صراع بين أوهام الرئيس وانتهازية اتحاد الشغل

صراع بين أوهام الرئيس وانتهازية اتحاد الشغل

مضت على اتخاذ الرئيس “قيس سعيد” تلك التدابير الاستثنائية عشرة أشهر، وخلال هذه المدة كانت عملية المد والجزر بين الرئيس والمؤثثين للمشهد السياسي من أحزاب ومنظمات نشطة ولا تكاد تتوقف، فمن كان مؤيدا لإجراءات الرئيس تحول لاحقا الى معارض لمراسيمه وأوامره، ومن كان يقف على ضفة الحياد خاض غمار اليَمّ إما مناصرا أو مناهضا لتوجهات الرئيس. ومن بين مكونات هذه الجوقة نجد الاتحاد العام للشغل الذي بارك وأيد الخطوة التي قام بها الرئيس قيس سعيد يوم 25جويلية 2021 واعتبرها خطوة تصحيحية تقطع مع عقد كامل من فشل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، خاصة تلك التي كانت بقيادة “حركة النهضة”.

لقد أيّد الاتحاد الرئيس وترك الباب مواربا يراقب سير الأحداث فيما بعد وبدأ في تقييد تأييده للرئيس ببعض الشروط من أهمها عدم منح الرئيس “صكا أبيضا” وهذا ما كان يردده الأمين العام للاتحاد “نورالدين الطبوبي” وبعض مساعديه ملمحا أن الاتحاد لا يسمح للرئيس بالتفرد بالقرار ودعاه في أكثر من مرة الى عقد حوار وطني يشمل كل الأطراف دون اقصاء، لكن الرئيس كان له توجه مغاير تماما.. فهو رافض للحوار جملة وتفصيلا على أساس أنه وحده من يملك الحقيقة وأنه هو المخول الوحيد لقيادة الحرب على الفساد والمفسدين المتوزعين على قصر باردو وقصر القصبة قبل أن يقوم بتلك الإجراءات، وحان الآن وقت المحاسبة، وأنه الوحيد القادر على ذلك، هنا مازال الاتحاد يجاري الرئيس في موقفه مع ابداء بعض التحفظات التي لا تعكر صفو الرئيس طمعا في أن يتصرف كما يصف نفسه ويصفه الكثيرون بكونه أكبر المنظمات وأعرقها وأكثرها نضالا وأحرصها على مصلحة البلاد والعباد أو كما يقول قادته “الاتحاد أكبر قوة في البلاد”. وقد سبق وأن حظي الاتحاد بالتبجيل والتبجيل إثر الحوار السابق في عهد “الباجي قائد السبسي” الذي منح لاتحاد الشغل ما يريد، فقد كان في مقدمة من خاضوا ذلك الحوار الذي مكن الاتحاد ومن معه من نيل جائزة ما تسمى “جائزة نوبل للسلام”.

اذن، ظل الاتحاد بين منزلتين منزلة المؤيد ل “قيس سعيد” ومنزلة المعارض له عله ينال بعضا من عطايا “بن علي” أو شيئا من الذي كان يبتزه من الحكومات المتعاقبة بعد الثورة. نعم الاتحاد لم يكن قادرا على مقاومة آلة بطش المخلوع لذا سايره وأيده في كل ما فعله بأهل تونس بل أصدر البيانات يناشده فيها بتمديد فترة حكمه وناصره في تنقيح الدستور لكي يبقى أطول فترة ممكنة في الحكم. وقد قبض قادة اتحاد الشغل ثمن هذا التزلف لبن علي إلى أن اطاحت به الثورة ليقفز الاتحاد إلى مركب الثورة ويعلن نفسه الوصي رقم واحد على البلاد وحامي مصالحها، وبما أن سياسة العصى الغليظة ولّى عهدها، كانت الوسيلة الناجعة للاتحاد للحصول على كل ما يطلبه من اية حكومة بعد الثورة إلى الاضرابات والاحتجاجات وتعطيل الانتاج في أكثر من قطاع.

قلنا رابط الاتحاد بين المنزلتين إلى أن تبينت نوايا قيس سعيد وانكشفت بالكامل حين أصدر المرسوم عدد 30 المتعلق بإحداث “الهيئة الوطنية الاستشارية” من أجل ما يسميه “قيس سعيد” ب”الجمهورية الجديدة” هذه الهيئة عين الرئيس أعضاءها وطلب منها أن تقدم له مقترحات في المجال السياسي والقانوني وفي المجال الاقتصادي، وفي اجراء شكلي دعا الرئيس اتحاد الشغل حضور اشغال هذه اللجنة دون أن يكون له أي دور في صياغة دستور الرئيس الجديد, فسعيد حزم أمره وأعد مسبقا دستوره وحدد ملامح “جمهوريته الجديدة”, وما اللجنة التي أحدثها إلا من قبيل درء تهمة التفرد بالرأي عنه والتسويق لحوار غير موجود وهذا ما رفضه اتحاد الشغل رفضا قاطعا وتشبث بوجوب تشريك جميع الأطراف السياسية في حوار لا يقصي أي طرف وخاصة الأحزاب، ومع اعلان رفضه المشاركة في الحوار لوح الاتحاد بعصى الاضرابات بعد أن كان يرفع جزرة الانخراط في مسار 25 جويلية وعدم قبوله بعودة البلاد إلى ما قبل هذا التاريخ فهو الآن أيقن أن “قيس سعيد” ماض في مشروعه الذي بشر به من قبل وجعل له شعار “الشعب يريد” فهو يرى في نفسه المنقذ الوحيد للبلاد وهو من يملك الترياق الكفيل بمعالجة كل الأسقام التي تعاني منها فيكفي أن يعلن تأسيس ما يسميه “جمهورية جديدة” حتى  تخرج البلاد من الحضيض إلى رحاب الازدهار، وبتالي سحب البساط من تحت أقدام اتحاد الشغل وتفرد بصيفة المنقذ والحامي, وهذا ما لا يقبله قادة منظمة الشغيلة وقد اعلنوا حالة الاستنفار القصوى وهددوا بالتصعيد إن لم ينزل “قيس سعيد” من الشجرة ويعطي للاتحاد مكانته التي من أجلها تملق “بن علي” وناوأ حكومات ما بعد الثورة، ولكسب هذا الصراع لجأ الرئيس والاتحاد معا لاستعمال نفس السلاح وهو تحويل هموم ومشاغل الناس وجعل الوضع المزر الذي يتخبطون في أوحاله “حصان طروادة” الذي سيمكن هذا الطرف أو ذاك من الوصول إلى تحقيق مآربه. فقيس سعيد برأسه أوهام لا تتحقق إلا إذا استغل تذمر وامتعاض الناس من سياسة من سبقوه في الحكم واتحاد الشغل لن ينال مبتغاه ويصل إلى مطامع قاداته وتحقيق مكاسبهم الشخصية الا اذا عزف على جرح تدهور القدرة الشرائية وألم تفشي البطالة وسوء جميع أحوال البلاد والعباد، هذا وسيتواصل الصراع بين الرئيس واتحاد الشغل ولن يحسمه إلا تدخل حاسم من أحد المسؤولين الكبار فما نشاهده هو صراع بيادق ليس إلا..

أ, حسن نوير

CATEGORIES
Share This