تداعيات فيروس كورونا
السؤال:
أعلنت الصين لأول مرة يوم 4/1/2020م وخاصة في مدينة ووهان عن إصابة العشرات بمرض كورونا وأطلق عليه كوفيد-19، ثم شمل دول العالم كلها تقريبا، واتخذت كثير من الدول إغلاق الحدود وحظر منع التجول ثم وقف صلوات الجمعة والجماعة… وقد وجه هذا المرض ضربة للاقتصاد العالمي. وبدأت أمريكا تتبادل الاتهامات مع الصين…
فما هو مصدر هذا الوباء؟ وما مدى تأثيره الفعلي على الاقتصاد العالمي؟ ثم ما هو العلاج الصحيح له؟ وهل يجوز وقف صلوات الجماعة والجمعة بسبب هذا المرض؟
الجواب:
إن فيروس كورونا أطلق عليه هذا الاسم بالإنجليزية (Crown) وتعني التاج بالعربية، لأن شكله تاجي عند العرض بالمجهر الإلكتروني، وكان أول اكتشاف له عام 1960 باسم كورونا فيريدي. ومن عائلة هذا الفيروس ظهر عام 2003 في منطقة هونغ كونغ الصينية فيروس أطلق عليه سارس، وسجل 8422 إصابة منها 916 حالة وفاة، وفي عامي 2004 و2005 ظهرت منه سلالات جديدة، وهكذا بدأ يظهر في السنوات التالية، وخاصة في عام 2012 وفي عام 2014 ولكن كان محدودا في بعض البلاد وبنسب قليلة. وقد ظهر مرة أخرى في بداية كانون أول/ديسمبر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية ويشبه فيروس سارس2 بنسبة 96%، فأطلق عليه كورونا 2019 واختصارا كوفيد-19 نسبة لظهوره عام 2019، وكانت العديد من الإصابات الأولية مرتبطة بسوق للطعام البحري والحيواني في مدينة ووهان الصينية، فانتشر منها في العديد من البلاد المجاورة، فظهر تشابه له مع فيروسات الخفافيش التاجية بنسبة 96% مما جعل كونه الأصلي هو الخفافيش مرجحاً. وقد تزايدت أعداد الوفيات، أغلبهم في الصين حتى بلغ عدد الإصابات ما يزيد عن 81193 إصابة مع أكثر من 3 آلاف حالة وفاة، ومن ثم إيطاليا وإيران وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة… وقد نشر الرعب في أنحاء العالم بسبب سرعة انتشاره حتى وصل عدد الإصابات حتى يوم 24/3/2020م إلى نحو 404000 إصابة مؤكدة، والوفيات تقترب من 20 ألفا… (دويتشيه فيللي 25/03/2020م)، وقال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “إن وباء كوفيد-19 قد يقتل الملايين إن لم يتم ضبط انتشاره”… (إيرو نيوز 19/3/2020)… ولهذا منعت كثير من الدول المدارس والجامعات والتجمعات، وكذلك دعت إلى حظر التجول والحجر الصحي الجماعي وإلى إلغاء صلوات الجمعة والجماعة… وقد نشأت عن ذلك أمور تحتاج إلى توضيح:
أولاً: هل نشأ هذا المرض بفعل فاعل أو كغيره من الأمراض قضاء من الله بما كسبت أيدي الناس؟
ثانياً: هل عالج العالم الرأسمالي هذه المسألة معالجة صحيحة؟ وما هو العلاج الشرعي في مثل هذه الحالة؟
ثالثاً: ما هو تأثير هذا المرض (كورونا) على أسعار النفط ثم الاقتصاد العالمي؟
رابعاً: هل يجوز بسبب هذا المرض أن تمنع صلاة الجماعة وصلاة الجمعة؟
أولاً: نشوء هذا المرض ومن وراءه:
1- كانت بداية انتشار كورونا كوفيد-19 من الصين، وتقول الدراسات العلمية والطبية أنه انتقل من الحيوانات إلى الإنسان إذ إنه في الصين تنتشر عادة أكل كافة أنواع الحيوانات حتى الخبائث باعتبارهم كفارا وثنيين لا يميزون بين الخبيث والطيب… فكما ذكرنا آنفاً فإن التقارير الإعلامية أشارت إلى أن مدينة ووهان الصينية في هوبي تعد مركزا لتجارة هذه اللحوم الخبيثة، وهي بؤرة تفشي هذا المرض.
وهكذا انتشر مرض كورونا في الصين ثم انتقل إلى إيران عن طريق الصينيين العاملين هناك في شركة السكك الحديدية الصينية التي تقوم ببناء خط سكة حديد عبر مدينة قم… وتعتبر إيران بؤرة تفشي المرض في الشرق الأوسط. وكذلك فَتَحت إيطاليا مجموعة من القطاعات للاستثمار الصيني من البنية التحتية إلى وسائل النقل… وتشير التقارير إلى أن لومباردي وتوسكانا هما المنطقتان اللتان شهدتا أكبر قدر من الاستثمار الصيني، وقد شهدت منطقة لومباردي في 21 شباط الماضي أول إصابة بالكورونا، وهي من أكثر المناطق إصابة…
2- قامت أمريكا بمهاجمة الصين على تقصيرها في محاربة الوباء وإخفائها له منذ بدايته وإخفاقها في محاربته، فقام المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان يرد على ذلك بانفعال شديد فكتب على حسابه في موقع تويتر يوم 13/3/2020 قائلا: “الجيش الأمريكي ربما جلب فيروس كورونا إلى مدينة ووهان الصينية”… (الشرق الأوسط 13/3/2020)… وكرر الرئيس الأمريكي ترامب هجومه على الصين قائلا: (“إن العالم يدفع غاليا ثمن بطء الصين بتقديم معلومات حول كورونا الجديد”… إيرو نيوز 19/3/2020) وقد وصف ترامب فيروس كورونا بالفيروس الصيني عندما نشر تغريدة يوم 16/3/2020 على تويتر (“الولايات المتحدة تقدم دعما قويا للقطاعات التي تعرضت لتأثير أكبر من الفيروس الصيني مثل الطيران”)، وردت الصين على لسان المتحدث باسم خارجيتها يوم 17/3/2020 فقال: (“هذا التعليق يشوه صورة الصين، نحن غاضبون جدا ونرفضه بشدة”… روسيا اليوم 18/3/2020) وعندما بدأت الصين تشيع الاتهامات التي وردت في البداية بأن أمريكا وراء انتشار الفيروس، استدعت واشنطن سفير بكين لديها يوم 13/3/2020 وقال مسؤول الخارجية الأمريكية: (إشاعة نظريات مؤامرة خطير وسخيف. أردنا تحذير الحكومة الصينية من أننا لن نتسامح مع ذلك، لمصلحة الشعب الصيني والعالم. الصين تريد درء الانتقادات حول دورها في بدء هذا الوباء العالمي) فأكدت وكالة شينخوا [أن الإجراءات التي قامت بها بكين بما في ذلك فرض حجر صحي صارم على ملايين الأشخاص، منح العالم “وقتا ثمينا” للاستعداد وهو ما يقر به المجتمع الدولي… روسيا اليوم 15/03/2020م].
3- وهكذا اندلعت حرب كلامية بين أمريكا والصين بسبب تفشي الفيروس التاجي Covid19 (SARS-CoV2)… وكل من الدولتين تكيل التهم للأخرى بأنها هي العامل المباشر في انتشار هذا الداء، ومع أن كلا النظامين المطبقين في الصين والولايات المتحدة لا يُستبعد عنهما أن يكونا وراء نشره إلا أنه بعد البحث يترجح عدم وجود دليل ملموس على أن الولايات المتحدة أو الصين، هي من نقلت الفيروس أو صنَّعته ثم شرعت في نقله إلى دول أخرى، وذلك لسببين بارزين:
الأول هو أن كلا الدولتين غارقة إلى أذنيها في هذا المرض!
فالصين، بالإضافة لما ذكرناه عنها سابقاً، فإن آخر إحصاء لمرض كورونا فيها هو أن أعداد المصابين [(81272)، وعدد المتوفين (3273) كما جاء في إعلان اللجنة الوطنية للصحة في الصين… اليوم السابع 23/03/2020م]، ولو كانت هي التي من وراء نشر المرض لوَقَت نفسها منه على الأقل.
وأما أمريكا فحسب الإحصاء لمرض كورونا فيها وفق (CNN Health) فإن عدد الوفيات بالفيروس قد ارتفع إلى 704، بينما وصل مجموع الإصابات المؤكدة 52976 (سي إن إن عربي 25/03/2020م). وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة من حيث عدد الإصابات بالفيروس بعد الصين وإيطاليا… وبموجب الإجراءات الأخيرة يخضع ثلث الأمريكيين إجمالا لأوامر البقاء في المنازل في سبع ولايات، إذ أعلنت ولايتا لويزيانا وأوهايو أمس الأحد حظرا موسعا للتجول، لتنضما إلى ولايات نيويورك وكاليفورنيا وإلينوي وكونيتيكت ونيوجيرسي. (الجزيرة ٢٣/٠٣/٢٠٢٠)، وكذلك لو كانت هي التي من وراء نشر المرض لوَقَت نفسها منه على الأقل.
والثاني هو عدم صحة القول بتصنيع أي من الدولتين له، وذلك لأنه لا يوجد دليل على أن الفيروس تم تصنيعه في المختبر، حيث تقول مجلة (Nature Medicine) “من خلال مقارنة بيانات تسلسل الجينوم المتاحة لسلالات الفيروس التاجي المعروفة، فإنه يمكننا أن نؤكد بشدة على أن الفايروس التاجي نشأ من خلال العمليات الطبيعية”. وتقول المجلة أيضاً “تم دعم هذا الرأي من خلال بيانات عن العمود الفقري للفيروس وهيكله الجزيئي الشامل، ومن أراد تصنيع الفيروس مخبريا فإنه يظهر ذلك في العمود الفقري للفيروس”. [https://www.npr.org]، وينطبق الشيء نفسه على أي دولة أخرى مثل روسيا وأوروبا، وإيران وغيرها من بلاد المسلمين، فهي متأثرة على الأرجح بإحدى الدولتين، الصين وأمريكا، من حيث انتقال المرض…
وإذن لا يبقى إلا أن يكون كما قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، فكلنا يدرك ما صنعه الرأسماليون وأشباههم من شر مستطير في العالم، فهم لا يقيمون وزناً إلا لمصالحهم وأطماعهم… فحكام أمريكا والصين وروسيا وأوروبا…الخ، هم سبب شقاء العالم وشقاء شعوبهم، وجرائمهم بحق البشرية كثيرة، فهم من قصفوا الناس العزل بالقنابل النووية، واليورانيوم المنضب، وقنابل النابالم الحارقة، واستعبدوا القبائل الأفريقية بشكل وحشي وجعلوها حقولاً لتجاربهم البيولوجية والكيماوية، وحروب الإبادة للهنود الحمر وصمة عار على جبينهم، وجرائم الصين بحق المسلمين الإيغور ضجت بها الآفاق، وجرائم روسيا والصرب تجاه المسلمين في آسيا الوسطى والبلقان والشام لا زالت مستمرة، وجرائم بريطانيا في الهند بحق المسلمين وغير المسلمين لا زالت تداعياتها إلى اليوم، فهذه الجرائم تؤكد أن هؤلاء الحكام الذين يتحكمون في شعوب العالم هم سبب شقاء البشرية… فنعم كما قال القوي العزيز: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾.
ثانياً: خطيئة العلاج الرأسمالي وأشباههم لهذه المسألة، وأن العلاج الصحيح هو العلاج الشرعي:
-
لقد عالج الرأسماليون وأشباههم هذه المسألة على ثلاث مراحل:
** الأولى التكتم على الموضوع…
1- [كشف تقرير صيني أن السلطات الصينية أخفت عن الصينيين والعالم حقيقة المرض القاتل الذي علمت السلطات بانتشاره قبل منتصف شهر ديسمبر 2019 إلا أنها تكتمت على الأمر ولم تعترف به حتى نهاية السنة عقب ازدياد عدد الحالات. وقال الإعلامي الصيني-الأمريكي “شانغ وي وانغ”؛ مؤكّداً أن السلطات لم تغلق سوقاً لبيع الأطعمة البحرية في مدينة ووهان التي انتشر منها المرض إلا في شهر يناير. وكشف التقرير أنه تم القبض على 8 مواطنين؛ لتناقلهم معلومات حول المرض في بداية الأزمة واعتبرتهم أشخاصاً خارجين عن القانون بنشر معلومات غير مؤكّدة، وتابع، ما زالت السلطات المحلية في ووهان تدعي أن الأمور طبيعية وسمحت بإقامة شعائر أحد التقاليد المحلية يوم 18 يناير الماضي، وحضره نحو 40 ألف أسرة، (سبق 01/02/2020م)]
2- وكذلك [لم يحذر المسؤولون الصينيون الشعب من خطورة الأزمة في ديسمبر وذلك حتى 31 ديسمبر حيث أبلغت بكين منظمة الصحة العالمية… وقالت الحكومة الصينية، وقتذاك، “المرض يمكن الوقاية منه والسيطرة عليه”. وفي الـ 23 من يناير الماضي، أغلقت السلطات مدينة ووهان، وصدر قرار بحظر السفر تماماً… (مصراوي ٢٣/٠٣/٢٠٢٠)]
** والثانية الحجر الصحي والعزل الجزئي…
1- [أكد مسؤولون من قطاع الصحة في الولايات المتحدة، السبت، حالة إصابة ثامنة بفيروس كورونا الجديد، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها ستوفر مأوى للواصلين من الخارج الذين قد يتطلب الأمر وضعهم في حجر صحي… وتخضع مدينة ووهان وإقليم هوبي بوسط الصين، حيث ظهر الفيروس، لحجر صحي فعلي… (سكاي نيوز عربي 1٢/٠٢/٢٠٢٠م)]
2- وفي الولايات المتحدة، قال حاكم ولاية نيويورك الأمريكية أندرو كومو [“نحن في الحجر الصحي”، مؤكدا أنه “الإجراء الأكثر تشددا الذي يمكن أن نتخذه”. ومع فرض الحجر في نيويورك وكاليفورنيا وولايتي نيوجيرسي وإيلينوي، بات على أكثر من 85 مليون شخص ملازمة بيوتهم باستثناء القيام بالتسوق ونزهة قصيرة… (دويتشه فيللي ٢١/٠٣/٢٠٢٠م)]
** والثالثة العزل شبه الكامل في البيوت…
[يخضع مئات الملايين من الناس في العالم لعزلة في بيوتهم على أمل الحد من انتشار فيروس كورونا الذي أسفر عن وفاة أكثر من أحد عشر ألف شخص. هذا الإجراء المشدد غير المسبوق في تاريخ البشرية يجري تنفيذه بدرجات متفاوتة حسب الدول… فقد دُعِي أكثر من 800 مليون إنسان في أكثر من 30 دولة إلى ملازمة منازلهم، أكان ذلك بسبب قرارات الحجر العام أو التوصيات أو حظر التجول، بحسب تعداد أجرته فرانس برس… ففي ألمانيا، تبحث السلطات تشديد الإجراءات من أجل تقييد الحياة العامة وإلزام أغلب السكان بالتزام منازلهم… وتستعد إيطاليا، البلد الأكثر تضررا في أوروبا بالفيروس الذي أودى بحياة أربعة آلاف شخص فيها وكانت أول دولة بالقارة العجوز تأمر بوضع السكان في الحجر، لتعزيز إجراءاتها في مواجهة انتشار المرض. وستغلق كل الحدائق والمحميات أمام الجمهور في عطلة نهاية الأسبوع على أن تفرض قيودا أخرى لدفع الإيطاليين إلى البقاء في بيوتهم، بعد أن أعلنت السلطات وفاة 627 شخصا بالفيروس خلال 24 ساعة في البلاد، في ما يشكل ذروة منذ بداية الأزمة… (دويتشه فيللي ٢١/٠٣/٢٠٢٠م)]
-
· وبتدبر هذه المعالجات الثلاث يتبين أنها لا تحل المشكلة، بل هي ستزيد فشل الاقتصاد فشلاً آخر، ثم تضاعف من هذا المرض ومن الملل والسأم الذي يصيب الناس كما أصبحنا نسمع عن حالات في المجتمع الرأسمالي…