حكومة أخرى في تونس… لماذا؟؟؟

حكومة أخرى في تونس… لماذا؟؟؟

وضع الكارثة:

تعيش تونس أسوأ أزماتها، إذ اجتاحها الوباء اجتياحا،فقد صنفتها منظمة الصحة العالمية في المرتبة الأولى عربيا وأفريقيا من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، ونسب الوفيات (تجاوز عدد الوفيات 15 ألفا، بمعدل يومي للوفيات تجاوز 100 حالة). هذا في ظلّ عطالة سياسيّة تامّة، وأزمة اقتصاديّة خانقة. وفي هذا السياق عاد الحديث بقوّة عن تغيير الحكومة.  

فدعا مجلس شورى حركة النهضة في بيان رسمي إلى تشكيل حكومة سياسية، مع الإبقاء على رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي. ودعم حزب قلب تونس هذه الدّعوة على لسان ناطقه الرسمي محمّد الصّادق جبنون.

تغيير الحكومة الآن.. الذّرائع والمبررات:

يزعم الائتلاف الحاكم أنّ التغيير ضروريّ وأنّ ضرورته تكمن في:

تجاوز أخطاء الحكومة الحاليّة: إذ أكّد فتحي العيادي الناطق الرسمي باسم حركة النهضة (في تصريح للجزيرة نت)، أنّ دعوة حزبه لتشكيل حكومة سياسية يترأسها المشيشي غايتها تجاوز أخطاء الفريق الوزاري الحالي سيما وزارة الصحة. وأيّده الصادق جبنون الناطق باسم حزب قلب تونس الذي رحّببأيّ خياراتللرفع من نجاعة العمل الحكومي.

حاجة البلاد إلى الوحدة الوطنيّة: ويؤكّد فتحي العيّادي (في تصريح للجزيرة نت) أنّ مطلب تشكيل حكومة سياسية بديلة، مرتبط أساسا بحاجة البلاد إلى وحدة قويّة بين مختلف مؤسسات الدولة وأحزابها لتجاوز الأزمة الوبائية الطاحنة. ولمّا سُئل عن تشبث النهضة بالمشّيشي رئيس اللحكومة رغم مطالبات الرئيس قيس سعيّد وأحزاب برلمانيّة برحيله، اعتبر العيادي أن الحركة قدرت أن بقاء المشيشي هدفه تجنب السقوط في مشاكل إضافية، ولضمان استمرارية عمل الحكومة مع تعزيز أدائها بوزراء ذوي كفاءة.

هذه هي أهمّ مبرّرات الائتلاف الحكومي للدّعوة إلى تغيير الحكومة.

انطلاق المشاورات: 

أكّد العيّادي ناطق النّهضة، أن حزبه سيتشاور مع الأحزاب، ومع رئيس الحكومة الحالي لتقييم أداء الفريق الوزاري، من أجل إبقاء من أثبت كفاءته من الوزراء، وتغيير من فشل في مهمته.واعتبر الناطق الرسمي لحزب قلب تونس محمد الصادق جبنون في تصريح لجزيرة نت: أنّكل خطوة في هذا السياق لابد أن تتم بالتشاور مع كل الطيف السياسي الداعم لحكومة المشيشي. ويبدو أنّ المشاورات قد انطلقت فعلا فقد أوردت إذاعة (موزاييك أف أم) عن مصادر مطّلعة أنّ راشد الغنّوشي رئيس حركة النّهضة وهشام المشيشي رئيس الحكومة ونبيل القروي رئيس حزب قلب تونس، اجتمعوا في منزل الغنوشي صباح الخميس 08/07/2021. 

وقالت الإذاعة أنّهم تشاوروا “عن كيفية التعاطي مع الأزمة السياسية في ظلّ تعطل العمل الحكومي وعدم مباشرة 11 وزيرا مزكّى لمهامهم، وقد تمّ طرح مقترح حركة شورى النهضة بتشكيل حكومة سياسية على الطاولة .كما تحدّثوا عن ”أزمة الكوفيد19” ومفاوضات صندوق النقد الدّولي واشتراطه تحديد من سيكون طرفا في المفوضات معه. وأنّ اللقاء تناول أيضا عدم رضا بعض أحزاب والكتل البرلمانية المكوّنة للحزام السياسي للحكومة بتحميلها مسؤولية الأزمة التي تعيشها البلاد رغم أنّها ليست طرفا في الحكومة”. 

وتعني انطلاق المشاورات أنّ التغيير الحكومي جدّيّ وأنّهم ماضون فيه، والمعلن توسيع الحزام السياسيّ والخروج من إطار الصّراع المصطنع مع الرئيس.   

عشر حكومات في أقلّ من عشر سنوات: ديمقراطيّة الأزمات

المتابع للحياة السياسيّة في تونس يرى أنّ تغيير الحكومات صار من خصائص العمل السياسيّ في تونس،عشر حكومات بمسمّيات مختلفة في أقلّ من عشر سنوات، بمعدّل أقلّ من سنة لكلّ حكومة، فلو قال قائل: “إنّه لا عمل للأحزاب في تونس إلا تغيير الحكومات” لما جانب الصّواب. إذ كلّما نُصّبت حكومة قامت الدّعوات إلى تغييرها، والمصطلح الملازم لهذه الدّعوات هو“فشل” الحكومة في التعامل مع أزمات تونس، فتتغيّر الحكومة بعد جدل وخصام ومشاورات…وضياع وقت بل ضياع البلاد وتنتصب حكومة جديدة باسم جديد ولا يكاد يستقرّ بها المقام حتّى تعود تلك الدّعوات مجدّدا.

صحيح أنّ كلّ الحكومات التي تعاقبت فشلت فكلّ حكومة تعمّق الأزمة حتّى تراكمت الأزمات، وصارت البلاد على شفير الهاوية. ولكن هل تغيير الحكومة الحاليّة سيوقف الأزمات؟ وهل سبب الفشل في الوزراء المعيّنين؟ 

سبب الأزمة في تونس: 

الأزمة في تونس مركّبة يتضافر فيها عنصران: الاستعمار والفكر السياسي الغربي المهيمن على الوسط السياسي في تونس:

تونس تحت الوصاية الأجنبيّة:لقد صار من المعلوم عند الجميع أنّ تونس خاضعة للوصاية الأجنبيّة، في كلّ تفاصيل الحياة وخاصّة في النّواحي السياسيّة والاقتصاديّة،فاقتصاد البلاد تسيّره بشكل مباشر دوائر القرار الغربيّة في صندوق النقد والبنك العالميين،أمّا من النّواحي السياسيّة فالوسط السياسي الحالي هو امتداد للوسط السياسي الذي صنعته أوروبا منذ القرن الماضي، فعمالة بورقيبة وبن علي والدّستوريين والنّهضة لبريطانيا واضح بيّن، ذلك أنّ تونس تشكّل بالنّسبة إلى أوروبا وبريطانيا منطقة نفوذ مهمّة وحيويّة لا يمكنهم الاستغناء عنها، ولأجل ذلك لا يمكن الحديث عن تشكيل حكومة أو صنع قرار بمعزل عن التدخّل البريطاني المباشر، وفي هذا السياق لا يمكننا الحديث عن تشكيل حكومة أو تغييرها بشكل مستقلّ فكلام ناطق النّهضة وناطق قلب تونس، جاء بضوء أخضر بريطاني. ذلك أنّ كلام النّهضة وقلب تونس منذ أيّام قليلة كان تأييدا لحكومة المشّيشي بدليل الدّفاع المستميت عن حكومة المشّيشي في المنابر الإعلاميّة بدعوى الاستقرار السياسيّ. فأين ذهب “الاستقرار السّياسيّ” هل تغيّر الآن؟ وهل سيكون للحكومة القادمة من استقرار؟ خاصّة في ظلّ “معارضة” كثير من الأحزاب الأخرى لمقترح النّهضة.

العقليّة السياسيّة السّائدة، المهيمنة على كلّ أحزاب البرلمان وعلى الرئيس: تقديس الدّيمقراطيّة، ينضاف إليه أنّهم جميعا يرون أنفسهم تلاميذ للغرب الأوروبي وأنّهم يتعلّمون منهم وينتظرون دعمهم بما يعني أنّهم جميعا يرون تبعيّة تونس لأوروبا، لأجل ذلك ورغم التنافس الظّاهريّ بين الرئيس ومجلس النّوّاب والحكومة فإنّهم جميعا يسعون إلى هدف واحد هو جعل تونس قاعدة غربيّة ويتجلّى ذلك في كلّ تصريحاتهم وأعمالهم. لا فرق بين الرئيس سعيّد أو مجلس النّوّاب ورئيسه أو رئيس الحكومة (أيّا كان) هذه العقليّة وضعت تونس وشعبها تحت الوصاية وصارت ترى في هاته الوصاية قدرا محتوما يزعمونها سياسة وبرامج. فهل يمكن الحديث عن برامج للأحزاب؟ وهل يمكن الحديث عن صناعة قرار مستقلّ أو تشكيل حكومة تخرج تونس من أزماته؟ قطعا لا. فكلّ الأحزاب بل المنظّمات التي يزعمونها وطنيّة، تفكّر بما يمليه الأسياد من وراء البحار وتتكلّم بلسانهم وأمثلهم طريقة من يضع برنامجا لتنفيذ ما وقع تقريره في المؤسسات الدّوليّة. ف”خبراء” البنك الدّولي مثلا يضعون البرامج والسياسات العامّة لتونس في المجال الاقتصادي بتوجيه وإشراف من الدّول الرأسماليّة، بحيث لا مجال للخروج عنها وكلّ سياسيّ يروم أن يكون في الحكم ما عليه إلا أن يتمثّل هاته البرامج ويُثبت قدرته على تنفيذها، فترى السياسيين والأحزاب يتنافسون في إظهار الولاء للدّيمقراطيّة والرأسماليّة، حتّى تحوّلت المنابر الإعلاميّة إلى قاعات امتحان يُظهر الكلّ أنّه قد حفظ الدّرس. وتراهم يتنافسون في إظهار قدرتهم أمام السّفراء الأجانب عساهم يظفرون بمقعد في البرلمان أو الوزارة أو الرئاسة.

 ففيم الصراع إذن؟ إذا كان المستعمر هو المسيّر للبلاد، وهو المتدخّل في وضع الحكومات فلماذا الصّراع؟ أليس الأصل هو الانسجام؟ 

نعم هذا كان الحال أيّام بورقيبة الأولى وكذلك زمن بن علي، فبورقيبة استطاع أن يخدع النّاس لسنوات بأنّه صانع الاستقلال و”المجاهد الأكبر” فاستطاع ترويض النّاس في سنواته الأولى، حتّى إذا انكشف عواره انتفضت عليه البلاد منذ بداية السبعينات وسالت الدّماء أنهارا. ثمّ جاء بن علي فتسلّط عليهم بالإيهام بالتغيير أوّلا ثمّ بالقوّة والبطش. 

هكذا تمكّن المستعمر من بسط نفوذه على تونس وسارت الأمور فيها كما يحبّ لأنّ عملاءه استطاعوا السيطرة على الشعب بالخديعة مرّة وبالبطش والتقتيل مرّات. ولكنّ مع الثّورة زالت الغشاوات وأبصر أهل تونس سيطرة المستعمر بما يعني أنّ العدوّ الحقيقيّ قد انكشف، وانكشف معه أنّ من يزعمون أنفسهم حكّاما ليسوا إلا خدما عند العدوّ، فكان من الطّبيعيّ أن تعجز “الحكومات” المتتالية وتفشل لأنّها حكومات مستعمر، وما كانت هاته الحكومات لتسيطر على النّاس أو تدجّنهم فكانت عن تحقيق الاستقرار أعجز. 

ولأجل ذلك نرى كلّ الوسط السياسي يبحث عن الحلول لترويض الشعب ومن ثمّ تدجينه، وفي هذا الإطار يأتي الحديث عن تغيير الحكومة الحاليّة والسبب المعلن هو عجزها عن إدارة الأزمة، (وهل كانت قبل ذلك قادرة؟) أمّا السبب العميق للتّغيير فهو تنفيس الاحتقان والإعداد لمشروع ما يسمّى بالمصالحة الوطنيّة، تحقيقا للوحدة الوطنيّة، إيهاما بأنّ الشعب هو المتصارع فيما بينه (وكأنّ صراع الأحزاب هو صراع بين مكوّنات الشّعب)، وهنا تكمن المغالطة والخديعة، لأنّ صراع الأحزاب والسياسيين مفتعل، القصد الحقيقي منه هو جعل النّاس يصطفّون في هذا الجانب أو ذاك، ولمّا كان وعي التونسيين على خواء الوسط السياسي كلّه عاليا، كان من الصّعب إقناعهم ولذلك كانت الحيلة في تأجيج الصّراع المفتعل حتّى يكون هو الشّاغل للرأي العامّ ومحلّ حديثه اليوميّ ومن ثمّ تكون المواقف في جانب الرئيس أو في جانب أحد الأحزاب أو المنظّمات، وتأتي شركات سبر الآراء باستفتاءاتها المزعومة لتوهم أنّ التونسيين يصطفّون وراء هذا الجانب أو ذاك. 

هذا وقد تزامن هذا الصّراع رغم أسبابه التّافهة، مع الأزمات المتراكمة في الصّحّة والتعليم وغلاء المعيشة، وهم ينتظرون أن يشتدّ الإنهاك بالنّاس وينتهي مخزون الثورة عندهم، ليعلنوا عن الحوار فالمصالحة (وهي إعادة الحرس القديم، وإرجاع الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة، من رضوخ وتسليم واتّباع) وهم في الأثناء يستعدّون بقانون انتخابيّ جديد يُقصي الأحزاب الصغيرة ويُبقي حزبين أو ثلاثة، النّهضة ومن يمثّل النّظام القديم (قلب تونس أو الدّستوريين أو حزبا جديدا منهما) وطرفا ثالثا يكون بمثابة الدّيكور الدّيمقراطي، وبعدها تكون المصالحة الوطنيّة وإعلان انتهاء الثورة (أو موتها). ومن ثمّ إلغاء كلّ شرعيّة لأيّ فعل ثوريّ أو دعوة للتّغيير الحقيقيّ.

هذا ظنّهم: وهذا هو مخطّطهم: ويمكرون ويمكر الله 

سعي إلى ترويض الشعب ثمّ تدجينه لينساق وراءهم، وتكون تونس مزرعة لأوروبا وأهلها خدما وعبيدا لشركاتها باسم التنمية وجنودها وضبّاطها حرّاسا للحدود الجنوبيّة لأوروبا. وفاتهم أنّ تونس أهلها من أمّة حيّة واعية وشبابها متحرّك مصرّ على استرجاع بلده وافتكاكها من بين أنياب المستعمر. وفاتهم أنّ الدّيمقراطيّة التي يُقدّسون ما عدت تُلهم الشّعوب وأنّ الإسلام العظيم بعقيدته الصّافية وبأحكامه العادلة هو الملهم اليوم وهو المخرج الذي تبحث عنه الشّعوب كلّها هربا من ديمقراطيّة خادعة ماكرة تسلّط على الرّقاب الأقوياء وتمكّنهم من وضع القوانين لصالحهم لأكل الضّعفاء وهربا من رأسماليّة جائرة ظالمة تجعل الثروة في أيدي قلّة من المرابين العالميين مصّاصي دماء الشّعوب.

نعم لقد نفذ الصّبر في تونس بل في كلّ العالم من اضطهاد الدّيمقراطيّة وجرائم الرأسماليّة، وسئمنا ألاعيبكم وآن الأوان أن تزولوا فأنتم أعجز من أن تخدعونا أو تروّضونا وإنّ تونس وكلّ البلاد الإسلاميّة قادمة على تغيير عظيم يكون فيه الإسلام هو الحاكم وشرع الله العادل أو السيّد في دولة خلافة راشدة على منهاج النّبوّة. وإنّ ذلك لقريب، فارتقبوا وانتظروا فإنّ وعد الله حقّ.

أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيب

أ, محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
TAGS
Share This