دمى تتصارع وعدو يستحكم

دمى تتصارع وعدو يستحكم

نشر موقع السّفارة الأمريكيّة في تونس الخبر التّالي وجاء فيه أنّ سفير الولايات المتحدة بتونس دونالد بلوم وسفير جمهورية ألمانيا الاتحادية “بيتر بروجيل” قد التقيا بوزير الدفاع التونسي “عماد ممّيش” يوم 29 مارس 2022 في الثكنة العسكرية برمادة لتدشين استكمال المرحلة الثانية من منظومة المراقبة الإلكترونية على الحدود الجنوبية الشرقية التونسية، الّذِي يهدف إلى تعزيز قدرات أمن الحدود التونسية لمكافحة الإرهاب والتهريب العابر للحدود. وهو مشروع انطلق تنفيذه منذ 2016 بإشراف أمريكا، ويتضمن تدريب الجيش التونسي على استخدام ذات النظام. وصرّح السفير الأمريكي بلوم: “يُعد مشروع منظومة المراقبة الإلكترونية شهادة على الدور القيم الذي تقوم به تونس كحليف رئيسي من خارج الناتو في توفير الأمن والاستقرار عبر شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط…وإن استكمال المرحلة الثانية من هذا المشروع يعكس التزام الولايات المتحدة وألمانيا بدعم تونس من أجل حماية سيادة حدودها والتصدي للتهديدات التي تشكلها المنظمات الإرهابية العاملة في المنطقة.”
وتشمل التدخّلات العسكريّة الأمريكيّة في تونس، ما يزعمونه “تعزيز أمن الحدود وضمان حرية الملاحة في البحر الأبيض المتوسط، وتوفير النقل الجوي اللوجستي لبعثات المساعدات الإنسانية، ودعم عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وللتذكير فإنّ أمريكا تُعدّ لمناورات عسكريّة قادمة، بما في ذلك Phoenix Express و AfricanLion، ويعتبرونها “فرصة لتعزيز المصالح المشتركة المساهمة في الأمن والاستقرار الإقليميين.
وللتّذكير فقد جاء وزير الدّفاع الأمريكي مارك إسبر من قبل إلى تونس في 30/09/2020 ووقّع خارطة طريق “للتعاون” العسكري مُدّتها عشر سنوات مع وزير الدّفاع آنذاك “ابراهيم البرتاجي”. وصرّح وقتها “مارك إسبر” أنّ أمريكا مهتمّة بتعميق “التعاون من أجل مساعدة تونس على حماية موانئها وحدودها”، موضحا أن الهدف هو مواجهة “المتطرفين.. ومنافسينا الاستراتيجيين الصين وروسيا.”
فماذا يعني أن تشرف أمريكا بشكل مباشر على الحدود التونسيّة البريّة والبحريّة؟
الأمر في الظّاهر يبدو “تعاونا” وخيرا، ولكنّه في الحقيقة شرّ كلّه فأمريكا مجرمة حرب لا تُحسن إلا الاعتداء على الشّعوب، عريقة في التّجسّس والمسؤولون في تونس يجعلون لها السّيطرة على الحدود التي هي رمز من رموز السيادة والشرف والسّماح بتدخّل أمريكا فيها هو سماح لعدوّ بالتّدخّل.
وإذا علمنا أنّ أمريكا فرضت منذ 2015 على تونس أن تكون حليفا لحلف شمال الأطلسي وفرضت عليها اتّفاقيّات مراقبة الحدود وبخاصّة الحدود الشرقيّة مع الجارة ليبيا، يمكننا القول بأنّ أمريكا ساعية في اتّخاذ تونس قاعدة عمليّات تستخدم فيها الجيش التونسيّ في خدمة أجندتها في المنطقة والعالم. ولذلك مؤشّرات عديدة لعلّ أهمّها ما اعترف به رئيس تونس الهالك الباجي قايد السبسي حين اعترف أنّه سمح للقوّات الأمريكيّة باستخدام قاعدة “سيدي أحمد” العسكريّة في تطيير طيّارات دون طيّار التي حلّقت إلى الأجواء الليبيّة وإلى الحدود مع الجزائر بغاية جمع المعلومات ولعمليّات صغيرة محدودة. ثمّ ما فضحته إحدى المجلّات العسكريّة الأمريكيّة التي نشرت خبر موت جنديين من جنود المارينز أثناء مشاركتهم القوّات التونسيّ في معركة في الشّمال الغربي التونسيّ، بما يعني أنّ حكّام المنطقة ولضعفهم خضعوا لأمريكا ومكّنوها من مجال حركة بدأ صغيرا وها هو يتوسّع، ولذلك فإنّ ما حوته هذه الاتّفاقيّة التي قيل إنّها للتعاون والتدريب إنّما هي مشروع أمريكي لتدريب واستخدام جيوش المنطقة وبخاصّة الجيش التونسي في عمليّاتها.
يتمّ هذا في الوقت الذي يُشغل فيه التونسيّون بفصول جديدة من صراع الدّمى السياسيّة أشباه الحكّام، الذين يتنافسون في إظهار مهاراتهم في فهم الدّستور وتأويله، ويتبارون في إظهار التزامهم للدّيمقراطيّة وولائهم للغرب فكرا وممارسة.
في هذا الوقت بالذّات يواصلون فصول إهدار الشرف والسيادة، الذي بدأ منذ حكومات 2011 إلى غاية اليوم لا فرق بين حكومة النّهضة 2012 ولا حكومة المهدي جمعة ولا حكومة يوسف الشّاهد ولا حكومات الرئيس اليوم، فكلّهم سواء، فالرئيس سعيّد اليوم يواصل ما بدأه الرئيس الهالك الباجي قايد السبسي، السبسي وفي زمنه فُرض على تونس أن تكون تحت هيمنة الحلف الأطلسي وأعطي لأمريكا مشروع مراقبة الحدود التّونسيّة الليبيّة، واليوم الرئيس سعيّد الذي يزعم أنّه سيطهّر البلاد، يواصل ما بدأه الباجي يواصل تسليم البلاد وحدودها عنوان سيادتها وشرفها، يواصل تسليمها لأكبر أعداء المسلمين إجراما، فهل يدري الرئيس أنّه بتكليف وزير دفاعه أنّه صار مشاركا لأمريكا في العدوان على فلسطين، بل صار حليفا (وإن كان غير مباشر) لكيان يهود (إسرائيل) ففي هذا الوقت بالذّات وأمريكا هذه التي تزعم أنّها تُساعِدُ تونس، وتزعم أنّها من أصدقائنا أمريكا هذه هي التي تدعم كيان يهود المجرم المدعو (إسرائيل) في قتل إخوتنا في فلسطين هي التي وصف وزراؤها الفلسطينيين بالهمج والمتوحّشين وساند علنا منذ أيّام قليلة إجرام يهود وقتلهم المسلمين في الأرض المباركة في بيت المقدس.
أمّا المعارضون من جماعة ضدّ الانقلاب فلا يرون إلا أنفسهم مشغولون بالدّيمقراطيّة يبكونها بالليل والنّهار يُناظلون من أجلها، أمّا ما يُحاك حقيقة ضدّ تونس وأهلها فهم عنه في عماء. فقدوا الإحساس والبصيرة وما عادوا يميّزون بين عدوّ وصديق وصار العدوّ صديقا بل حكما يحتكمون إليه. فنحن نرى الطّبقة السياسيّة في كلّ يوم تنظر إلى الخارج تنتظر حكما من أمريكا أو أوروبا لتستدلّ به على موقفها.
نعم نرى في الظّاهر صراعا بين الرئيس والبرلمان، ولكنّنا نراهم متفقين على التدخّل الأوروبي والاقتحام الأمريكي، لا تسمع لهم من صوت.
هكذا هي الحال اليوم في تونس، الحاكم الفعلي هم الأجانب الغربيّون، الذين يسطّرون ويأمرون هم الذين يضعون البرامج ويسعون إلى تحقيق الأهداف، ومشروع مراقبة الحدود هذا الذي تعمل عليه أمريكا نموذج لما تريد أن تقوزم به أمريكا في هذه البلاد التي تتبع النفوذ الأوروبي وخاصة البريطاني لتعزيز نفوذها، بل لتركيزه وطرد النفوذ الأوروبي والبريطاني خاصة، وذلك بشراء الذمم بين السياسيين والعسكريين وعقد الاتفاقيات العسكرية وعمل التدريبات المشتركة. فإن تعزيز النفوذ الأمريكي العسكري يمر بعقد الاتفاقيات وشراء الذمم وعمل التدريبات بجانب تقديم المساعدات. وفي الوقت نفسه تحارب تحرير البلاد من الاستعمار وعودة الإسلام.

الأستاذ محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
Share This