جواب سؤال: المستجدات السياسية في العراق ودور الكاظمي في خدمة أمريكا

جواب سؤال: المستجدات السياسية في العراق ودور الكاظمي في خدمة أمريكا

السؤال: كما هو معروف، فقد نال الكاظمي ثقة البرلمان ذي الغالبية الموالية لإيران، مع أن الكاظمي متهم من أحزاب موالية لإيران ورجالاتها في العراق بالتواطؤ مع أمريكا في اغتيال سليماني، ويصفه بعض رجال إيران بأنه من رجال أمريكا…، فهل يعني ذلك أن الكاظمي له دعم قوي من أمريكا، فلا يكترث بتدخلات إيران ورجالها في العراق؟ وهل ما زالت أمريكا تَعُدّ العراق مركز ثقل لها، وأن الكاظمي هو طوع بنان أمريكا في المحافظة على نفوذها في مركز الثقل هذا؟ وجزاك الله خيراً.

الجواب: لكي يتضح الجواب على التساؤلات أعلاه، نستعرض الأمور التالية:

1- إن أمريكا تولي أهمية قصوى للعراق، فقد صرح الرئيس الأمريكي ترامب مؤخراً قائلاً: (“إن العراق بلد قوي ومهم، ويمتلك دوراً مركزياً في المنطقة وفي تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي” وشدد على “حرص الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات بين البلدين واستعداد بلاده لتقديم المساعدات الاقتصادية الضرورية لدعم الاقتصاد العراقي…” إندبندنت والعالم 11/5/2020). ولهذا ركزت أمريكا عليه، فأرسلت جيشاً كبيراً لاحتلاله بلغ تعداده 250 ألف جندي، وشكلت تحالفاً من (49) دولة شاركت بنحو (50) ألف جندي، بجانب عدد من الشركات الأمنية، سيئة السمعة، مثل بلاك ووتر الأمريكية التي تتخذ من ولاية كارولينا الشمالية الأمريكية مقراً لها، لتقوم بالمهمات القذرة؛ من تصفيات، واغتيالات، وسرقات، وحماية المسؤولين الأمريكيين، ومقراتهم، وبعثاتهم…، وأقامت فيه القواعد العسكرية لتكون دائمية، وهي حالياً ثلاث قواعد رئيسية هي “عين الأسد” في محافظة الأنبار وقاعدة “بلد” الجوية بمحافظة صلاح الدين وقاعدة “التاجي” شمالي بغداد. وهناك اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وقد نشرتها الولايات المتحدة والعراق في 17/11/2008، وقد جاء في اتفاقية الإطار الاستراتيجي: (… تؤكدان الرغبة الصادقة لبلديهما في إقامة علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد… وتؤكدان مجدداً على هذه العلاقة طويلة الأمد في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية والأمنية… تظل هذه الاتفاقية سارية المفعول ما لم يقدم أي من الطرفين إخطاراً خطياً للطرف الآخر بنيته على إنهاء العمل بهذه الاتفاقية، ويسري مفعول الإنهاء بعد عام واحد من تاريخ مثل هذا الإخطار… وتعزيزاً للأمن والاستقرار في العراق يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقة التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية…إلخ)، فهذه اتفاقية استعمارية بمعنى الكلمة، تجعل لأمريكا الحق في أن تتدخل في شؤون العراق تحت مسمى “علاقة التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية”!

2- بدأت الاحتجاجات في العراق على الفساد والمحسوبية والاختلاس من قبل المسؤولين، وعلى تفشي البطالة بين الناس وتردي الخدمات العامة، وتدهور أوضاعهم المعيشية، وارتفاع الأسعار وخاصة أسعار الكهرباء، وقد شمل ذلك مناطق الحاضنة الشعبية للنظام، وكانت الاحتجاجات قد بدأت منذ عام 2010 وصارت تتجدد كل سنة وتخمد إما بعد ضربها أو بعد وعود كاذبة من السلطات بتلبية مطالب المحتجين، وإما بالعمل على احتوائها من قبل بعض القوى السياسية المنخرطة في النظام. ولكن الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت منذ بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019 كانت مختلفة، إذ رفض المحتجون التوقف عن الاحتجاج رغم البطش بهم، ورفضوا تلك القوى السياسية التي كانت تعمل على احتواء الاحتجاجات، فازداد البطش بالمحتجين من قتل، وجرح، وسجن، وقد طالت الاحتجاجات هذه المرة الهجوم على إيران وصب المحتجون جام غضبهم عليها وحرقوا لها قنصليات ومراكز بسبب تصدي التنظيمات التابعة لها في العراق لهم، وبسبب رؤيتهم لمدى ارتباط النظام والكتل السياسية والمليشيات المسلحة بها مع ارتباطها بأمريكا مباشرة أو غير مباشرة، وكان زخم الاحتجاجات قوياً، وقد أظهر النظام ورئيس الوزراء عادل المهدي عجزهما عن ضبط الأوضاع، ومعالجة المشكلة، وتلبية مطالب المحتجين الذين أصبحوا يطالبون بإسقاط النظام، مما اضطر عبد المهدي إلى إعلان الاستقالة يوم 30/11/2019م لإنقاذ النظام، وفي اليوم التالي قبِلَها البرلمان على الفور، وبات عبد المهدي رئيس حكومة تصريف أعمال. واضطر رئيس الجمهورية برهم صالح إلى مخالفة الدستور برفضه يوم 26/12/2019 تكليف أسعد العيداني مرشح أكبر كتلة برلمانية (البناء) لتشكيل الحكومة، وذلك لرفض المحتجين لهذا المرشح لدوره كمحافظ للبصرة في محاولات سحق المحتجين هناك. فكانت هذه الاحتجاجات مؤثرة أكثر من سابقاتها.

3- وفي هذه الأثناء حصل أن قامت فصائل منضوية تحت الحشد الشعبي بإطلاق صواريخ على قاعدة أمريكية قرب كركوك يوم 28/12/2019 من دون مناسبة، فقتلت عنصراً أمريكياً يعمل في القاعدة… ويبدو أن هذا قد تم خارج السياق، لأن رئيس هيئة الحشد الشعبي (فالح الفياض) كان قد قام بزيارة واشنطن قبل نحو شهرين يوم 19/10/2019، والتقى وزير الدفاع (مارك إسبر) بحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة (مارك ميلي). وأعلن أنه جرى بحث العلاقة بين البلدين وخصوصا التعاون العسكري، والآن يتم هذا القتل! وعلى إثر مقتل ذلك العنصر الأمريكي قام الجيش الأمريكي بتنفيذ ضربات جوية يوم 29/12/2019 على جماعة كتائب حزب الله المسلحة؛ إحدى فصائل الحشد الشعبي. وأعلن عن مقتل ما لا يقل عن (27) عنصراً وإصابة (62) آخرين من هذه الكتائب. وقامت أمريكا بتوجيه ضربة جوية بطائرة مسيّرة يوم 3/1/2020 قرب مطار بغداد، فأعلن فيها عن مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي كان له تأثير في الحشد الشعبي ومعه نائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وأربعة ضباط آخرين من الحرس الثوري برتب عميد، وعقيد، ورائد، ونقيب. وقد عملت أمريكا على توظيف هذه الأحداث لصالحها وصالح رئيسها الذي يريد أن يسجل نقاطاً لتعزيز حظوظه بدورة ثانية لرئاسة أمريكا… ولكن يبدو أن هذه الأحداث شحنت الأجواء ضد أمريكا، ولهذا اتخذ البرلمان العراقي يوم 5/1/2020 قراراً بالعمل على إنهاء أي وجود للقوات الأجنبية، وطالبوا رئيس الوزراء بتنفيذ قرارهم. وتجاوب معهم رئيس حكومة تصريف الأعمال عبد المهدي… وكانت ردة فعل أمريكا على قرار البرلمان العراقي على لسان الرئيس الأمريكي ترامب بتهديده بفرض عقوبات على العراق، وقال (إن الولايات المتحدة لن تترك العراق إلا إذا دفعت الحكومة العراقية تكلفة القاعدة الأمريكية هناك)، وقال (لدينا قاعدة جوية هناك باهظة التكلفة بشكل استثنائي. لقد احتاجت مليارات الدولارات لبنائها منذ فترة طويلة قبل مجيئي. لن نغادر العراق إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها، وإذا طالب العراق برحيل القوات الأمريكية، ولم يتم ذلك على أساس ودي، سنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل مطلقاً. ستكون عقوبات إيران بجوارها شيء صغير… “سكاي نيوز 5/1/2020”).

4- ثم أعلنت إيران أنها شنت هجمات صاروخية في تمام الساعة 1:20 بتوقيت طهران مع بداية يوم 08/01/2020 على قواعد أمريكية في العراق، وأنهم قتلوا ما لا يقل عن (80) أمريكياً في الهجوم الصاروخي الإيراني على القواعد الأمريكية، وقال التلفزيون أخذنا بثأر سليماني، ولكن أمريكا أقرت بالهجوم وأنكرت مقتل أي عنصر لها…! ثم خف زخم هذه الأحداث وهدأت دون مزيد من التصعيد…! بعد ذلك قام محمد توفيق علاوي، وزير الاتصالات السابق في حكومة المالكي بالإعلان يوم 01/02/2020م عن أن رئيس الجمهورية كلفه بتشكيل الحكومة. وقد أعلن المحتجون رفضهم لترشح علاوي إذ أعلنوا أنهم يرفضون كل شخصية سياسية انخرطت في النظام منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، وقبل أن تطول مدة تكليفه استقال… ومن ثم قام رئيس الجمهورية يوم 16/3/2020 بتكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة، وقد شغل مناصب أمنية عدة في النظام ومحافظاً للنجف بعد احتلالها له، ولكن الزرفي اعتذر يوم 9/4/2020 عن عدم قدرته تشكيل الحكومة. وفي 9/4/2020 أعلن الرئيس العراقي برهم صالح عن تكليف رئيس المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة والذي لا ينتمي للأحزاب، وهذا خرق آخر للدستور. ويذكر أن مصطفى الكاظمي كان يعمل كمعارض لنظام صدام في الخارج، وبعد 2003 رجع للعراق إلى السليمانية… وأثناء عمله كرئيس تحرير شؤون العراق في موقع المونيتور الإخباري الأمريكي، كان يدافع بشدة عن وجوب أن تكون العلاقات الأمريكية العراقية قوية بشكل حاسم، فقال في مقال له: (تظهر متابعة العلاقات العراقيّة-الأمريكيّة بعد عام 2003 أنّها متى أصبحت ضعيفة وهامشيّة، قد تفتح ذلك الباب لدخول أطراف خارجيّة أخرى من جهّة، وأيضاً تسبّب خسائر للمصالح المشتركة العراقيّة والأمريكيّة في المنطقة. وعليه، يحتاج العراق والولايات المتّحدة الأمريكيّة إلى إعادة تقييم علاقتهما من أجل بناء علاقة استراتيجيّة قويّة تساعد على إعادة التوازنات بين القوى في المنطقة، وتضمن المصالح المشتركة للطرفين… “موقع المونيتور الأمريكي 02/10/2015”) فهو يعمل في الخفاء والعلن لصالح أجهزة الأمن الأمريكية، وبتنسيق تام مع قوات الاحتلال الأمريكي للعراق منذ عودته للعراق بعد 2003، ولأنه كذلك فقد استغرب الكثير من العراقيين تقديم العبادي له بشكل مفاجئ سنة 2016 كمدير للمخابرات، وهو منصب حساس للغاية، وبحاجة إلى شخصية موثوقة للغاية في أمريكا، (في 2016 فاجأ رئيس الحكومة حيدر العبادي العراقيين بتعيين شخصية كمصطفى الكاظمي، الكاتب الصحافي والناشط الحقوقي، على رأس المخابرات. وهذا في أوج الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي احتل جزءا من البلاد في فترة من الفترات قبل أن ينجح الجيش العراقي بدعم من التحالف الدولي في دحره… فرانس 24، 8/5/2020). ثم إن أمريكا لم تخف علاقتها معه وهو في المخابرات (ونقل تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، أن الكاظمي قام “بعمل جيد” عندما كان رئيسا للمخابرات، مرحبا بالشراكة معه كرئيس للوزراء… “الجزيرة نت عن وول ستريت جورنال 30/5/2020”). وكان قد قام بزيارة السعودية عام 2017 مع رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وشوهد وهو يعانق مطولا صديقه الشخصي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتفاني في خدمة الأمريكان!

5- ويوم 7/5/2020 منح البرلمان العراقي الثقة لحكومة الكاظمي بأصوات (255) عضواً من أصل (329) عضواً، مع أن الكاظمي متهم بتقديم المساعدة لأمريكا في عملية اغتيال قاسم سليماني والمهندس، فقد شن (أبو علي العسكري)، المسؤول الأمني في مليشيا “كتائب حزب الله في العراق”، هجوماً عليه (واتهم رئيس جهاز المخابرات العراقي، مصطفى الكاظمي، بـ”المساعدة” في عملية قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس”… “الحرة، 3/3/2020″)، وفي أول ردة فعل من جانب النفوذ الإيراني (هاجم رجل الدين المتشدد علي الكوراني، المقرب من مليشيا حزب الله اللبنانية، هاجم الكاظمي واتهمه بتنفيذ أجندات أمريكية…”العين الإخبارية 15/5/2020م”) وبالتدقيق نجد أن الأحزاب الموالية لإيران قد صوتت له ومنحته الثقة، وهي التي تتهمه بالعمالة لأمريكا وتتهمه بالتعاون في قتل أبنائها وقتل سليماني والمهندس، وليس هذا فحسب، بل إنه رفض مطالبها كافة ورفض المحاصصة المعروفة، أي حرم تلك الأحزاب من “الغنائم” الوزارية. وهذا كله يشير إلى أن لأمريكا سبيلاً كبيراً على تلك الأحزاب مباشرةً أو عبر إيران، وما التوتر المعلن مع إيران إلا لذر الرماد في العيون، وحتى مقتل سليماني لم يثر في طهران إلا عاصفة صوتية سرعان ما انتهت، وكأن شيئاً لم يحدث بسبب علاقاتها من خلف ستار مع أمريكا. وربما لم تدرك تلك الأحزاب الطائفية في العراق أن حرمانها من الحقائب الوزارية ليس عقاباً لها، إنما هو من أجل امتصاص موجة الغضب التي تجتاح الشارع العراقي حيث عادت تلك الموجة لتتجدد من جديد بعد تراجع إجراءات مكافحة فيروس كورونا في العراق. وهذا يعني أن أكثر تلك الأحزاب هي مضمونة الولاء لأمريكا مباشرة أو عن طريق إيران، وقد دفع إعطاء الثقة بهذا الشكل بعض وسائل الإعلام إلى الحديث عن اتفاق أو صفقة! يقول إبراهيم الزبيدي في “العرب” اللندنية (إن بعض التحالفات والتيارات السياسية في العراق “رفضت مصطفى الكاظمي وأصدرت ضده بيانات تدمغه بالعمالة لأمريكا، وتتهمه بتدبير قتل قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس…” ويكمل الزبيدي قائلاً: “وكما رأيتم وترون، قد اتفقت التيارات السياسية على تمريره في البرلمان، وكأن شيئا لم يكن، فقط حين صدرت إليها الأوامر والتعليمات الأخيرة من سفارة الولي الفقيه في بغداد، أو من سفارة العم دونالد ترامب. أليس هذا نوعا من أنواع مسرح اللامعقول؟”…العرب اللندنية في 8/5/2020)، ومن ثم نال الكاظمي الثقة رغم الاتهامات! هذا بالإضافة إلى ما يمكن أن يحدث من “تلميع” للكاظمي في البيان الذي سيصدر عن الحوار الاستراتيجي بين أمريكا والعراق، المتوقع في حدود منتصف هذا الشهر، (ومن المقرر أن يعقد البلدان حواراً استراتيجياً منتصف الشهر القادم، لتحديد شروط علاقتهما المستقبلية”… الجزيرة نت عن وول ستريت جورنال 30/5/2020).

6- وفي جلسة الثقة نفسها اعتبر الكاظمي حكومته مؤقتة، وأنه يسعى لانتخابات مبكرة، فقال: (إن من أولويات حكومته إجراء انتخابات مبكرة استجابة للمطالب الشعبية الحقة)، وذلك في محاولة لإرضاء المحتجين والمعارضين، ومن أجل ذلك أضاف قائلاً: (إن التمهيد لانتخابات نزيهة يستدعي تأكيد سيادة الدولة في كل المجالات، وفي المقدمة حصر السلاح بيد الدولة وقواتها وبإمرة القائد العام للقوات المسلحة، وعدم تحويل البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات، ومنع استخدام أرض العراق للاعتداء على الآخرين… “بي بي سي 7/5/2020”). لقد كان حصول الكاظمي على الثقة إنجازاً مهماً وخبراً ساراً لأمريكا التي تسعى إلى جعل النظام الذي أقامته مستتباً، ليحقق لها استقرار نفوذها في العراق، وإضفاء الشرعية عليه، ولهذا قام وزير خارجية أمريكا (مايك بومبيو) وتحدث على الفور هاتفياً مع مصطفى الكاظمي ليبارك له حصوله على ثقة البرلمان كرئيس وزراء للعراق، وكتب على حسابه على موقع تويتر يوم 7/5/2020 قائلاً: (كان من الرائع التحدث اليوم مع رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي، الآن يأتي العمل العاجل والجاد لتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها الشعبالعراقي)، وأضاف: (لقد تعهدت بمساعدته على تنفيذ أجندته الجريئة). وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية (مورغان أورتاغوس) في بيان إنه (دعما للحكومة الجديدة ستمضي الولايات المتحدة قدماً بالإعفاء المتعلق بالكهرباء “استيراد الكهرباء من إيران لمدة 120 يوما” كعرض لرغبتنا في المساعدة لتوفير الظروف المناسبة للنجاح… “كونا 7/5/2020”) ومن ثم قام الرئيس الأمريكي بنفسه بالتحدث مع الكاظمي، فقد ذكر المتحدث باسم البيت الأبيض (جاد دير) في بيان أن (الرئيس ترامب تحدث يوم الإثنين 11/5/2020 هاتفياً مع الكاظمي لتهنئته على تصديق مجلس النواب العراقي على حكومته… وأن الرئيس عبر عن دعم الولايات المتحدة للعراق خلال جائحة فيروس كورونا المستمرة، وأكد على الاهتمام المشترك مع العراق بإلحاق هزيمة دائمة بحق تنظيم داعش… وأن الرئيس شجع أيضا رئيس الوزراء على تناول مطالب الشعب العراقي للإصلاح والانتخابات المبكرة… “رويترز، الحرة الأمريكية 12/5/2020”).

7- ومن أوائل إجراءات الكاظمي عند أول اجتماع له مع وزرائه يوم 9/5/2020 إعلانه إعادة تعيين عبد الوهاب الساعدي رئيساً لما يسمى بجهاز مكافحة الارهاب في العراق، وفي تصريحات صحفية، قال الكاظمي: (قررنا إعادة الأخ البطل الفريق أول عبد الوهاب الساعدي إلى منصبه رئيسا لجهاز مكافحة الإرهاب(، وتعتبر قوات مكافحة الإرهاب، قوات نخبة في الجيش العراقي، حيث دربتها وسلحتها القوات الأمريكية، وكانت بمثابة رأس الحربة في الحرب ضد تنظيم “داعش” على مدى ثلاث سنوات 2014-2017… وكالة الأناضول التركية، 9/5/2020). وقد ذكرت قناة العربية 11/5/2020 بأن قرار مصطفى الكاظمي إعادة عبد الوهاب الساعدي، وترقيته إلى قائد جهاز مكافحة الإرهاب جاء استجابةً لمطالب الشارع، فجهاز مكافحة الإرهاب في العراق أمريكي التبعية إلى أبعد الحدود، [منتصف عام 2017، وصف تقرير أمريكي “جهاز مكافحة الإرهاب” بأنه (أفضل ما أنشأته الولايات المتحدة بالعراق)، الجهاز التابع للجيش العراقي أسسته الولايات المتحدة بمعايير اختيار وتدريب قد تكون صارمة ومماثلة لتلك المستخدمة لتجنيد قوات العمليات الخاصة الأمريكية بحسب التقرير الذي نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط… “عربي21، 30/9/2019م”]. وكان الساعدي بحسب المصدر السابق قد ترقى في المناصب بشكل استثنائي إلى عميد ركن عام 2006، ثم لواء ركن عام 2008 على يد عميل أمريكا المالكي، ما يدل على درجة رضا أمريكا عن هذا الضابط العراقي. وقد تمتع هذا الجهاز بشعبية ناجمة عن أمرين لم يدركهما الشارع العراقي المنتفض، الأول أن أمريكا نفسها منعت جهاز مكافحة الإرهاب من قتل المتظاهرين، وهذه الطريقة الأمريكية هي نفسها التي استخدمتها في مصر سنة 2011 حين تعهد الجيش المصري بالامتناع عن استخدام القوة ضد المتظاهرين، فكان مقبولاً لدى جموع المتظاهرين لتشكيل المجلس العسكري بعد إزاحة حسني مبارك، بمعنى أن أمريكا كانت تريد يداً (نظيفةً) لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي ليكون البديل عن أي تغيير. وأما الأمر الثاني، فإن الشعب العراقي قد ظن بأن الساعدي وبسبب إقالة (نقل) عادل عبد المهدي له من مكافحة الإرهاب، ظنوه معارضاً للنظام الذي يقف على رأسه عبد المهدي، لذلك أرادوا الساعدي بديلاً، وإلا فإن المظاهرات العراقية ترفض وبشدة النفوذين الإيراني والأمريكي في العراق…

وقد ذكرنا شيئاً عن ذلك في إصدارنا المؤرخ 04/12/2019 حيث قلنا: (بالنسبة إلى العراق: أمريكا تحكم العراق بشكل شبه مباشر من وراء ستار، فعدد موظفي سفارتها في بغداد يبلغ 16 ألف موظف يتابعون أعمال كافة الوزارات العراقية خاصة النفط وقطاع الأمن، وهي أكبر سفارة لأمريكا في العالم، ولها قواعد عسكرية كثيرة في العراق أشهرها قاعدة عين الأسد في الأنبار… وفي الأسبوع الأخير من الشهر الماضي كثفت أمريكا وفودها فكانت الزيارة المفاجئة لنائب الرئيس الأمريكي بنس يوم 23/11/2019 إلى قاعدة عين الأسد، وقبل أن يمر أسبوع على زيارة نائب الرئيس الأمريكي للعراق أوفدت أمريكا قائد هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي مارك ميلي إلى بغداد في 27/11/2019، وهذا دليل المتابعة الأمريكية الحثيثة، وخاصة أن العراق بالنسبة لأمريكا ذو حساسية… وقد لوحظ – أن جهاز مكافحة الارهاب في العراق، وهو قوة عسكرية كبيرة شكلها الأمريكان وجهزوها بأفضل المعدات العسكرية، هذا الجهاز بعيد عن سياسة القمع للاحتجاجات، ويبدو أن المحتجين

في ساحة التحرير ينظرون إلى هذه القوة باعتبارها المخلّص من الساسة الفاسدين حيث يرفعون صورة كبيرة للجنرال عبد الوهاب الساعدي أحد قادة الجهاز بعد إقالة عبد المهدي له، وكأن هذه القوة مقبولة لدى المتظاهرين ليكون لها دور في ترتيب الحل) انتهى الاقتباس.

8- والخلاصة هي أن الكاظمي هو طوع بنان أمريكا في العراق:

أ- في سيرته: أثناء عمله كرئيس تحرير شؤون العراق في موقع المونيتور الإخباري الأمريكي، ودفاعه بشدة في 2015 عن وجوب أن تكون العلاقات الأمريكية العراقية قوية بشكل حاسم…

ب- في تكليفه سنة 2016 مديراً للمخابرات، وترحيب أمريكا به كما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية، أن الكاظمي قام “بعمل جيد” عندما كان رئيسا للمخابرات، مرحبا بالشراكة معه كرئيس للوزراء…

ج- ثم علاقته بصديقه محمد بن سلمان الواضحة وخاصة عندما زار السعودية عام 2017 مع رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وشوهد وهو يعانق مطولا “صديقه الشخصي” ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتفاني في خدمة الأمريكان!

د- حصوله على ثقة البرلمان يوم 7/5/2020 وذلك بدعم أمريكي مباشر وغير مباشر من إيران بالضغط على الأحزاب الموالية لإيران مع أن الكاظمي متهم بتقديم المساعدة لأمريكا في عملية اغتيال قاسم سليماني والمهندس، وأنه ينفذ “أجندات أمريكية” وهذا كله يشير إلى أن لأمريكا تأثيراً فاعلاً على إيران، وما التوتر المعلن مع إيران إلا لذر الرماد في العيون!

هـ- ثم إعادة عبد الوهاب الساعدي في 9/5/2020 رئيساً لجهاز مكافحة الإرهاب في العراق، وقوات هذا الجهاز دربتها وسلحتها القوات الأمريكية، وقد وصف تقرير أمريكي نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط منتصف 2017، وصف هذا الجهاز بأنه (“أفضل ما أنشأته الولايات المتحدة بالعراق”… عربي21، 30/9/2019م).

كل ذلك يبين مدى “الحظوة” التي يتمتع بها الكاظمي عند أمريكا، وعلى أهل العراق أن يدركوا ذلك قبل أن يندموا ولات حين مندم!

9- وأختم بكلمة واحدة فأقول إنه لا خلاص للعراق وإعادة أمجاده وعزته، فيكون دولة ذات شأن، ومركزا لدولة عظمى تقهر أمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول الاستعمارية، أقول لا خلاص للعراق إلا بالعودة إلى مصدر عزته، ألا وهو الاسلام بإقامة دولته، خلافة راشدة على منهاج النبوة، وصدق الله القوي العزيز: ﴿وَلِلّٰهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِه وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعلَمُونَ﴾.

الثلاثاء 11 شوال 1441هـ
02/06/2020م
—————–

أمير حزب التحرير

CATEGORIES
TAGS
Share This