الدّستور والاستفتاء.. وصراع الطّبقة السياسيّة غبار كثيف للتغطية على جريمة رهن تونس لصندوق النّقد

الدّستور والاستفتاء.. وصراع الطّبقة السياسيّة غبار كثيف للتغطية على جريمة رهن تونس لصندوق النّقد

يبدأ اليوم الاثنين 25/07/2022 الاستفتاء حول الدستور، وسط تجاذب بين طرفين يبدوان في الظّاهر على طرفي نقيض، فالرئيس ومن يدعمه لا ينفكّون يصدرون دعوات. “المشاركة الواسعة الكثيفة بذريعة أنّ الاستفتاء هو الممثّل لإرادة الشّعب، وأنّ النّتيجة ستكون معبّرة عن إرادة التّونسييّن. أمّا المعارضون للرئيس فأغلبهم يدعوا إلى مقاطعة الاستفتاء لأنّه يأتي ضمن مسار انقلابيّ، وأنّه لا شرعيّة إلا لدستور 2014.
هذا الكلّ المتصارع من أجل ماذا؟ أيبغون مصلحة تونس؟؟؟ أم هم ممّن يريد السلطة على غير هدىً! وجُلُّ ما في الأمر ترقيعهم للمرقّع، ومَدُّهُم في عمر النظام والمنظومة، والاستمرار بالعمل في قوانينها! التي سَهَّلت نهب الأموال وتشريد الأبناء!
مرّة أخرى نقول كما قلناها مراراً وتكراراً، وصَدّقها الواقع:
الطبقة السياسية في تونس رئيسا وحكومة وأحزابا لا ترى في تونس إلّا بلدا صغيرا ضعيفا تابعًا لأوروبا، والجميع يعلم أنَّ سفارات الدّول الاستعماريّة أمريكا وفرنسا وبخاصّة بريطانيا هي من تدير أمور تونس سياسياً، إما مباشرةً، أو عبر قوى سياسية تابعة لها مباشرةً.
والسّؤال: هل يظنّ عاقل أنَّ أمراً حيوياً كالدّستور والاستفتاء عليه تتركه هذه القوة المهيمنة وعملاؤها والسائرون في ركابها؟
هذه القوى الاستعماريّة تسعى إلى الهيمنة على تونس ومن ثمّ ضمان الهيمنة على كامل منطقة شمال إفريقيا وبخاصّة ليبيا والجزائر، وهي تعمل على إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة عموماً، وفي تونس خصوصاً.
هل سيمرّ هذا الدّستور الجديد؟
نعم سيمرّ، ولن يكون مروره لأنّ الشعب سيصوّت بنعم، بل لأنّ القوى المستعمرة قرّرت أنّه سيمرّ، فالاتّحاد الأوروبي رحّب بالاستفتاء باعتباره خطوة إلى الأمام، أمّا صندوق النّقد الدّولي وبمجرّد أن تمّ نشر مشروع الدّستور في الرائد الرسمي، سارع إلى المفاوضات مع حكومة الرئيس، والمفاوضات تعني موافقة الصّندوق على إقراض تونس، وليس المفاوضات إلا وضع الشروط الاستعماريّة التي رضي بها الرئيس وحكومته، وهي نفس الشّروط القديمة التي رضيت بها من قبل كلّ الطّبقة السياسيّة.
فماذا قدّم الرئيس وحكومته للصندوق؟
يعلم الجميع أنّ صندوق النّقد ليس إلّا ناديا لكبار المرابين العالميين وأنّه لا يُحسن إلا امتصاص دماء الشّعوب، بما يعني أنّ الرئيس وحكومته ضمنوا لمصّاصي الدّماء أموالنا وثرواتنا، بدليل بيان بعثة صندوق النّقد الصّادر يوم 19/07/2022 وهو على غير العادة، بيان يُعبّر عن ارتياح البعثة وفيه مدح وثناء على حكومة الرّئيس، وهل تصيح ثعالب صندوق النّقد إلّا ودماء الفريسة تقطر من أفواهها؟
فالحدث الأبرز في هذه الأيّام هو تسليم تونس رهينة لحيتان المال وما الدّستور الجديد والاستفتاء عليه إلا غطاء مكشوفا لهذه الجريمة، التي يُساق إليها النّاس سوقا، بالخديعة والمكر، ولذلك لم تكن المعركة بين الرئيس وخصومه حول الدّستور والاستفتاء إلّا لإثارة الغبار الكثيف الذي يحجب عن الأعين ما يجري في الخفاء.
ولذلك نقول إنّ مسرحيّة الدّستور والاستفتاء ليست إلّا مكرا من المستعمرين لإعادة رسكلة المشهد السياسيّ في تونس، وتمرير ما عجزت الحكومات السّابقة عن تمريره.
هل سيأتي دستور 2022 بالجديد؟
لا جديد فيه، لأنّ المستعمر مستمرّ في التّحكّم في البلاد ولأنّ النّهب مستمرّ؛ والباقي مجرّد تفاصيل غاية أمرها أن تضلّل وتصرف النّظر عن حقيقة المشكل في تونس. وأمّا بعض الوجوه الجديدة الدّاعية إلى التصويت بنعم على الدّستور فلم نَرَ أو نسمع أنَّ أحدهم يملك مشروع تغييرٍ جذري حقيقي، بل غاية أمرهم وأمثلهم طريقةً يقول: شاركوا لكي لا تعود النّهضة، أو صوّتوا بنعم لكي لا يعود البرلمان، أو يعلو قرع طبول الوطنيّة المزيّفة المهترئة،
فأيَّ دستور تصوّتون عليه؟! بم يختلف عن دستور 1959 أو 2014، كُلّها، قديمها وجديدها يستند لنفس النظام الذي سطّره المستعمر.
إننا نرى من واجبنا أنْ نبين الأمر بشكلٍ واضحٍ، فلا تنفع في مواقف المفاصلة بين الحق والباطل العموميات والكلمات المنمقات.
ونقول: الأصل في أفعال المسلم التقيد بحكم الإسلام، والاستفتاء فعلٌ محدد، ولا شك أن لهذا الفعل حكماً، الدستور تشريع، وواضع دستور 2022 هو انسان، وضع تشريعا منقولا عن التّشريعات الغربيّة، مخالف لكتاب الله وأحكامه البيّنة الواضحة، والتّشريع عندنا نحن المسلمين لله وحده لا شريك له، وعليه فإنّ التّصويت بنعم على هذا الدّستور هو مشاركة في جريمة من أعظم الجرائم وإثم عظيم يُغضب الله ورسوله ويستوجب أشدّ العقوبة يوم القيامة، فمن هو المسلم الذي يسعى سعيا إلى إغضاب ربّه ومن هذا الذي يطيق أو يصبر على عذاب الله يوم القيامة؟؟؟؟
ونقول: كذلك لمن دعا إلى عدم المشاركة في الاستفتاء بحجّة أنّ الاستفتاء عمليّة انقلابيّة، وأنّ دستور 2014 هو الدّستور الشّرعي الواجب تفعيله والاحتكام إليه. نقول لهم إنّ موقفكم هذا يريد مواصلة جريمة التشريع من دون الله يريد أن يتواصل الحكم العلماني يريد أن يواصل إبعاد الإسلام ويباهي بدفاعه عن الدّيمقراطيّة، في نضال رخيص نتيجته الخسران في الدّنيا والآخرة.
وبعد: بعد أن تبيّن أنّ كلّ العمليّة السياسيّة في تونس إن هي إلّا لإرضاء المستعمرين وتمرير مشاريعهم، سواء في ذلك المشاركون في الاستفتاء أم المقاطعون له. وبعد أن تبيّن خطورة ما يجري زمن الاستفتاء من مواصلة رهن البلاد وثرواتها.
بعد هذا، أليس كل بكافٍ أن يقوم المسلمون قومة رجل واحد لرفض هذا المسار المهزلة الذي انطلق منذ 2011؟ أليس الأوان بعد أن انتبهنا أنّ العدوّ هو المتحكّم في البلاد أن يقوم المسلمون في تونس قومة رجل واحد لتحرير أنفسهم وبلادهم من الاستعمار الذي انكشف وجهه الإجراميّ الكريه؟
أليس حلال الله تعالى بيّن وحرامه بيّن؟! قال رسول الله ﷺ في الحديث المتفق عليه: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ…». وبلا شك ولا ريبٍ عندنا، وأنتم أهل الإسلام، أنكم ستستمعون لداعي الله تعالى ورسوله ﷺ، فتُعرِضون بذلك عن الطبقة السياسية بكل وجوهها القديمة والجديدة، وتجتنبون الشبهات، وتطمئن نفوسكم، وتستبرئون لدينكم وأعراضكم، لا سيما بعد هذا الإرباك الذي سببه المستعمر وعملاؤه في تونس، بل في أمتكم التي تنتمون لها.
﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾

CATEGORIES
Share This