تتكرر، بتاريخ 5جويلية من كل سنة، بمناسبة ذكرى زوال الاستعمار الفرنسي المباشر عن الجزائر، نفس العناوين، ويلوك المسئولون فيها نفس العبارات كتعبير عن جدية اهتمامهم بقضايا الجزائريين ومشاركتهم آلامهم، بالحديث عن واجب فرنسا في الاعتراف الكامل والاعتذار عن جرائمها، أو التعويض لضحاياها، وذلك بالتمترس خلف هذه الشعارات للتضليل عن فشل السلط المتعاقبة على حكم الجزائر، منذ 5 جولية 1962 إلى اليوم، في الرد الجديّ على استعمار زاد عن مائة وثلاثين سنة، وفظائع وجرائم ارتكبتها فرنسا الرسمية في حق أهلنا في الجزائر، حيث عد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في تصريح لمجلة “لوبوان” الفرنسية أوائل جوان الماضي: “الاعتراف الكامل، من قبل فرنسا بجميع الجرائم في تاريخ الاستعمار الفرنسي، وذاكرة سلمية معترف بها وبمجرد تسوية الأمر “أمر فيه رضا للجزائريين حيث ستكون هناك صداقة دائمة بين البلدين”.
يأتي موقف الرئيس الجزائري هذا وهو المؤتمن اليوم، أمام الله وأمام التاريخ… على الجزائر وأهلها ورسالتها بين الشعوب والأمم، ليخلي فرنسا من كل مسؤولية بمجرد اعترافها حين قال: “لسنا شعبا متسولا لنطلب تعويضات عن الجرائم.” وهو الموقف الذي يذكرنا بتصريح الرئيس التونسي قيس سعيد الذي اعتبر احتلال فرنسا لتونس سنة 1881 مجرد حماية، في حين أن وزيره لشؤون المجاهدين الطيب زيتوني يقول يوم 04 ـ جولية الحالي:” إن فرنسا ترفض تسليم بلاده خرائط تفجيرات نووية أجرتها في صحرائها خلال ستينيات القرن الماضي”.
ففرنسا اليوم، هي نفس فرنسا التي صرح رئيسها يوم الثالث عشر من فيفري عام 1960، وبعد 45 دقيقة فقط من تفجير الجيش الفرنسي لقنبلة نووية خلال تجربة في الصحراء الجزائرية، في رسالة إلى وزير دفاعه قال فيها: “تحية ابتهاج (هورا) لفرنسا. هذا الصباح هي قوية وفخورة. أشكركم من أعماق قلبي، أنتم وأولئك الذين حققوا هذا النجاح العظيم”. فهل فيكم، يا من وطأ لكم جهاد، المجاهد ” الشريف بوبغلة” قاهر جنرالات فرنسا، والشهيد الذي لا قبر له ” الشيخ العربي التبسي، وإخوان لهم لا يعلمهم إلا الله،” كراسيّكم وبوّأكُم مناصب صرتم بها تُبرمون وتبُتّون في أمر الناس، من القوة والفخر ما تكسرون به قوة أسستها فرنسا على تجارب نووية أجرتها في ديارنا، ووسط ناسنا وأهلينا، بعيدا عن أرضها وشعبها، اعترفت بسبعة عشر منها، وتنكر أربعين أخرى كانت المنطقة الصفرية بين تفجير وآخر مسافتها أقل من 150 كلم، مما جعل الجو مشبعا بالإشعاع النووي. فهل حقا تصدقون أن فرنسا بمواقفكم هذه ستهدم “مجدا” نحتته في المجال الدولي وستتخلى عنه بمثل هذه البساطة التي تتعاطون الأعمال السياسسية بها، أم أنكم تذرون الرماد في عيون شعبكم؟ أم أنكم لازلتم تعترفون وتقرون باتفاقيات إيفيان -التي وقعت مع فرنسا بعد مفاوضات 1960 و1962 والتي ضمنت بنودا سرية فلم تقدروا على إبطالها؟
هل لكم من الحنكة السياسية بأن تُلجؤوا فرنسا الاستعمارية أن تدفع ثمن جريمتها التي لوثت كامل التراب الجزائري عقب تجربة “يربوعها الأزرق”، والذي بلغ مجال تلويثها الإشعاعي بعد إخراجه من دائرة أسرار الدفاع- عام 2013 أرجاء واسعة من منطقة الساحل الأفريقي وصولا إلى أفريقيا الغربية والوسط، فقد وصل الإشعاع السنغالوتشادوأفريقيا الوسطىوموريتانيا بعد أربعة أيام من التجارب، أما مالي فقد وصلها بعد أقل من 24 ساعة من التفجير، ثم لا تسل عن تونس والمغرب؟
هي فرنسا، التي يسعى ساسة جزائر اليوم أن تكون لجزائر المجد صداقة دائمة، من لا ترى أي جرما أن تحتفظ ب18000 جمجمة بشرية في متاحفها، منها ما هي لمجاهدين جزائريين، ولا ترى لأصحابها كرامة فيكرمون بدفنهم. فهل بعد 59 سنة من “الاستقلال” لم تستطع سلطة، تزعم أنها تملك إرادتها، أن تعالج ورما سببه لها عدو معلوم، وان ترفع أذي مدمرا للأرض والعباد؟ فأين كليات الفيزيا والعلوم وطلبتها وخبرائها وأساتذتها؟ وأين المناورات السياسية لأصحاب الإرادة وإجبار العدو المدان عرفا وقانونا ‘لى الخضوع للحق؟ ما حاجة الجزائر للغة الفرنسية مثلا وهل أن تبّون يطمئن الصناعة الفرنسية حين أكد حاجة الجزائر الماسة ل350.000 سيارة بيجو سنويا، فهل أن الماركات العالمية التي تملأ الأرجاء لا تفي بالحاجة، فتهدد فرنسا في مصلحة ما، لإجبارها على تقديم الخريطة المطلوبة؟
إلا أن جزائرنا، كشقيقتها تونس، كسائر أخواتها في عالمنا الإسلامي نكبت يوم أن أقصي الإسلام من حياتنا، فنكبنا بمثل هؤلاء الحكام، فلاهي عالجت داءنا ولاهي أشفت صدورنا من عدو سامنا الذل والهوان. لا رجاء إلا في الله ونصره للعاملين لاستئناف العيش بالإسلام في طل دولة فرضها الله على كل المسلمين يبايعون خليفة يقيم فيهم شرع الله ويحملونة رسالة خير للعالمين. {وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُون}.