بين يومي الجمعة 15 نوفمبر 2019 تاريخ تكليف الحبيب الجملي بتشكيل حكومة ” انتخابات ” صائفة السنة الماضية، بوصفه الشخصية التي قدمها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، رئيس الحزب المتحصل على أكثر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب لرئيس الجمهورية، والأربعاء 19 فيفري 2020، تاريخ تقديم إلياس الفخفاخ الذي وقع تكليفه بصفته ” الشخصية الأقدر ” كما نص على ذلك الدستور، التركيبة النهائية لحكومته لرئيس الجمهوريّة قيس سعيد، والتي اصطلح عليها بحكومة الرئيس، بعد سقوط حكومة الجملي المقترحة من قبل الحزب ‘‘ الفائز‘‘ في الانتخابات التشريعية وعدم حيازتها على تزكية البرلمان، اكتملت فصول مسرحية الخضوع لأحكام الدستور ‘‘ الآمرة ‘‘ والتي أجاد أداءها مختلف أفراد الكومبارس بإيهامهم، هم أولا، أنهم يتعاطون السياسة، حين تكون قاعدة الحكم على جدارة الانتماء إلى الفريق الحكومي المقترح: الثورية و استبعاد من لم يصوت للرئيس قيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية يوم 13 أكتوبر الماضي، لترتفع الأصابع: أنا صوَت له وكنتُ أعلى كعبا في الدعاية له، لا قاعدة القدرة على رعاية شؤون الناس على الوجه الأكمل للرعاية، وإعلاء مكانتهم بين الأمم. وثانيا بإيهام جمهور الناس أن ما يشهدونه من عبث هو أرقى الأعمال السياسية، وأن عليهم انتظار تتمة فصول المسرحية أو الاستعداد للعملية الانتخابية الموالية.
إلا أن عصا المسؤول الكبير ارتفعت معلنة انتهاء الفسحة فكان على الجميع الانضباط والكف عن الصراخ. فجاء الفريق الحكومي المقترح كشكولا من التنافر الشخصي فرض تجمعه الخوف من فقدان المغزى من تواضع بعضهم ودخول الانتخابات التشريعية بتفويت الفرصة على قيس سعيد من الوصول إلى حالة تفويض معظم الصلاحيات التشريعية والتنفيذية إليه و إمكانية سبقه باتخاذ قرارات مصيرية عبر المراسيم و الأوامر. بل وصل الهبوط بالمسؤولية السياسية إلى منحدر الحديث عن خوف فقدان المقاعد النيابية في حالة إعادة الانتخابات خشية العجز عن سداد الديون. فما الذي يميز إلياس الفخفاخ رئيس الحكومة المكلف ووزير مالية حكومتي الترويكا عن الفاضل عبد الكافي وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في حكومة يوسف الشاهد أو عن حكيم بن حمودة وزير الاقتصاد والمالية في حكومة مهدي جمعة وكلهم يتبنى، النظام الاقتصادي الرأسمالي بعض سبب شقاء الإنسان اليوم، أو ما الذي يميز أي وزير معين عن الآخر في منطلقه الفكري و خط سيره أو الغاية التي يعمل للوصول إليها؟ فلا يعدو أن يكون الفريق المقترح إلا شركاء متشاكسون جاء بعد انتظار طويل ومخاض أطول، لا ينتظر منه أهل تونس قدرة على إخراج البلاد من أزمتها ولا يؤمل منه خيرا.
إنّ المشهد السياسي الحالي والمتلفع بشرعيّة انتخابية تستمد ” طهارتها ” من رضا الدّول الكبرى، بالسعي لمنع عودة الإسلام إلى الحياة، ومحاولة الحيلولة دون قيان دولته دولة الخلافة، ولترسيخ النّظام الديمقراطي الرأسمالي الذي تدأب جماهير أمة الإسلام في كافة بلدانها على قلعه والتخلص من نيره، رفضا للهيمنة الاستعمارية وسعيا لاسترداد إرادتها وافتكاك المبادرة من أمريكا وأحلافها من أجل إقامة نظام الحق والعدل بتطبيقه في الدولة والمجتمع وحمله رسالة هدى ورحمة للعالمين، وهو مشهد تتقدمه حكومة لا يميزها عن سابقاتها شئ، تجد مؤشرات سقوطها في تلافيف دستور لا تليق به إلا سلال المهملات، وزعت فيها الحقائب وفق غايات ماكرة تتربص بالأحلاف والخصوم فرص الانقضاض على العهود والمواثيق، لعلنا نجد شاهدا على ذلك في السعي ليكون لطفي زيتون، وزير دولة مكلف بالشؤون المحلية عينا على ما يعده قيس سعيد رؤية مغايرة وبديلة للحكم والتنمية، تعيد الاعتبار للمواطن والجهة كفاعلين أساسيين للمشاركة في إدارة الشأن العام، من اجل إرساء لا فقط دولة القانون بل كذلك مجتمع القانون: سندا أو مراقبا.
وهو المشهد الذي تقوم عليه بصائر عميت عن إدراك الخير والفلاح في شرع الله سبحانه وتعالى وأصرت إلا على النبش في ركام ديمقراطية أنف أهلها عُفونتها وعجزها عن الاستجابة لانتظارات إنسانية كلت عن تحمل شرها.