزكاة الآن، ولماذا المطالبة بهذا الحكم الشرعي دون بقيّة الأحكام الأخرى الجوهرية المحورية كتطبيق الشريعة ككلّ وتغيير النظام العلماني؟
-
هل تسمح الأسس الفلسفية اللائكية للدولة التونسية بتبني الزكاة كحكم شرعي ديني؟
-
هل يمكن للزكاة أن تعالج الدمار الاقتصادي الذي سبّبه السّاسة برهن البلد لصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي؟ وهل تعدّ الزكاة اقتصاديا من أركان الاقتصاد؟
-
هل ستفرض الزكاة على النّاس وتحصّلها الدّولة بقوة القانون أم أنّها ستكون اختيارية؟إذا قلنا: ستفرض على الناس، هل يقبل العلمانيون بهذا؟ وإذا قلنا: هي اختيارية، فلن يغيّر المقترح شيئا.
-
هل يمكن للزكاة حقّا أن تعالج الوضع الاقتصادي للبلد وتساهم في التنمية – كما يقولون – رغم التحديد الشرعي لمصارفها؟ قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}(التوبة).
-
هل ينتظر السادة الدكاترة والمشايخ والأئمة من رؤوس الأموال في تونس (من جلّهم إن لم نقل كلّهم) الذين لا يفقهون الحلال والحرام، ولا يفكّرون فيه، ويتعاملون بالرشوة والربا، وهم أسّ الفساد في البلاد،ويتهرّبون من الضرائب، أن يسهموا ولو بدينار واحد في صندوق الزكاة؟أم أنّ الزكاة التي ينظّر لها المشايخ والدكاترة هي زكاة من “الفقراء والمساكين” إلى الفقراءوالمساكين؟
-
هل ستصرف الدولة العلمانية الحداثية الزكاة لكلّ المواطنين الفقراء بلا استثناء (ومنهم اليهود مثلا) أم ستصرفهاللمسلمين منهم فقط؟ إذا قلنا: ستصرف للمسلمين فقط، هل يجوز لدولة علمانية التفرقة بين مواطنيها فلا تصرف الزكاة لليهود مثلا؟ وإذا قلنا ستصرف لجميع المواطنين بلا تفرقة، هل يجوز من ناحية شرعية صرف الزكاة للكفّار الذين لا يدينون بالإسلام؟للعلم: قال مالك رحمه الله (كما في المدوّنة ج1 ص345): “لَا يُعْطَى أَهْلُ الذِّمَّةِ مِن الزَّكَاةِ شَيْئًا”.