“حقائق” في الملفّ التّونسيّ

“حقائق” في الملفّ التّونسيّ

  1. تونس بوضعها الحالي كيان هزيل اقتطعه الاستعمار من جسد الأمّة الإسلاميّة وجعله معزولا بحدود محروسة بحراسة مشدّدة، تقطّع أوصال الجسد الواحد، الجزائر تمنح الغاز لإيطاليا وتمنعه على تونس وليبيا ثروات النّفط الهائلة تُعطى للشركات الأجنبيّة وفي تونس ترتفع أسعار المحروقات لتلهب في تونس الجيوب والمعيشة، 

  2. تونس فيها رئيس وحكومة ووسط سياسيّ، لكن الجميع يأتمر بأوامر القوى الغربيّة والجميع يسعى إلى إرضائها، والجميع يسعى إلى تحكيمها، فالتّقرير الأخير للجنة البندقيّة وهي إحدى هيئات الغرب التي تصدر الفتاوى العلمانيّة القانونيّة والدّستوريّة أصدرت في الأيّام الأخيرة تقريرا مفصّلا هو عبارة عن تدخّل وقح في شؤون التّونسيين، والغريب أنّ الفئة الحاكمة رئيسا ومعارضة يقبلون هذا التّحكيم، فيمتعض البعض ويُهلّل البعض الآخر لكنّهم كلّهم يعترفون بلجنة البندقيّة حاكما وقد يجعل البعض قراراتها فوق الدّستور التّونسيّ. 

  3. الرئيس يشغل النّاس بحديث الإصلاح والحوار وقلع الفساد والفاسدين ولكنّه في نفس الوقت يُرسل وزير الاقتصاد إلى أوروبا يستجدي الشّركات الأجنبيّة ويعدهم ويمنّيهم بالرّبح الوفير في تونس، مواصلا نفس السياسات القديمة في جعل تونس مزرعة للشركات الغربيّة، بدعوى إنقاذ البلاد، فهل يكون إنقاذ البلاد بتسليمها لكبار النّاهبين العالميين الذين لا يحسنون إلا امتصاص مقدّرات الشّعوب؟ 

  4.  رئيسة الحكومة نجلاء بودنّ في منتدى دافوس الاقتصادي الذي يجمع حيتان المال وأباطرة الفساد في العالم، نعم الرئيس يرسل رئيسة الحكومة تستجدي وتتوسّل، من أجل أن يرضى كبار المانحين بل قل كبار المرابين العالمييّن لتزداد المديونيّة استفحالا وتزداد تونس ارتهانا. فهل هكذا يكون الإصلاح وإنقاذ تونس؟ 

  5. ينشغل الوسط السياسي في هذه الأيّام بحديث الدّستور مرّة أخرى، الرئيس ولجانه سيصنعون أفضل دستور لتونس هكذا قال العميد، مكرّرا ما قاله جماعة التأسيسي حين صادقوا على دستور 2014 فقالوا دستور 2014 أفضل دستور في العالم، واستشهدوا بمباركة الدّول الغربيّة حينها. ولكن ماذا حصل؟

  6. دستور 2014 لم يضعه أهل تونس بل وضعته الدّوائر الأجنبيّة ووقعت المصادقة عليه بعد الإنذار الأخير لصندوق النّقد الدّولي الذي وضع للسياسيين في تونس أجلا أقصاه 29 جانفي 2014، فتداعى الجماعة يوم 26 جانفي ليُصادقوا بالإجماع بعد أنم كانوا متشاكسين متصارعين.

  7. أمّا دستور 2022 المرتقب فهو لن يكون من وضع أهل تونس وهو أيضا تحت الإنذار الأخير، لكنّ الإنذار هذه المرّة ليس من صندوق النّقد الدّولي فحسب بل من كلّ الدّول: أمريكا تنذر والاتّحاد الأوروبي لا يكفّ عن إرسال البعثات يطلب حياة ديمقراطيّة وفق الدّستور ثمّ لجنة البندقيّة. فبماذا يختلف دستور قيس سعيّد عن دستور التأسيسيّ؟ 

  8. دستور قيس سعيّد يماثل دستور جماعة التّأسيسيّ، في كونه دستورا علمانيّا يبعد الإسلام الذي هو عقيدة أهل تونس ويتعمّد إقصاء أحكامه، ويشكّل لجنة لصياغته دستورا علمانيّا على هوى الغرب ووفق مصالحه. ولذلك لا أهميّة للمشاركين فيما يُسمّى بالحوار الوطني (والّي حْضَرْ يزَزِّي) كما قال العميد.    

  9. أهل تونس مسلمون، عقيدتهم إسلاميّة ودينهم فيه نظام كامل شامل لجميع مناحي الحياة من حكم واقتصاد وسياسة خارجيّة وسياسة تعليم … ولكنهم ممنوعون أن يتّخذوا دستورا وقوانين من دينهم لماذا؟ لأنّ الغرب لا يريد ولأنّ الفئة الحاكمة علمانيّة اختارت نهج التبعيّة للغرب.                 

والحصيلة المرّة: أنّ تونس تحوّلت إلى كيان هزيل، مجرّد ملفّ على طاولات الدّول في اجتماعاتهم ومناقشاتهم، يتدخّلون في كلّ كبيرة وصغيرة، 

هذا ما فعلته العلمانيّة والدّيمقراطيّة بتونس، جعلت منها شبه دولة كيانا هزيلا عليلا غير قابل للحياة. ضربت فيه كلّ مقومات الدولة.

يزعم العلمانيّون أنّهم صنعوا دولة الاستقلال والحداثة ولكن أين استقلال؟ وأين الحداثة؟ إنّما هي التبعيّة والذلّ في السياسة والثقافة … تاريخهم الحديث ملفّق لأنه ليس لتونس تاريخ مشرّف إلا حين كان جزء من كل، وليس له جغرافيا إلا كجزء من بلاد الإسلام العظيم. لقد أثبتت التّجارب أنّ جعل تونس كيانا مستقلّا عن بلاد الإسلام (منذ القرن 19) لم تُنتج إلا الأزمات، والاستمرار في محاولة إبقائه مقطوعاً عن أصله هو استمرار في عذابه وأزماته.

تونس بلد جزء من بلاد الإسلام المترامية الأطراف، كانت بقيادة المسلمين قائدة الجناح الغربي للدّولة الأولى في العالم (دولة الخلافة الأمويّة والعبّاسيّة وردحا من الخلافة العثمانيّة)، لأنّ تونس لم تعرف العزّ في تاريخها الطّويل إلا حين حكم الإسلام أهلها فصاروا أعزّة ومنها انطلقت الفتوحات إلى باقي دول شمال إفريقيا ومنها انطلق الفتح إلى جنوب أوروبا (اسبانيا وإيطاليا…). 

آن الأوان أن يعرف العلمانيّون حجمهم، فهم قليل بين أهل تونس هم فئة صنعتهم المدارس الغربيّة وربّتهم على فكر واحد هو الفكر الغربي لا يرون سواه، لا يعرفون عن الإسلام إلا ما علّمهم الأوروبيّون في مدارسهم، هم فئة أصابتها لوثات الفكر الغربي وصاروا عميانا لا يرون إلا اتّباع السيّد الأوروبي الذي سلّطهم على رقاب التّونسيين يحكمون ويسيّرون.  

وآن الأوان أن يخرج المسلمون من أهل تونس عن صمتهم عن هذه الفئة العلمانيّة القليلة التي تسلّطت عليهم، آن الأوان أن يستعيد التّونسيّون بلدهم من أيدي الغرب وصنائعه، آن أوان الجدّ لنقول جميعا كفى، كفى استعمارا واستخفافا بالعقول. كفى نريد أن نستعيد بلدنا     

إن قبول المسلمين في تونس بحكم العلمانيين وبتبعيّتهم للمستعمرين هو الذي أطمع الأوروبيين والأمريكان وغيرهم من التدخّل في شؤون تونس، سكوتهم هو الذي شجّع العلمانيين وصانعي بؤس تونس وأطمعهم فصاروا يتصرّفون في تونس وأهلنا بعنجهيّة وعجرفة وقحة.

 لقد آن الأوان للحل الجذري، وليس للإصلاحات الترقيعية والمسكنات الوقتية. تونس ليس بلداً أوروبيّاً، ولا هو تابع لأوروبا، إنه جزء من شمال إفريقيا، جزء من البلاد الإسلامية. 

وآن الأوان أن يستعيد المسلمون في تونس سلطانهم الذي اغتصبه العلمانيّون.

أ, محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
Share This