تونس على السكة الخطأ.. تعطلت الثورة.. ارتُهنت البلاد.. تعاظم الخطب ولكن طريق الخلاص مازال سالكا
لم تبدأ اليوم أو منذ عشر سنوات, أزمة عميقة وشاملة تضرب بلادنا في كينونتها. لكنها اليوم أصبحت مزمنة وأخذت من البلاد أبسط شروط الكرامة والسيادة وحولتها إلى دمية بين أيدي الدول الاستعمارية ومؤسساتها المالية..
نقول هذا بدأ وختاما في كل مرة نخطّ فيها سطورا حول الواقع المحزن والمزري, ونحن نرى إصرار الطغمة الحاكمة في تونس على انتهاج سبيل الغرب المليء بلئام الغرب المتربصين بنا كل مرصد, على ذات النهج الذي لا يمكن أن يؤدي إلاّ إلى كوارث ومآسي في حياةِ ضنكٍ مستمرة تتصاعدة مظاهرها يوما بعد آخر, ومن أشدها ثقلا على كواهل التونسيين نشير ذكرا لا حصرا, إلى: الاستباحة الكلية للبلاد من قبل دول أجنبية عديدة وأجهزتها الإستخباراتية, الوصاية الشاملة لدول الغرب الكبرى ومؤسساتها المالية على جميع مجالات الحكم وشؤون البلاد, المعاناة اليومية للناس في توفير مستلزمات العيش الكريم, ندرة المواد الغذائية الأساسية (سميد، خبز، سكر، زيت نباتي…) وفقدان الأدوية والماء الصالح للشراب والارتفاع الجنوني للأسعار وازدياد عدد المعطلين عن العمل والفقراء وتفاقم مظاهر البؤس والحرمان في المدن والأرياف)…
وفي الأثناء, يواصل رئيس البلاد لا مبالاته بمشاغل الناس ومتاعبهم ومآسيهم ويضع هاجسه الأساسي، منذ “إجراءاته في جويلية 2021” نصب عينيه, وهو الاستحواذ على كافة السلطات. وأيّ سلطات ؟ تحت سلطان الدول الاستعمارية ووصايتها.. ! حتى أن المفوض الأوروبي صرّح أمامه مؤخّرا أن “سنقرض تونس لتوفير الخبز على طاولة الطعام” هكذا قالها في وجهه, دون أن يرف للرئيس جفن..
تضافر كل عناصر السقوط والتدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني والبيئي والقيمي مجمّعة ما يجعل البلاد وشعبها في مواجهة كارثة حقيقية: الإفلاس والجوع والعطش والفقر المدقع.. ما فتح البلاد على المجهول وغذى الأطماع من الداخل والخارج.. كلّ هذا وموظفوا الحكم والمعارضة على حد السواء يستمرون في تجسيد فصول مسرح العرائس السياسية الذي افتتحه دول الاستعمار الأوروبية والغربية في البلاد إبان الثورة كي تزيف وعي الناس وتلفت أنظارهم عما يحيط بهم من مخاطر وعن حقيقة الأزمة التي وضعهم فيها أشباه الساسة خُدّام سادتهم من وراء البحار.
أما اليوم فإن مظاهر التدخل الأجنبية والدولية أصبحت مكشوفة ووقحة للبحث عن حلّ لأزمة الحكم بما يضمن مصالح تلك القوى الخارجية وعملائها في الداخل.
ويتحمل الرئيس قيس سعيد وكل من سبقه في الحكم المسؤولية كاملة فيما تعرفه أوضاع البلاد من تدهور مما يهدد فعليا الحاضر والمستقبل القريب للشعب وفئاته بحكم الرضوخ الكلي لإرادة مؤسسات النهب الدولي وعلى رأسها صندوق النقد الذي يعتبر اليوم المتحكم الفعلي في مفاصل القرار.
فلقد صارت البلاد تشهد خليطا من أشكال التدخل الأجنبي والدولي لإسناد المنصبين على الحكم في كل حقبة, سواء الحكومة والرئيس أو المعارضة.
إن كل هاته الأوضاع والأزمات المتراكمة والمتداخلة والمتناسل بعضها من بعض تمثل نتاجا طبيعيا لنظام الحكم الوضعي الرأسمالي المسقط على تونس والمتحكم فيه بأيادٍ غربية, فجَرّ مآلات مأساوية تفرض بإلحاح على شعبنا وقواه الحية ضرورة القطع الجذري مع واقع الحال والاتجاه نحو الرشاد في الحكم على قاعدة سليمة ثابتة مفادها أننا مسلمون ونعيش لغاية، وأننا مخاطبون من ربّ حكيم عليم, “له الخلق والأمر”, قال في محكم تنزيله: “وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ.”, وعليه فامتثالا لأمره واستجابة لخطابه تعالى ودعوته للناس كافة بالاحتكام لشرعه والإعراض عن الأصوات التي تدعوا لغير حكمه. ووضع حد لمنظومة الحكم الديمقراطية ومنها هته الرأسمالية الجبرية التي سامتنا ضنك العيش وسوء المنقلب في الدنيا. وإنّ من ينتظر تغيرا مهما كان حجمه من هذه المنظومة وممثليها من أشباه السياسيين إنما يزرع الوهم ويرفض الخلاص.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب ﴾.
أ، أحمد بنفتيته
CATEGORIES محلي