أضواء على مستجدات العلاقات التونسية الليبية

أضواء على مستجدات العلاقات التونسية الليبية

مقدمة

من المنتظر أن يؤدي رئيس حكومة “الوحدة الوطنية”، عبد الحميد الدبيبة، على رأس وفد رسمي، زيارة رسمية إلى تونس، انطلاقا من يوم الثلاثاء 26 أفريل الجاري، لمدة أسبوع.

وسيكون الدبيبة مرفوقا برئيسي الأركان والمخابرات والأمن الداخلي، ووزراء الداخلية والمالية والاقتصاد والثروة البحرية، ورئيس جهاز الأمن الداخلي وآمر قوة مكافحة الإرهاب ورئيس المؤسسة الليبية للاستثمار.

يأتي ذلك، إثر عودة رئيس الحكومة الليبية من زيارته إلى الجزائر والتي بدا خلالها متشبثا أكثر بالبقاء في الحكم ومتخذا خطابا تصعيديا ضد رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب فتحي باشاغا، وهو ما يجعل شبح العودة إلى مربع العنف والمواجهة مُخيّما على المشهد السياسي الليبي.

فما هي أبعاد زيارة الدبيبة إلى تونس في هذا التوقيت بالذات؟ وإلى أين تسير العلاقات التونسية الليبية في ظل تفاقم الأزمة في الداخل الليبي؟

أولا: ماذا يجري في الداخل الليبي؟

لا يخفى على أي متابع أنه ومنذ انتخاب سلطة تنفيذية موحدة (رئيس مجلس رئاسي ورئيس وزراء) من قبل منتدى الحوار السياسي الليبي الذي أسسته الدبلوماسية الأمريكية مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة “ستيفاني وليامز” في سبتمبر سنة 2019 وأطلقت اجتماعاته في الشهور الأخيرة من سنة 2020، فإن الولايات المتحدة تكون عملياً قد تولت قيادة العملية السياسية في ليبيا، وقد نجحت بذلك نجاحاً مشروطاً في سحب البساط الليبي من تحت أقدام الإنجليز والأوروبيين دون أن يعني ذلك أنها سيطرت على مجمل أوراق الساحة الليبية.

كما يتضح من هذه العملية السياسية، أن بريطانيا صارت في حرج كبير أمام التقدم الذي أحرزته الدبلوماسية الأمريكية والمبعوثة الأممية وليامز وأنه لم تجد حلا سوى عبر السير مع التيار، ولذلك أوعزت لأتباعها في طرابلس آنذاك بتسليم سلس للسلطة لحكومة الدبيبة خلال شهر مارس من سنة 2021، ما شكّل هزيمة سياسية لبريطانيا في ليبيا لم تتمكن هي ولا أتباعها من تداركها.

وقد شاهد العالم أجمع كيف قام رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج في طرابلس بتسليم سلس للسلطة إلى حكومة الدبيبة، كما قامت الحكومة الموازية في شرق ليبيابقيادة رئيسها عبد الله الثني بتسليم سلطاتها إلى حكومة “الوحدة الوطنية” الجديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة، بعد أسبوع من مباشرة الأخيرة مهامها رسميا من العاصمة طرابلس. وتمت عملية التسليم في مقر الحكومة الموازية غير المعترف بها دوليا في بنغازي، ثاني أكبر مدن ليبيا.

اليوم، تنزلق ليبيا نحو الانقسام مجدداً بعد أن بدا أن الأزمة في خواتيمها وأن أعوام التجاذب والانقسام السياسي انتهت في مارس خلال العام الماضي بتنصيب حكومة “الوحدة الوطنية”، يتأكد للجميع أن هذه “الوحدة الوطنية” المزعومة ليست سوى طبخة سياسية مغشوشة أعدتها أمريكا وسارت فيها بريطانيا مرغمة على ذلك.

فبعدما اجتمع البرلمان المتمركز في شرق ليبيا يوم الخميس 9 فيفري 2022، اختار وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بالإجماع رئيساً مؤقتاً للوزراء، عقب انسحاب مرشح منافس، في خطوة زادت من حدة الخلافات السياسية، إذ تعهد رئيس الوزراء الحالي الدبيبة بالبقاء في السلطة رغم تعرضه لمحاولة اغتيال في اليوم الموالي من تنصيب باشاغا.

الحكومة الحالية من وجهة نظر البرلمان أنفقت الكثير من الأموال ولم تقدم أي شيءٍ سواء انتخابات أو خدمات للمواطن الليبي. كما أن خطوات البرلمان نحو تغيّر حكومة الوحدة الوطنية جاءت مستندةً لفقدان الحكومة الشرعية عقب فشل إجراء الانتخابات في 24 من ديسمبر الماضي، وفقاً لخريطة الطريقة التي أقرتها الأمم المتحدة. وهكذا، نرى أن بريطانيا ماضية في إعادة إنتاج برلمان وحكومة موازية، يعملان على إحراج حكومة الدبيبة وإفقادها الشرعية لتي حصلت عليها العام الماضي، ولذلك من أجل لعب دور في إعادة ترتيب البيت الداخلي لليبيا بما يضمن الحد الأدنى من الحفاظ على مصالح بريطانيا في هذا البلد المختطف.

في المقابل، يرفض رئيس الوزراء الحالي عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة إلا بعد إجراء الانتخابات، حيث صرح عبد الحميد الدبيبة في وقت سابق، بأنه لن يسمح بقيام مرحلة انتقالية جديدة، وأنه لن يقبل بقيام سلطة “موازية”.

تصريحات يحاول كل من رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح ورئيس حكومة “الاستقرار” فتحي باشاغا ومن ورائهما بريطانيا توظيفها لصالحهم، بإبراز تعنت الدبيبة وعجزه عن تحقيق الوحدة الوطنية في ظل حكومة منتهية الولاية بسبب عدم إجراء الانتخابات.

هذه التطورات، جعلت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة تعقد صفقة مع مجموعة ضغط (لوبي) في الولايات المتحدة، بقصد الاستقواء بها في مواجهة حكومة «الاستقرار» التي يترأسها فتحي باشاغا، وذلك بحسب تقرير نشره موقع «بوليتيكو» عن وثائق مقدمة إلى وزارة العدل تظهر تعاقد الحكومة في طرابلس مع «مجموعة بوديستا»، التي ستعمل معها من أجل «عرض رؤيتها دولياً»، و«الضغط من أجل إجراء انتخابات نزيهة.

إزاء ذلك، استغرب سياسيون ليبيون في شرق البلاد، إقدام حكومة الدبيبة، على هذا الإجراء بالنظر إلى «انتهاء مهامها»، فور تكليف البرلمان حكومة جديدة، بحسب قولهم، وقالوا إن “حكومة (الوحدة) تنفق أموال الليبيين لبقائها في السلطة أكبر فترة ممكنة؛ في حين يعاني الشعب من قسوة المعيشة أمام تصاعد الأسعار”.

وهكذا، يستمر عملاء بريطانيا في إحراج الدبيبة وحكومته في كل خطوة يخطوها، هذا فضلا عن إمساكهم بورقة هامة في علاقة بقطاع النفط، حيث شهدت ليبيا موجة من الاحتجاجات والإغلاقات للمنشآت النفطية يقف وراءها داعمون لحكومة باشاغا ورافضون لاستمرار حكومة الدبيبة في طرابلس، وهي إغلاقات تسببت في خسارة 600 ألف برميل يوميا، أي ما يعادل نصف إنتاج ليبيا من النفط الخام. وقد حاول “باشاغا” أن يظهر بمظهر الممسك بزمام الأمور خلال اجتماع حكومته في سبها (750 كيلومترا جنوب غربي طرابلس) وأن يبيّن بأن حل الأزمة الليبية يمر عبر حكومته، كما دعا خلال مقابلة له مع صحيفة الديلي غراف البريطانية المملكة المتحدة إلى تقديم المساعدة في إعادة بناء ليبيا وإلى استخدام نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي، مؤكدا على أنه يريد طرد المرتزقة الروس بما في ذلك مجموعة “فاغنر” ومساوما الغرب في الآن ذاته على ورقة النفط الليبي الذي أكد بأنه قادر على تعويض النفط الروسي.

هذه المساومة رفضتها المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، حيث دعت باشاغا خلال مكالمة هاتفية إلى ضرورة النأي عن استخدام إنتاج النفط كـ”سلاح” لأغراض سياسية…

من جهة أخرى، تحاول أبواق بريطانيا الإعلامية في كل من تونس وليبيا إحراج الدبيبة وتصويره على أنه قد تسبب في توتير العلاقات التونسية الليبية، ومنها ما حدث من غلق المعابر الحدودية في رأس جدير، ما يجعله يسارع في كل مرّة إلى نفي هذه التهم. في المقابل، تحرص نفس هذه الأبواق على التعامل مع حكومة باشاغا كأمر واقع، بالترويج لها تدريجيا والتأكيد على أن السلطات التونسية ليست لديها أي مشكلة مع هذه الحكومة.

ثانيا: ما هي انعكاسات الأزمة الليبية على الواقع التونسي؟

بداية، يجب الإشارة إلى أن زيارة عبد الحميد الدبيبة إلى كل من الجزائر وتونس، تأتي في سياق حرصه على نيل دعم وتأييدهذين البلدين الفاعلين في ليبيا والتأكد من وقوف قيادات البلدين في صف حكومته لا في صف حكومة باشاغا، وهي الغاية غير المعلنة من الزيارة، أما تحقيق ذلك فهو يتم في نظر الدبيبة عبر أمرين:

أولا: بيان أن الملف الأمني في الداخل الليبي، هو بيد حكومته وأن القيادات الأمنية والعسكرية ستظل مسيطرة على الأوضاع مادامت حكومته تمارس دورها دون تشويش، وأنه خير ضامن لاستقرار ليبيا وبالتالي استقرار الأوضاع في البلدان المجاورة وخاصة تونس، ولذلك حرص الدبيبة على أن يتضمن وفده شخصيات أمنية مرموقة، سواء خلال زيارته مؤخرا إلى الجزائر، أم خلال زيارته المرتقبة إلى تونس، هذا فضلا عن حضور آمر قوة مكافحة الإرهاب خلال استقبال الدبيبة لسفير تونس في ليبيا “الأسعد العجيلي”، حيث أكد الدبيبة أن اللقاء خصص لمناقشة زيادة التنسيق الأمني بين البلدين الشقيقين، ودور السفارة التونسية في تنظيم عدد من الاجتماعات الفنية بين الأجهزة الأمنية، والاتفاق على تنسيق لقاء بين وزيري الداخلية الليبي والتونسي لتنظيم المداخل بين البلدين. ما يظهر الدبيبة بمظهر الحريص على استقرار الوضع والمؤتمن على المداخل بين البلدين.

ثانيا: الدعوة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع حكومته، وذلك بعقد بعض الاتفاقيات والصفقات التي تُقدّم كرشوة سياسية من أجل استجلاب مواقف الدعم والمساندة، وبذلك يتم سحب البساط من تحت أقدام حكومة باشاغا التي تساوم بورقة النفط ولا تنجز شيئا على أرض الواقع، بحسب قراءة الدبيبة.

ومع ذلك، فالواقع الليبي يؤكد أن الدبيبة لم يعد يمسك بجميع الأوراق، وأن العقد بدأ ينفرط من بين يديه، وأن لخطوة اجتماع حكومة باشاغا في “سبها” ثم طلب العون من أوروبا وخاصة بريطانيا ما بعدها، فهل يصح أن نترك منطقة الشمال الإفريقي بأيدي قيادات تتخندق في صف أعداء الأمة وتدور مع الاستعمار حيث دار؟ وهل يعقل أن يبقى الأمن والجيش مجرد عسس وخدم لدى الاستعمار وراع لمصالحه عبر حماية الوكلاء والعملاء؟ وهل يجوز شرعا الحديث عن وحدة على غير أساس الإسلام؟ فإلى متى سيصدع هؤلاء الحكام رؤوسنا بالحديث عن وحدة وطنية والواقع أن وجودهم سبب في المآسي والصراعات والأزمات؟

قال تعالى: “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”.

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:”‏لاَ تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ”.

المهندس وسام الأطرش

CATEGORIES
Share This