كورونا ونذر الحرب

كورونا ونذر الحرب

ما فتأ ترمب يتهم الصين بأنها نشرت وباء كورونا وسمى الفيروس بالفايروس الصيني، واتهم رئيس الصين بأنه أخفى معلومات هامة عن حجم الوباء وانتشاره في الصين، وفي المقابل اتهمت الصين أمريكا بأنها هي من صنع الفايروس ونشره في الصين. وما أن أعلنت الصين عن احتواء الوباء حتى بدأت أرقام المصابين بالوباء تتزايد بسرعة تصاعدية في أوروبا ومن ثم في أمريكا حتى بلغت الوفيات في ايطاليا ضعف عدد الوفيات في الصين وهي في تزايد.

ومنذ الاعلان عن توسع الوباء في أمريكا وأوروبا طهرت أجواء حرب عسكرية في أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط وبدأت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي تنشر صور الدبابات على مداخل المدن وفي الطرقات في مختلف هذه الدول، ودفع الناتو بقوات خاصة اضافية الى المانيا لحمايتها كما يدعون من تفشي الوباء، وكأن فايروس كورونا ناقلة طائرات حربية أو حاملة صواريخ بالستية. وفي هذه الأثناء تحدث زعماء ما يسمى بالعالم الحر، عالم الرأسمالية الامبريالية بشكل جنوني عن آثار انتشار كورونا، فرئيس وزراء بريطانيا يحذر الشعب البريطاني بأن يتهيئوا لفقدان احبتهم مذكرا بأيام الحرب العالمية الثانية، ومستشارة المانيا تقول ان الوباء وآثاره قد تحصد 70% من السكان في العالم، ورئيس وزراء ايطاليا يقول قد نضطر للتضحية بايطاليا ليحيى شعب ايطاليا، وترامب يقول قد نعلن احكاما عسكرية عرفية في أمريكا.. وتكشف واشنطن بوست عن خطة اعدت لعزل ترامب والسياسيين الكبار في أماكن آمنة وتسليم قيادة أمريكا للجيش.
هل كل هذا بسبب مرض وعدوى؟ ألم يشهد العالم مثل هذا الأمر في مرات عديدة منها الإيدز، وإيبوبلا، وسارز، وانفلونزا الطيور والخنازير؟ ومن قبلها الملاريا وغيرها من الأزمات؟
لماذا كل هذا التجييش؟ وما علاقة كورونا بالنظام العالمي الذي كثر الحديث عنه هذه الايام؟ وما الذي يحدث حقيقة؟
الخطط والأعمال الاستراتيجية من الصعب ان يطلع عليها المحلل السياسي والمفكر بسهولة. ولكنه من الممكن الكشف عنها من خلال حمع خيوط متفرقة لتشكل وحدة فكرية سياسية واحدة، نحاول جمع بعض هذه الخيوط لنصل الى تصور قد يكشف عن بعض ما يراد بالعالم من قبل زعماءه الحاليين، وما يتوجب على أصحاب الفكر والرأي والمبادئ أن يتهيأوا له، وما على الناس عموما أن يتوقعوه.
أولا: أظهرت في أمريكا منذ أن جاء ادارة ترامب للحكم توجهات قوية تنظر الى الصين على أنها منافس أولا ثم عدو أول لأمريكا. وقد صرح ترامب أكثر من مرة بأن رئيس الصين عدو لأمريكا وأن الصين عدو أمريكا الأكبر في الحروب التجارية والاقتصادية
ثانيا: دخلت أمريكا حربا تجارية فعلية منذ أن بدأت امريكا فرض الضرائب الجمركية وزيادتها على الصادرات الصينية لأمريكا.
ثالثا: اعتبرت أمريكا أن استمرار الصين بخفض عملتها مقابل الدولار هو عمل عدواني وسعت الادارة الامريكية للضغط على الصين من خلال عضويتها بمنظمة التجارة العالمية لخفض عملتها من أجل تعديل الميزان التجاري بين الصين وأمريكا
رابعا: استمرت أمريكا فترة طويلة بالضغط العسكري والسياسي على الصين من خلال أزمة السلاح النووي لكوريا الشمالية على اعتبار أن الصين هي الحليف الأكبر لكوريا الشمالية
خامسا: اعربت أمريكا عن قلقها البالغ من دخول الصين حلبة الحرب البيولوجية الجرثمومية منذ اعلان الصين تدشين أول مختبر عالي الامان في ووهان عام 2018. وكانت أمريكا قد اعتقلت مجموعة من العلماء الأمريكان والصينيين اتهمتهم بتهريب أسرار تتعلق بتطوير أدوات الحرب الجرثومية.
سادسا: الأجواء العالمية التي تم فرضها من قبل حكومات كثير من الدول وأكثرها تخضع لأمريكا سياسيا، هذه الأجواء التي تشع منها رائحة الحرب من حيث انتشار الجيش في المدن وعلى مداخلها وفي شوارعها، ومن ثم دفع الناتو بقوات تعزيزية لألمانيا، ما يوجد في العالم أجواء حرب، خاصة اذا اقترنت مع منع التجول في كثير من دول العالم.
سابعا: الحديث المتكرر عن انهيارات مالية متوقعة، وعن كساد عظيم يتم مقارنته بشكل مقصود مع الكساد الذي سبق الحرب العالمية الثانية في ثلاثينات القرن الماضي. والانهيار المالي والاقتصادي متوقع من قبل ومن بعد تفشي فايروس كورونا.
ثامنا: تم توجيه أنظار العالم من قبل أمريكا الى أن الصين أصبحت منافسا قويا لأمريكا، وعما قريب ستحتل المرتبة الأولى من حيث قوة الاقتصاد، وحجم التجارة، وقد تؤثر على مركز الدولار عالميا، والذي من الممكن أن يترتب عليه تغير ميزان القوى العالمي، وما يشكل تهديدا مباشرا للنظام العالمي والموقف الدولي الذي تتسلم عرشه أمريكا بدون منازع منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. وقد كثر الحديث عن تغير في النظام العالمي على ألسنة بعض القادة مثل رئيس تركيا وفي المنصات الاعلامية العالمية.
هذه بعض من الخيوط والتي من الممكن أن يتشكل منها سيناريو خطير يتلخص بقيام أمريكا بكل ما يلزم وباستخدام أي أداة من الأدوات المتاحة لديها للحفاظ على مركزها في قيادة العالم، ومنع الصين من التقدم على المسرح الدولي بعد ان تخلصت أمريكا من الاتحاد السوفياتي، وتتويج أعمالها التي بدأتها منذ مجيء ترامب والمتمثلة بالحرب التجارية، وسحب استثماراتها من الصين، بحيث تتكلل هذه الأعمال بتحجيم مقدرة الصين عن تسنم دور قيادي في العالم. هذا لا يعني أن الصين تتوق أو تعمل لمنافسة أمريكا أو تحديها في مركزها القيادي. ولكن أمريكا لا تقبل أن تمتلك الصين الأدوات التي تجعلها قادرة على منافسة أمريكا أو ينظر لها كثير من الدول في العالم على أنها بديل قادر لتحدي أمريكا.
لذلك رأت أمريكا أن تقوم بأعمال استباقية، فاستخدمت الحرب الجرثومية البيولوجية لايجاد أزمة قوية، يتم من خلالها إثارة الرعب في جميع دول العالم، والخوف من تطور الأزمة الى حرب طاحنة، فيبدأ العالم ينتظر من أمريكا والصين موقفا يؤدي الى نزع فتيل حرب مدمرة، تماما كما حصل بين أمريكا وروسيا زمن كندي وخروتشوف حيث بدأت الأزمة بنشر صواريخ روسية في كوبا عام 1961، تطورت الى تحرك سفن روسية تحمل رؤوسا نووية في عرض المحيط الاطلسي، ثم جاء اجتماع كندي وخروتشوف لينزع الفتيل ويتنفس العالم الصعداء بالرغم ان اتفاق كندي وخروتشوف كان على حساب دول العالم الثاني كبريطانيا وفرنسا وأوروبا عموما.
والآن عيون العالم كلها معلقة على ما يمكن أن تتمخض عنه الأزمة مع ازدياد تراشق الاتهامات بين أمريكا والصين، وعن عسكرة الاجواء في مختلف دول العالم، وبدء مرحلة الركود الاقتصادي ومن بعده الكساد، ووقف عجلة الانتاج في الاقتصاد الحقيقي ولم يبق منه سوى المال الوهمي الذي لا قيمة له.
فماذ يمكن أن يحدث؟
على الأغلب أن أمريكا والصين بعد أن يصل العالم الى حافة الهاوية سيتم بينهما اتفاقيات سرية، يتم بموجبها تخلي الصين عن كثير من برامجها خاصة المتعلقة بالاسلحة العسكرية والبيولوجية، وأن تتخلى عن تحدي أمريكا في المجال الدولي، وتحصر نشاطها السياسي والاقتصادي في اقليمها صمن المحيط الهندي، وتلتزم بما تمليه منظمة التجارة الدولية وصندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي وسعر النقد الصيني.
وفي حال لم يتم مثل هذا الاتفاق، فالأمور مرشحة لاستمرار الأزمة أو تطورها لحرب طاحنة لا قدر الله.
وعلى جميع الأحوال فإن وجود أزمة من هذا النوع، سواء تمخض عنها اتفاق، أو استمرت الأزمة، أو تطورت الى ما هو أبعد فإن هذه الأجواء تغدو ملائمة جدا لبزوغ فجر دول جديدية وقوى خارج نطاق اللعبة السياسية. وهنا يكمن دور بلدان العالم الاسلامي مثل تركيا وماليزيا واندونيسيا وباكستان وبنقلادش ومصر ونيجيريا ومن ثم دول الخليج النفطي. هذه البلدان تشكل بمجموعها نواة قوة دولية قادرة على أن تغير هي موازين القوى في الوقت الذي يصطرع بها أقطاب العالم الحالي. حيث تتمتع هذه البلدان بصفات وخصائص لا تتوفر في غيرها.
فبلدان العالم الاسلامي لديها مخزون بشري هائل، يدين سكانه بدين واحد، ويؤمنون بعقيدة واحدة من جهة، ومن حهة اخرى فقد اكتووا من مصائب وكوارث النظام العالمي الحالي منذ نهاية الحرب العالمية الاولى، ومن ثم هم بمنأى عن الصراع الحالي وما يرافقه من أزمة بخلاف دول أوروبا.
وبلدان العالم الاسلامي تركزت فيها خلال العقود الماصية فكرة اعادة إحياء دولة الخلافة الاسلامية، وأصبحت هذه الفكرة عبئا على الحكام الحاليين بوصفهم عملاء لأمريكا وأوروبا لا بوصفهم أعداء للاسلام. وبدلا من محاولات بعض هذه الدول انشاء حلفا بينها كما هو مقترح الان من قبل اردوغان ومهاتير محمد، لا بد أن يتجه الرأي العام الاسلامي ويبدأ بالضغط على السياسيين والقابضين على زمام الأمور من حكام ورجال أعمال ومال ورجال جيش لكي يتحولوا بالكلية الى استعادة حكم الاسلام، لتنصهر هذه الدول مرة اخرى في دولة اسلامية واحدة، دولة الخلافة الراشدة، ولتعيد بناء نظام اسلامي محكم يقدم البديل للعالم يخلصه من شيطنة أمريكا ونظامها البائس، ومن ضعف الصين وروسيا، وخنوع أوروبا لقبضة أمريكا.
ومشروع دولة الخلافة الراشدة بعمومه وتفاصيله موجود ومعروف، وفيه قابلية التطبيق الفوري، ولم يكن يمنعه من الظهور الا مؤامرات وشيطنة أمريكا وبريطانيا وروسيا وعملاؤهم وأتباعهم وأشياعهم. ولعل ما يمر به العالم اليوم من أزمة خانقة مرشحة أن تخلخل النظام العالمي الجائر، لعلها فرصة يسوقها الله العليم بأحوال البشر، الحاكم فوق كل جبار متكبر، لعلها فرصة يسوقها لمن هم أهل لاغتنامها ورفع راية توحيد الله عز وجل.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون.

د, محمد الملكاوي

CATEGORIES
TAGS
Share This