لقد كان غلق المساجد ومنع صلاة الجمعة والجماعة من أكثر القرارات جرأة على دين الله، فلم يسبق في تاريخ المسلمين أن أغلقت المساجد حتى زمن الأوبئة، وقد أحدث ذلك القرار صدمة عند مسلمي تونس، ولولا أنه وقع تغليفه بحماية الأنفس البشرية من عدوى فيروس كورونا، لعصف بأركان حكمهم غضب أهل الزيتونة والقيروان.
وقد أدى نجاح هذه الحكومة في منع المظهر الجماعي لأحد أهم شعائر الإسلام إلى الإنتقال إلى الشعيرة الثانية وهي الصيام، فقبل حلول شهر رمضان المبارك بأيامٌ قليلة، طلع علينا مفتي تونس “عثمان بطيخ” على قناة الوطنية الأولى يوم الثلاثاء 14 من شهر أفريل الجاري بتصريح مفاده أن صوم رمضان هذا العام يتوقف على قرار مجلس الأمن القومي باعتباره الجهة المخولة بتحديد ما إذا كان الصوم سيضعف مناعة الصائم (غير المريض) أمام فيروس كورونا أم لا.
وقد رافق ذلك التصريح جوقة إعلامية تدعي أن الصوم يضعف مناعة الإنسان ويجعله فريسة للوباء، وهو ما فنده أساتذة جامعة الزّيتونة في بيان لهم صدر يوم الأربعاء 15 أفريل، دعوا من خلاله المسلمين لعدم الإلتفات إلى هذه الادعاءات المتهافتة، ولعل ذلك الموقف المشرف لعلماء الزيتونة وردة الفعل الساخطة من المسلمين على المفتي وتصريحاته المشينة جعل الحكومة تتراجع عن الخوض مجددا في ذات الموضوع، ودفع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ للقاء الإطار الديني وبعض الأئمة في 16 أفريل الجاري من أجل استصدار فتوى بتمديد غلق المساجد خلال رمضان، حيث أفتوا له بأن حفظ الأنفس مقدم على حفظ الدين.
لا يمكن لرئيس الحكومة أن يقنعنا بأنه حريص على معرفة رأي الشرع في مسألة غلق المساجد، وبأن الغلق تم بدعوى أن حفظ النفس مقدم على حفظ الدين، فمنذ متى يهتم رئيس الحكومة برأي الشرع الحنيف؟ ألم يخالف صريح القران الكريم في مسألة الميراث؟ الم يبح فتح المقاهي في رمضان؟ ألم يرفض تجريم المثلية الجنسية واستهلاك المخدرات (الزطلة)؟ ثم هل كان سيستمع لرأي أهل العلم لو أفتوه بعدم جواز غلق المساجد؟ ألم يصدر بعض أساتذة جامعة الزيتونة ورئيسها بيانا استنكروا فيه غلق المساجد؟ فهل عمل برأيهم أم سلط عليهم المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة (أي الدفاع عن لائكية الدولة) ليهددهم ويتوعدهم.
واهم من يتصور أن رئيس الحكومة غلق المساجد خوفا على أهل تونس من انتقال العدوى وفتك الفيروس، فالإسراع في غلق المساجد و منع صلاة الجمعة والجماعة والحزم في ذلك في الوقت الذي لم تنقطع التجمعات أمام البريد والبنوك والمعتمديات والأسواق وإلى وقت قريب أمام مراكز بيع الخمور، كل ذلك يؤكد بشكل لا لبس فيه أن الحرص على غلق المساجد لم يكن خوفا من عدوى الوباء.
إن العلاج الصحيح لهذا المرض هو كما جاء في شرع الله سبحانه بأن تتابع الدولة المرض من بدايته وتعمل بأن يعزل المرض المعدي في مكانه ويحجر على المرضى صحياً ويتابعوا بالرعاية والعلاج مجاناً، ويستمر الأصحاء في عملهم وتستمر الحياة الاجتماعية والاقتصادية كما كانت عليه قبل المرض المعدي لا أن تغلق المساجد وتتوقف حياة الناس العامة ويعزلوا في البيوت ومن ثم تُشل الحياة الاقتصادية أو تكاد فتزداد الأزمة استفحالاً وتظهر مشكلات أخرى…
روى البخاري في صحيحه عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا» وفي رواية أخرى للبخاري
إن غلق بيوت الله ومنع المظهر الجماعي لأعظم شعيرة في الإسلام دون التفكير في الأساليب الممكنة التي توفق بين إقامة الجماعة والوقاية من العدوى يعتبر في دين الله ظلم عظيم ويستحق فاعله أن يصعق بقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم}.
د. الأسعد العجيلي رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير تونس