قضية الصحة أحد أبرز القضايا المعاصرة التي تهم الشأن العام في العالم، ولا يخفى التفاوت البارز في المستوى الصحي بين مختلف البلدان سواء على مستوى توفر الأدوية وطرق العلاج أو الحالة الصحية للسكان، وهذا التفاوت تتدخل فيه عدة عوامل أهمها وأكثرها تأثيرا الثراء الاقتصادي والتألق العلمي والوضع السياسي، كما أن موضوع نظام الصحة لا يغيب عن أرضية الجدال والاختلاف في التصور بين خصوم الرأي والفكر ويكون عادة ورقة صراع بين خصوم السياسة في جل البلدان.
لكن الأمر الذي غالبا يتم استبعاده عن أرض النقاش الفكري والسياسي هو الأمر المتعلق بتأثير السياسية العالمية والموقف الدولي على الوضع الصحي لسكان الأرض، وكأن موضوع الصحة لا يملك من المعايير للنظر إليه من زاوية السياسة الخارجية التي تتخذها كل دولة في العالم تجاه غيرها بخصوص مسألة الصحة.. بل إن تأثير الموقف الدولي على الوضع الصحي في العالم بالغ في الأهمية إلى درجة أن تحسين الأوضاع الصحية لسكان الأرض يقتضي تغيير موازين القوى الدولية في العالم الحالي لأن القوى السياسية التي تحكم العالم اليوم هي السبب المباشر في تردي الوضع الصحي في البلدان الفقيرة.
ولا شك أن تفصيل موضوع الصحة العالمية من جميع النواحي التي تخصه يتطلب أكثر من كتابة مقال لجريدة أو مجلة، لكن ما سأقدمه إلى القارئ هو زبدة من الأفكار ونبذة من التحليل حول علاقة تردي الوضع الصحي في العالم بسياسة الدول التي تصنف نفسها “متقدمة”
مسألة الفقر
الجانب الأول الذي يلفت الانتباه في موضوع الصحة العالمية هو “مسألة الفقر” فعند دراسة العلاقة السببية بين الفقر والوضع الصحي في عصرنا يتبين أن الدخل المالي بالنسبة للفرد يتناسب مع درجة تمتعه بالرفاهة الصحية بغض النظر عن “معدل الفقر” المنسوب لبلده نسبة الفقر من مجموع السكان(، أي بصورة أوضح فالإنسان الفقير الذي يعيش ضمن أغنى بلد في العالم معرض لسوء الصحة أكثر من الغني الذي يعيش ضمن أفقر البلدان… لذلك نستطيع أن نقر بأن العلاقة السببية بين الفقر والوضع الصحي في عصرنا هي علاقة ثنائية تتأثر أساسا بالدخل المالي للفرد ولا تتأثر بمعدل الفقر لدى بلد معين باستثناء أمثلة خارجة عن العموم.
كما أن تصنيف البلدان حسب معدل الفقر لا يعكس بتاتا ثراء مواردها الاقتصادية، فمثلا بلاد الكونغو ثالث أكبر منتج للألماس في العالم وأول منتج في إفريقيا لكنها من أكثر البلدان فقرا إذ معدل الفقر يتجاوز ال50% لاسيما بسبب توتر الوضع السياسي بالمنطقة.
لذلك نقر أن سوء الصحة لدى الإنسان مرتبط مباشرة بانخفاض الدخل المالي للأفراد بغض النظر عن اقتصاد بلدانهم، فنفهم من هذه السببية طبيعة النظام العالمي المعاصر الذي لا يوفر للفقير ما يمكنه من ضمان صحة جيدة علما أن 95% من أفراد البشرية يعانون من مشاكل صحية متفاوتة الخطورة.
معاييرالتجارةالعالمية
الجانب الآخر البارز من قضيتنا يتعلق بمعايير التجارة العالمية في مجال الصحة، إذ تحل تجارة الأدوية (بالطرق القانونية) المرتبة الرابعة عالميا من حيث حجم المبيعات بعد تجارة النفط والأغذية والأسلحة فيمكن اعتبار نسبة توفر الدواء في بلد معين مؤشرا لانتعاش اقتصاده، لكن التفاصيل التي يجب كشفها من هذا الجانب تخص التوجهات الدولية التي تنظم التجارة العالمية، لأن تجارة الأدوية لم تسلم من تلك التوجهات اللاإنسانية التي لا تراعي حاجة الفقراء للعلاج الطبي… فمنهوالرأسالمدبر؟
إن منظمة الأمم المتحدة وعلى رأسها الدول “المتقدمة” تفرض قراراتها على الدول “النامية” في إطار سياسة التبادل التجاري والاستثمار، لأنه في حين عدم توافق سياساتها الداخلية مع تلك القرارات تتعرض الدول “النامية” للمقاطعة التجارية، وإذا قبلت بالرضوخ للقرارات تتعرض لتجارة غير متكافئة. والناظر في طبيعة قرارات الأمم المتحدة يدرك انحيازها لمصالح الشركات الاقتصادية الضخمة الخاصة بالأفراد أو الشركات الرأسمالية، ولعل أبرز هذه القرارات في مجال الصحة هي تمكين المؤسسات الخاصة المصنعة للدواء من احتكار عملية التصنيع أو ما يُسمى ببراءة الاختراع وتمكين مؤسسات التأمين على المرض الخاصة وشركات تجارة الأدوية العابرة للحدود من منافسة نظراءها من المؤسسات الحكومية.
كذلك منظمة الصحة العالمية باعتبارها جهاز فرعي لمنظمة الأمم المتحدة فهي أيضا تصدر سياسات صحية أو إملاءات توصي بها دول العالم بناء على تقارير خبراءها التي تُشخص (إلى حد ما) الإشكال الصحي لدى كل بلد على حدة، لكن حين نتمعن في مضمون تلك التقارير نجد أن الصورة المستخلصة تتجرد فيما يعتبرونه خللا في الموازنة بين كلفة العلاج الطبي على ميزانية المال العام للدولة (من أدوية ومعدات وبنية وخدمات) وكلفة العلاج على الدخل الخاص لمستحقي العلاج من السكان.
فمن جهة نفهم من تقارير منظمة الصحة العالمية أن النظرة الصحية لدى الدول “المتقدمة” تقتصر على الجانب الاقتصادي المجرد دون اعتبار أولوية الوازع الإنساني للحياة، وهذا فيه تقليل من إنسانية الإنسان وفساد في المفاهيم، لأن الحل الصحيح لمشكل الصحة العالمية يجب أن ينطلق من مفهوم توظيف الموارد الاقتصادية لمداواة الإنسان، ولا يجب أن يُطرح المشكل من مفهوم الربح والخسارة على سبيل تخفيض كلفة المرض باعتباره يُعرقل الحياة الاقتصادية.
خللٌ متأصّل
ومن جهة أخرى فإن العالم “المتقدم” نفسه لم يسلم من فساد سياسته الصحية إذ يتبين بعد دراسة الإحصائيات الموضوعية أن البلدان “المتقدمة” تشكو من انخفاض نسبة التمتع بالتغطية الصحية من السكان، هذا رغم قوة اقتصادها، لأن طبيعة نظامهم الصحي لا ينظر بشكل عملي يشمل كل الأفراد لأنه عاجز أن يُعالج الأسباب الاجتماعية لسوء الصحة التي تشمل الفقراء والعاطلين عن العمل ومنخفضي الدخل. لذلك نجد الولايات المتحدة الأمريكية وهي أكبر قوة اقتصادية في العالم تعاني من نفس مشكل التغطية الصحية، ونذكر في هذا السياق أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أصدرت سنة 2015 تقريرا يفيد أن الولايات المتحدة الأمريكية تأتي في المرتبة 33 من أصل 35 دولة من حيث معدل وفيات الرضع، والمفارقة هنا أن أمريكا حققت القياس العالمي في نسبة نفقاتها على الصحة من ناتجها المحلي الإجمالي والتي تُقدر ب16% كما أن البحوث الطبية الأمريكية تتمتع بأكبر تمويل مقارنة بالدول الأخرى .. ورغم ذلك فإن حوالي 8,5% من الأمريكيين (26 مليون ساكن) لا يتمتعون بالتأمين الصحي مع اعتبار غلاء العلاج الطبي في أمريكا من دون تأمين.
أمام هذه الحقائق الصادمة نفهم أنه يتم تقييم “التقدم الاقتصادي” في أمريكا على اعتبار حجم المعاملات التجارية وارتفاع مستوى الإنتاج دون التطرق إلى المشكلة الاقتصادية الأهم والتي تكمن في كيفية انتفاع جميع السكان بثروة بلادهم بحيث يتمكنون على الأقل من سداد حاجاتهم الأساسية وأدنى حقوقهم كالأكل والسكن والصحة.
ونفهم أيضا أن الخلل الرئيسي لنظام الصحة الأمريكي متأصل فيه لأنه ينبني على مفهوم المنافسة التجارية الشرسة واستبعاد مسؤولية الدولة في رعاية الحاجات الأساسية كالصحة وبدعة براءة الاختراع التي تشمل صناعة الأدوية، مما يمكن الشركات الخاصة من تحقيق المزيد من الربح على حساب حاجة المرضى للعلاج الطبي نتيجة إلتجاء هؤلاء للقطاع الخاص أو هلاكهم.
نستنتج من مجموع المعطيات الآنفة أن السياسة التي تتخذها الدول “المتقدمة” هي سبب تردي الوضع الصحي في العالم وكي أقرّب صورة الواقع المتردي للقارئ أذكر أن سنة 2015 توفي أكثر من 16 ألف طفل (دون سن الخامسة) في كل يوم من السنة بسبب عدم تمكينهم من الحصول على تدخلات صحية بسيطة كاللقاحات والأدوية (الغير مكلفة) والمياه النظيفة.
النظام السياسي هو المسؤول
ولعلك أيها القارئ الكريم تشعر ببعض المبالغة متسائلا بريبة عن مدى ارتباط سياسة الدول “المتقدمة” بنسبة الفقر وسوء الصحة في الدول “النامية” فاسمح لي بتفسير مسألتين:
الأولى، أن النظام التجاري الذي يسود العالم تؤثر فيه الدول التي تتبنى نظام سياسي “رأسمالي” خصوصا فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
والثانية، أن خاصية “النظام الرأسمالي” تنبني على مفهوم “حرية الملكية” ومنه يُمكن (نظريا) لفرد واحد في العالم أن يملك جميع كميات الغذاء والدواء وغيرها من السلع المتوفرة في السوق العالمية مما أدّى (عمليا) إلى ظاهرة احتكار السوق من قبل قلة من الأفراد وتحكمهم في “الندرة النسبية” للسلع وأيضا للخدمات، فحسب دراسة نشرتها منظمة “أوكسفام” البريطانية (منظمة غير حكومية) فإن الثروة المتراكمة لدى نسبة 1% من سكان العالم تجاوزت سنة 2015 ثروة نسبة ال99% المتبقية.
فانطلاقا من هذا الأساس من الواقع نفهم أن النصيب الأكبر لمشكل الفقر وسوء الصحة في الدول “النامية” هو سياسة الدول “المتقدمة” وأنظمتها الرأسمالية.
المثال الفرنسي
ثم كي لا نستفرد بمثال صحي واحد في دولة واحدة نتطرق إلى المثال الفرنسي المصنف كأول أفضل نظام صحي من بين 191 دولة سنة 2000 حسب تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية والذى يبقى ضمن العشر الأوائل من بين 98 دولة في حدود سنة 2019 حسب تقرير أصدره “موقع نومبيو” المختص في الأبحاث وتصنيف الدول، وسنبين عبر المثال التالي مدى اصطدام التصانيف الدولية مع واقع الأنظمة الصحية لدى الدول “المتقدمة” كفرنسا ..
تعيش فرنسا مفارقة صادمة خلخلت سمعتها الصحية في العالم بخصوص جودة خدماتها بالمستشفيات، فالسلك الطبي الفرنسي غير راضٍ بالوضع الصحي ويندد بتقصير الدولة في توفير مقتضيات العلاج الطبي للفرنسيين، إذ تشهد فرنسا منذ نوفمبر 2019 سلسلة من الاحتجاجات ساهم فيها أكثر من ألف طبيب من مختلف المناطق الفرنسية من بينهم 600 رئيس قسم استشفائي (أعلى مرتبة طبية) وقد كشفوا هؤلاء الأطباء للرأي العام نقص الإمكانيات الأساسية بالمستشفيات الفرنسية، وقد واجه الأطباء المحتجون تجاهل السلطة لأصواتهم مما أدى إلى اتخاذهم إجراء الاستقالة الجماعية منذ 14 جانفي 2020 (استقالتهم من وظائفهم الإدارية غير الطبية).
وحين نركز النظر على طبيعة الإشكاليات التي أثارت احتجاج السلك الطبي الفرنسي يتضح أن الأزمة تخص حصرا الصحة العمومية دون القطاع الخاص وأنقل إلى القارئ أبرز الشهادات كما وردت (مع الترجمة) علىلسانالأطباءالفرنسيينالمستقيلين:
يقول “لورانثينز” طبيبرئيسقسم (جراحةالأعصاب):
{لعدة أشهر، يُندد الطاقم الطبي وأطباء الطوارئ بنقص الإمكانيات في المستشفيات .. المعيار الوحيد الذي يُؤخذ في الاعتبار اليوم هو الربحية، هذا المعيار بالنسبة للصحة غير مقبول}.
{نحن مجبرون على إدارة النقص في الموارد، فهو ضار للمرضى وللموظفين .. مع أنه تم توفير بعض الموارد الإضافية وانتداب الممرضين، إلا أن هذا لا يكفي .. مثلا في قاعة العمليات الجراحية، هنالك نقص في الطاقم الطبي لذلك يتم تأجيل موعد العمليات، المرضى غير سعداء ونحن مُجبرون على تحمل الأزمة}.
المصدر: www.france3-regions.francetvinfo.fr
وتقول “إيزابيلديسجير” طبيبةرئيسةقسم (طبالأعصاب):
{لن نصمت بعد الآن أمام قرارات الإدارة. لم نعد نحتمل تبرير ما لا مبرر له، كيف يمكن تبرير رفض قبول الأطفال المرضى في المستشفى أو قرار خفض طاقة إستعاب المرضى}.
وتقول“فيرونيكليبلوند” طبيبةرئيسةقسم(أمراضالدم):
{في قسم طبي متخصص للغاية مثل الذي أشرف عليه، فإنه يشتكي من نقص فضيع في انتداب الممرضين .. مثلا خمسة ممن غادروا الخدمة في شهر جانفي لم يتم تعويضهم بانتداب ممرضين جدد. أما العمال المؤقتون فتنقصهم الكفاءة لدرجة أن بعض المرضى يرفضون السماح لهم بالدخول إلى غرفهم. لا يمكن أن نقبل بالارتجال في معالجة المرضى الذين أجروا عملية زرع النخاع العظمي. ما يحدث أمر مخز}.
المصدر: www.liberation.fr
أما بعد، كيفنفسرالتناقضبينالأقوالالصادمةالتيصرحبهاأطباءفرنساوالتصنيفالعالميالممتازفيحقالنظامالصحيالفرنسي؟!
الجواب: أن التصانيف العالمية تقوم على المعايير “الرأسمالية” التي كما أشرنا آنفا لا تأخذ بعين الاعتبار مسألة توزيع الثروة بين الناس بل هي معايير تجعل الفرد رقما من الأرقام في الموازنة الاقتصادية والصحية!
ومن ناحية أخرى، فإن نسبة التمتع بالتغطية الصحية من السكان في فرنسا والتي تتراوح بين 95% و100% لا تفيد أن كل الفرنسيين الذين تشملهم النسبة يتمتعون بالعلاج الطبي الملائم خصوصا إذا إلتجؤوا للمستشفيات الحكومية غير المصحات الخاصة، بل أحيانا لا يتحصلون على أدنى الوسائل الطبية.
لاشك أن النسب التقييمية لأوضاع البلدان “النامية” أشد سوء من أوضاع البلدان “المتقدمة” كفرنسا بل إنها بعيدة عن المقارنة كنسب التغطية الصحية أو معدلات الفقر أو معدلات الدخل المالي للأفراد .. لكن ما يجب التفطن إليه أن دراسة الفوارق التقييمية بين بلد وآخر لا تُؤدي إلى تقييم أهم أسباب الفقر وسوء الصحة لأنها دراسة تسلم بالواقع إلى حد ما وتكتفي بوصفه ولا تطرح الحل البديل, إنما معرفة الحلول لتغيير واقع الصحة العالمية إلى واقع أحسن يقتضي امتلاك النظرة الصحيحة لقضية الصحة، فصحة الفرد الواحد لا تقل شأنا من صحة مجموع الأفراد باعتبار الصحة حاجة أساسية كالأكل والسكن والأمن والتعليم وباعتبار عدم توفرها لدى الفرد الواحد لفقره أو عجزه يؤدي إلى التقليل من إنسانية بقية أفراد العالم.
أليست النظرة الصحيحة لقضية الصحة هي النظرة التي تليق بالإنسان.. إذقالتعالىخالقالإنسان:
“فالإحياء” المقصود في قوله تعالى هو التسبب في الحفاظ على النفس وإنقاذها من الهلاك وإن كانت نفسا واحدة وأجرُ ذلك مثل أجر التسبب في الحفاظ على الناس جميعًا واستنقاذهم، وهذا من مشمولات الصحة، إذ ورد في تفاسير الآية الكريمة ما رُوي عن مجاهد بن جبر:
{وَمَنْ أَحْيَاهَا} أي أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة.
لا بد من إرادة سياسية ونظام راشد
وكي لا تبقى قضية الصحة طموح الحالمين لا بد أن تكون مصحوبة بإرادة على مستوى الحكم والنظام السياسي للدولة، فالنظام الذي يرتقي لقضية الصحة هو النظام الذي يعتبر صحة الفرد الواحد بقدر أهمية صحة جميع الأفراد، فتصبح الصحة قضية مصيرية لا تداهن فيها الدولة، فإحياء فرد واحد كإحياء كل الأفراد وهلاكه كهلاك كل الأفراد.. هكذا النظام الصحي الذي يليق بالإنسان وهكذا مفهوم “الرعاية الصحية” في الاسلام وهكذا عاش المسلمون لمدة قرون قبل سقوط حضارتهم.
فحضارة المسلمين أو الحضارة الإسلامية هي مفاهيم عن الحياة ومجالاتها كالصحة من وجهة نظر الإسلام فسقوطها أدى إلى اتباع وجهة نظر أخرى خارجة عن الإسلام وأحكامه.
لذلك يجب أن ننظر إلى قضية الصحة من الناحية التطبيقية الشاملة أي من الناحية التي تحقق وجهة نظر الإسلام عبر جهاز الدولة وقوة القانون لا من الناحية النظرية الفلسفية، إذ يحدد الإسلام بأحكامه الجهة القادرة على تحقيق الرعاية الصحية بالمفهوم الذي يليق بالإنسان وهي الدولة، كما يحدد صلاحية هذه الجهة لتكون قادرة على التحقيق وهي خاصية نظام الدولة، فنفهم أن الأحكام الشرعية في الإسلام تحدد الناحية التطبيقية لقضية الصحة ولا تكتفي بتحديد النظرة الصحيحة للقضية، وهذا ينطبق على جل القضايا الأخرى..
فالشرع الإسلامي جعل الرعاية الصحية على عاتق الدولة، وجعل خاصية نظام الدولة هي مسؤولية الإمام أو الخليفة، فقدقالصلىاللهعليهوسلم: {الإِمَامُرَاعٍوَهُوَمَسْؤُولٌعَنْرَعِيَّتِهِ} رواهالبخاري.
كما أن إقامة دولة الإسلام أو الخلافة لا يعني إهمال الجانب “العلمي” من مسألة الصحة كعلوم الطب والصيدلة وعلوم البيئة، ولا يعني أيضا إهمال أسباب القوة الاقتصادية للدولة كصناعة الآلات والتطور التكنولوجي، إنما إقامة الخلافة تمكن المسلمين من توظيف أسباب التألق العلمي والقوة الاقتصادية لدولتهم في تحقيق نظرة الإسلام الصحيحة في كل مجالات الحياة كالصحة والتعليم والسكن والاقتصاد والقضاء والأمن والسياسية الخارجة ومنها تؤثر نظرة الإسلام في معايير التجارة العالمية فتفقد الدول الرأسمالية وسائل سيطرتها على الاقتصاد العالمي وهذا من شأنه تغيير موازين القوى في العالم تغييرا إنقلابيا.