حكومة كفاءات أم حكومة أحزاب.. تعدّدت الخيارات والضياع واحد

حكومة كفاءات أم حكومة أحزاب.. تعدّدت الخيارات والضياع واحد

استقال الياس الفخفاخ رئيس حكومة “الرئيس” الأولى، فعاد حق المبادرة دستوريا إلى رئيس الجمهورية.
الذي فاجأ الأحزاب وأعرض عن كلّ مرشحيها، واختار وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة هشام المشيشي. خريج المدرسة الوطنيّة للإدارة. فكثر الجدل عن نوع الحكومة وتوجّهها فأغلب الأحزاب تطالب بحكومة سياسيّة، ولكنّ المشيشي يتّجه نحو تكوين حكومة تكنوقراط. ويدور هذا الجدل في إطار جدل أوسع منه جدل حول النّظام السياسي البرلماني وضرورة العدول عنه إلى النّظام الرئاسي.

فهل حكومة الكفاءات خير لتونس وأقدر على حلّ الأزمة ونقلهم إلى مستوى راق من العيش الكريم ؟ وهل النظام الرئاسي أفضل من النظام البرلماني أم هما وجهان لعملة واحدة كاسدة؟

لا بد من الإشارة بداية أن النظام السياسي في تونس يختصّ بأمرين مؤثّرين فيه:

الأمر الأوّل أنّه قائم على عقيدة فصل الدين عن الحياة وإلغاء التشريع الرباني من الحياة واستبداله بتشريع وضعي بشري. فهو نظام علماني يناقض في أساسه وتفاصيله عقيدة أهل تونس.

أمّا الأمر الثّاني: أنّ العلمانيّة فُرضت على البلاد فرضا منذ زمن الاستعمار المباشر، وفُرض معها النّظام السياسي بالخداع.

والعلمانيّة بما هي عقيدة وضعيّة قد تتشكّل في دكتاتوريّة يكون فيها الدّكتاتور معلوما متسلّطا بالقهر والغصب أو بالوسائل الدّستوريّة، وقد تتشكّل العلمانيّة في شكل ديمقراطيّة تعتمد النظام الرئاسي أو النّظام البرلماني الذي يقتضي أن تتشكّل الحكومات من الأحزاب الممثلة في البرلمان أو من “كفاءات” لا علاقة لها بالأحزاب.

وفي كلّ الأحوال يبقى مصير البلد في أيدي مجموعة صغيرة من السياسيين أو من التكنوقراط. والسّؤال ما مصير البلد في أيدي هاته المجموعة؟ خاصّة إذا استحضرنا أنّ كلّ الطبقة السياسيّة التي في الحكم (في تونس) تدين بالولاء للغرب وأنّ الذين يسمّونهم كفاءات كلّهم من تلامذة الغرب صنعهم بعناية واشتغل أكثرهم في منظّماته وشركاته بل وحكوماته بما يعني أنّهم لا فقط تعلّموا تعليما غربيّا بل تربّوا في أحضان الغرب.

1/حكومة الأحزاب: منذ اندلاع شرارة الثورة، تم تشكيل حكومات حزبية بتمثيلية مرتبطة بنسب فوزها في الانتخابات، فكانت حكومات ذات ألوان كثيرة وتوجهات مختلفة لكن يجمعها الولاء للديمقراطية وإقصاء الإسلام من الحكم لأن إرادة المسؤول الكبير تقتضي وتشترط ذلك ولا مجال للعب الديمقراطي خارج ساحته المسيّجة بأسلاك شائكة، كما يفرقها مصالحها الحزبية الضيقة فلا ترى إلا منكافات وصراعات لا تكاد تنتهي بلغت أحطّ المستويات. ولم يبخل نوّاب البرلمان على  التونسيين بنصيب من المشاهدة المباشرة على شاشات التلفزة التونسية لأحطّ المستويات وأكثرها تدنيا أخلاقا وسياسة، الأمر الذي ولّد حالة من الاشمئزاز والنفور الجماهيري العام من هذا الوسط السياسي الذي حول حياتهم إلى جحيم لا يطاق ليس المقام لذكره والتفصيل فيه.

2/حكومة الكفاءات والتكنوقراط: أمام الخيبة الرهيبة لحكومات المحاصصات الحزبية واقتسام الغنائم بين اللاعبين في الملعب الديمقراطي بصفارة المسؤول الكبير، وتحيلا على الناس رغبة في مد أنفاس العلمانية، أوهموا الناس أن لا حل للوضع المتردي غير تشكيل حكومات لا تمت بصلة للأحزاب السياسية وغير خادمة لها وهذا لا يتحقق إلا بكفاءات أسموها وطنية (تضليلا) قائمة على رجال تكنوقراط ذوي اختصاصات كل في ميدانه، ثمّ وعدوا بالإبداع والإقلاع  والانتقال النوعي… وتدخلت الماكينة الإعلامية لتغذّي هذا الوهم وتروّج له. حتّى ظن البسطاء وسطحيّوا التفكير أنّها المخلص لهم من مآسي تراكمت على مر السنين العجاف.

جاءت حكومة التكنوقراط الأولى، ترأسها مهدي جمعة بعد إسقاط الترويكا “فكانت الكذبة الكبرى “التي تعرت بسرعة وتبين للقاصي والداني أنها كفاءات مغشوشة، لا تعرف إلا خدمة المستعمر ولا تُحسن إلا العمل على نهب الوطن والمواطن لصالح ما يدعونها الجهات المانحة، وفضائحها كثيرة لا يتّسع المقام لسردها، فأثبتت أنها مجرد طابور خامس لجهات أجنبية. وأتحفتنا حكومة الكفاءات بظاهرة  فريدة (تبيّن درجة الخداع والمكر) أثبتت أنّ العمل الحكومي لم يكن إلا  خطوة للانتظام الحزبي، لإعادة رسكلة أحزاب المنظومة القديمة، فعاد الحال أسوا مما كان.

 ونخلص للقول أن الحكومات سواء كانت حزبية أم كفاءات إدارية، في ظلّ العلمانيّة والهيمنة الاستعماريّة لن يكون لها من دور إلا إعادة إنتاج شروط التخلف والتبعية، وإدارة البلد وفق إملاءات الجهات المانحة والناهبة. أمّا رئيس الدولة والأحزاب المهيمنة فيدورن في حلقة مفرغة، يبحثون عن استقرار هم أوّل من زعزعه، تراهم حيارى رغم دستورهم وديمقراطيّتهم، وحرّياتهم …

السؤال لكلّ أنصار الدّيمقراطيّة والتعدّديّة والحرّيات… طبّقتم الدّيمقراطيّة وزعمتم أنّكم وضعتم دستورا من أعظم دساتير الدّنيا، فما بلنا تحت هيمنة المستعمر؟ وما بال أحوالنا تسوء كلّما ازدادت الدّيمقراطيّة وارتفع منسوب الحرّيّات؟

أمّا سؤالنا لأهل تونس: هل نبقى أرقاما يتلاعب بها السياسيون؟؟      إلى متى تعبث بنا ديمقراطيّتهم ويسحقنا دستورهم العلماني الوضعي؟

3/أين الخلل وأين الحل؟:

قلنا منذ البداية أن تشكيل الحكومات سواء على قاعدة الكفاءات  أو الأحزاب هي إفراز من إفرازات النظام العلماني المنبثق عن عقيدة فصل الإسلام عن الحياة، وكذلك سواء كان النظام السياسي برلمانيا أم رئاسيا فهي كلها صورة من صور الديمقراطية التي فُرضت علينا لتكون البلاد تحت الوصاية الاستعماريّة.

 فساد العقيدة الرأسمالية عقيدة فصل الدين عن الحياة حتما تقود إلى فساد كل ما ينبثق عنها وفساد كل ما تنتجه حين التطبيق، لذلك لا حظ للبشرية في تحقيق السعادة والطمأنينة والاستقرار بعقيدة يلفها الفساد من كل جانب، ومن هنا كان لزاما على الشعوب سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة أن لا تجعل حظا لهكذا عقيدة فاسدة وهكذا نظاما مجرما من التمكن من النفوس والتطبيق في الأرض.

إنه لمن أشدّ الظّلم أن يخيرونا بين سيء وأسوأ، كلها ثمرات فساد أكبر(عقيدة فصل الدين عن الحياة) فيستبدلون دنيئا بدنيء (حكومات كفاءات بدل حكومات حزبية)وهذا لعمري من باب المكر والخديعة وتحويل الأنظار عن رؤية الحق الذي به وحده نتحرر ونحيا ونطمئن…

هذا الحق هو الحل وما على البشرية إلا أن تتلمسه وتسعى للخلاص به لا غير، حق عقيدته الإسلام القائمة على “لا إله إلا الله محمد رسول الله” ينبثق عنها نظام شامل لكل مناحي الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. عقيدة لو وُضعت موضع التطبيق – كما وُضعت في السابق على امتداد أكثر من 13 قرن – في دولة مبدئية هي دولة الخلافة ترعى الشؤون بأحكام الإسلام ،أحكاما شرعية من لدُن رب العالمين، لا أحكاما بشرية يتحكم فيها الهوى والمصلحة، لأنتجت صلاحا وعمارا وهناءة ولكفت البشرية نزاعاتهم البغيضة وتشرذمهم المقيت.

رسالة لمن بقي عنده مُسكة من عقل

 الرئيس قيس سعيد والحكومات المشكلة والتي ستتشكل لاحقا وكامل الوسط السياسي شهود زور وقفوا سدا منيعا أمام دينكم وأحكام ربكم ورضوا أن يكونوا خدّاما لأعدائنا الكفّار المستعمرين الذين أسقطوا دولة المسلمين التي كانت تجمعهم ومزّقوها دويلات هزيلة بائسة.

فإلى متى السّكوت على عدوّ يتملّك أمرنا وعلى حفنة من العملاء أعطوا الولاء لعدوّكم؟ إلى متى السّكوت وقد بلغ الحال ما ترون من السوء والهوان والمذلّة؟ هل الحلّ في الهرب والارتماء في البحر إلى المجهول؟

 ها هو “حزب التحرير” بينكم يدعوكم إلى نصرته والوقوف معه لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

 لقد جربوا فيكم كل أنواع الحكم بغير ما أنزل الله وذقتم كل صنوف القهر والعذاب فما الذي يبقيكم صامتين عن طلب الحق وإقامة الدين خصوصا وأنتم تدينون بالإسلام فماذا رأيتم من ربكم حتى لا تطلبوا شرعه فوالله لا خلاص لكم من عبث الديمقراطية ورقصة الصبية إلا بدولة الإسلام.

قال تعالى: وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (الجن – 16)

علي السعيدي

CATEGORIES
TAGS
Share This