أمريكا تنشب مخالبها في ليبيا
بعد إجازة البرلمان التركي لمذكرة التفاهم التي وقعت بين أردوغان والسراج ذات الطابع العسكري والأمني التي تمكن تركيا بموجبها الدخول على خط الصراع في ليبيا لصالح حكومة الوفاق، وقد استطاعت تغيير موازين القوة في ليبيا، فقد استطاعت حكومة الوفاق من السيطرة على الساحل الغربي حتى الحدود التونسية كما ذكر رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية خالد المشري: أن حكومة الوفاق سيطرت على مساحة 5000 كلم على طول البحر وقد تمكنت من السيطرة على ست مدن ومنطقتين في سبع ساعات فقط. ومن ثم سيطرت قوات حكومة الوفاق المدعومة تركيا على قاعدة الوطية الحصينة.
وبذلك تكون قد سددت ضربة قاضية لقوات حفتر في الغرب الليبي ومن ثم اتجهت إلى مدينة ترهون وضربت عليها حصارا، ودحرت قوات حفتر التي تحاصر مدينة طرابلس فحققت نجاحات، حيث دحرتها إلى مساحة ستة وعشرين كيلو متراً عن العاصمة. وقد شكل انسحاب قوات شركة (فاغنر) الأمنية الروسية من محيط طرابلس ضربة قوية لقوات حفتر التي تحاصر طرابلس مما جعلها تتقهقر أمام قوات حكومة الوفاق.
وقد أدخلت تركيا كمية هائلة من العتاد والأسلحة مما مكنها من تحقيق نصر سريع وخاطف، وقد ذكر كثير من المحللين العسكريين أن تركيا قد اتخذت قاعدة لها في طرابلس، ومن المرجح أن تتخذ من قاعدة الوطية مقراً رئيسياً لقواتها، وبذلك تكون تركيا هي صاحبة الكلمة على حكومة الوفاق.
وما كان لتركيا أن تدخل حلبة الصراع في ليبيا دون أن تأخذ الضوء الأخضر من واشنطن.. وكما ورد في صحيفة القدس العربي بالتزامن مع اتصال هاتفي جرى بين الرئيس التركي أردوغان والأمين العام حلف شمال الأطلسي (الناتو) أصدر الأخير تصريحات متتالية عن استعداد الحلف لدعم حكومة الوفاق “الشرعية”، وفي متابعة مع صحيفة (ريبوبليكا) الإيطالية أيضاً أبدى أمين عام الناتو استعداده لدعم الحكومة الليبية برئاسة فائز السراج مشدداً على أنه لا يمكن وضع حكومة السراج المعترف بها دولياً والجنرال الانقلابي خليفة حفتر في كف واحدة، ولهذا السبب فإن الناتو مستعد لدعم حكومة طرابلس، وكان هذا بمثابة الضوء الأخضر لتركيا للتدخل العسكري، وما عضد ذلك التنسيق بين تركيا، والتصريحات التي صدرت من المسؤولين الأمريكيين.
في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء السراج رحب بمساهمات حكومة الوفاق المهمة في دحر (الإرهاب) وتحقيق السلام في تونس، وفي الاحتفال في المقبرة العسكرية الأمريكية في تونس قال السفير الأمريكي في تونس ريتشارد بورلاند: (في ليبيا لا تزال هناك قوى تسعى لفرض نظام سياسي جديد بالوسائل العسكرية أو الإرهاب، وتفخر الولايات المتحدة بشركائها مع الحكومة الشرعية والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة في ليبيا حكومة الوفاق الوطني). وتحدث السفير بورلاند مع رئيس الوزراء السراج يوم الأحد بعد اتصال رئيس الوزراء مع وزير الخارجية مايك بومبيو لتأكيد تقدير الولايات المتحدة لالتزامه بالمفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة…
إن هذا ليدل على أن أمريكا قد غرزت مخالبها عميقاً في جسد حكومة الوفاق المثقل بالجراح، وعلى صعيد متصل أكد رئيس بلدية الزينتان رغبة الليبيين في المنطقة الغربية أن يروا نهاية لهجوم قوات حفتر على طرابلس، جاء ذلك في اتصال هاتفي مع السفير الأمريكي في ليبيا، وقال بورلاند إن أمريكا تشارك الليبيين ذلك الهدف، وتعتبر الزينتان أكبر قوة عسكرية في الجبل الغربي إذ يدعم مجلسها العسكري حكومة الوفاق الوطني.
وفي المقابل فقد انهالت الاتهامات على حفتر بأنه جلب المرتزقة إلى ليبيا، فقد تحدثت صحيفة النيويورك تايمز عن الدور الإماراتي في العملية الفاشلة التي نفذها المرتزقة والداعمون للواء المتقاعد خليفة حفتر، وذكرت الصحيفة في تقرير ترجمته (عربي 21) أن المهمة التي لم تعمر طويلاً تورطت فيها شركات أمنية تتخذ من الإمارات مقراً لها، فقد اشترك فيها مرتزقة من بريطانيا وجنوب أفريقيا وأستراليا والولايات المتحدة.
كما وجهت جهات عدة الاتهام إلى روسيا بأنها قد أدخلت شركة فاغنر الأمنية كمرتزقة يقاتلون بجانب الجنرال خليفة حفتر والذين فروا من محاور القتال جنوب العاصمة طرابلس في اتجاه مدينة بني وليد، وقد أكد ذلك عميد لدية مدينة بني وليد سالم نوير، الذي قال في تصريحات سابقة للجزيرة إن مسلحين روساً وسوريين دخلوا إلى مطار بني وليد المدني مع أسلحة وثلاث منظومات دفاع جوي وعربات وآليات مسلحة، وقد أشار أن عدد المرتزقة كان يقدر بين (1500 – 1600) عنصر، كما اتهمت فرنسا روسيا بإرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا، هذا وقد نشرت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) صوراً لمقاتلات قالت إنها مقاتلات روسية إلى ليبيا.
إن هذا الهجوم والاتهامات التي تشنها أمريكا على حفتر لا يعني أنها قد نفضت يدها عنه فإن حفتر صنيعة أمريكية بامتياز، ونقلاً عن تقرير لصحيفة الواشنطن بوست أفاد بأن حفتر قد لجأ إلى أمريكا وعاش حياة هادئة في فرجينيا لعشرين سنة مضت، مع تخمينات بأنه ربما متورط مع المخابرات الأمريكية. وعرضت قناة “سكاي نيوز” تقريراً تناولت فيه التاريخ المثير للجدل حول اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث لجأت فيه أمريكا لصناعة جماعات سنية عسكرية لإسقاط القذافي فوجد وليام كيس مدير المخابرات الأمريكية آنذاك في حفتر ضالته، حيث كان أسيراً لدى الحكومة التشادية بعد فشل المهمة التي كلفه بها القذافي في تشاد، ولمدة سبع سنوات ظل حفتر يقود الجماعات المسلحة التي دربتها السي آي إيه، وبعد أن تبدل النظام في تشاد، وتحول وجه النظام الجديد إلى فرنسا، أخذت أمريكا حفتر والجنود الذين كانوا معه بطائرة خاصة إلى أمريكا، واحتفظت بهم لمدة عشرين عاماً، وبعد شهر من بداية الانتفاضة الشعبية في ليبيا أعيد حفتر إلى بنغازي مع عدد قليل من ضباطه، وفي استقباله جمع غفير من المواطنين مرحبين به، وفي خلال أسابيع تم تنصيبه قائداً لقوات التمرد، ومن ثَم عُين قائداً للجيش الوطني الليبي الذي تدعمه أمريكا، وبذلك أصبح رقماً في شرق ليبيا. وفي نيسان/أبريل 2019م قام بمحاولة للوصول إلى مدينة بنغازي لإسقاط حكومة الوفاق، وقد اتصل عليه الرئيس الأمريكي ترامب بعد حصاره لمدينة طرابلس، وقد فُهم حينها أن أمريكا تدعم هذا التوجه لخليفة حفتر في محاولة للاستيلاء على السلطة عن طريق إسقاط حكومة الوفاق والاستيلاء على العاصمة، وقد اعترضت بعض الدول محاولة القيام بإجراء من مجلس الأمن لإدانة حفتر لخرقه اتفاق الصخيرات ومحاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة.
هذا هو خليفة حفتر الذي لا يستطيع أن يعصي لأمريكا أمراً، وهو بمثابة الضلع الثاني لمثلث القوى في ليبيا.