النّظام في تونس: تخويف من حزب التّحرير أم خوف منه..؟؟

النّظام في تونس: تخويف من حزب التّحرير أم خوف منه..؟؟

ليس جديدا على السلطة وأبواقها الإعلامية في تونس، أن تشنّ هجمة شرسة على حزب التحرير وعلى فكرة الخلافة وراية العقاب، راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، في محاولة جديدة لتشويه وشيطنة هذا الحزب الذي تجذّرت دعوته في تونس منذ عهد بورقيبة وبن علي، ونأى بنفسه عن المشاركة في السلطة ومسايرة الدّكاكين الحزبيّة التي تمّ فتحها بعد الثورة من أجل التّرويج للديمقراطية وبريقها الخادع، رغم كلّ حملات التّرغيب والتّرهيب.

نعم، ليس جديدا على النظام وأزلامه فعل ذلك في ظل غياب البرامج والرّؤى السياسية، فهذا ديدن المفلسين، ممّن أعلنوا انسحابهم من حلبة الصراع الفكري وانهزامهم ضد المشروع الحضاري للأمة، بدعوى الدّفاع عن صنم الوطنية وعن الحدود التي رسمها الاستعمار، مستميتين في تزوير التاريخ والاعتداء على الجغرافيا التي تكاد تنطق فتقول (إنّ الشّعوب التي فرّقتها الحدود والسدود تنتمي إلى أمّة واحدة، هي خير أمة أخرجت للناس)..بل لقد زُلزلت الأرض زلزالها في تركيا وسوريا، ولم يتّعظ أدعياء الجمهورية والوطنيّة بعد، ممّن يغيظهم رؤية توادّ المؤمنين وتراحمهم وتعاطفهم، كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى.

ولكنّ الجديد هذه المرّة، أنّ تسارع نفس الوجوه الإعلامية الكالحة التي كانت تسند نظام المخلوع وتدافع عن بقائه، في مسايرة جهود “البائدة سليلة النظام البائد” كما تُعرّف نفسها، من أجل منع مؤتمر الخلافة السنوي في نسخته الثانية عشرة، لتُخيّر السلطة بشكل مخاتل أسلوب البلطجة والترهيب. ويدّعي بعض خفافيش الظلام أنّ المؤتمر قد تمّ منعه بقرار رسمي من الوالي، دون أن تقدّم أيّة جهة وثيقة تثبت صحة هذا الزعم، بل رغم صدور قرار قضائي يُقرّ انعقاد المؤتمر في زمانه ومكانه المعتاد، لتدوس السلطة على قوانينها كما عوّدتنا حين يتعلّق الأمر بحزب التحرير.

اليوم، وبعد أن جرّب الناس العلمانية بكل أشكالها وألوانها، الحليقة منها والملتحية، وبعد فشل جميع المتسلّقين على جدران السلطة في رعاية شؤون الناس من خلال إطالة عمر النظام الجمهوري الفاسد، نرى بعض الجهات المغرضة وهي تسابق الزمن دون أن تستوعب الدرس، من أجل تخويف الناس من حزب التحرير، بل من أجل محاولة منع نشاطه ومؤتمراته، مع أنّ الثورة قامت ضدّهم وضدّ النظام المتصدّع الذي يدافعون عنه، بل صار البعض يتقرّب علنا لأسياده عبر التهجّم المجانيّ على حزب التحرير، ما يعكس أمانيّ رؤوس الكفر في طيّ ملفّ حزب التحرير وغلق قوس الثورة في تونس، لأنّ الخدم والعبيد أعجز عن أن يتقدّموا خطوة واحدة في هذا الملفّ دون أخذ الإذن من الاستعمار الذي يسندهم.

هؤلاء الذين ركلهم التاريخ من بابه الواسع، فدخلوا من شبّاك تزوير الإرادة الشعبيّة، والتسلّق على جدار السلطة القائمة والتمسّح على أعتاب الرئيس تحت رعاية أجنبية، صارت لهم أبواق يدافعون فيها عن آرائهم، وصارت الردّة الثورية والعودة إلى أحضان النظام السابق وجهة نظر ديمقراطية، وصاروا يتستّرون بعباءة الدولة ويسترون عوراتهم برزمة من القوانين الجائرة المسلّطة على رقاب الناس، ويغمضون أعينهم عن حقيقة كفر الناس بالديمقراطية وانتخاباتها ودساتيرها الوضعيّة بجميع نسخها وتعديلاتها، معلنين أنّ حزب التحرير هو “الخطر الدّاهم” الذي يوجب استنفار كل القوى التقدميّة لتعلن الحرب ضدّ الظلاميّة والرجعيّة، مستلهمين من زعيمهم المايسترو “باسل ترجمان” خطابات احتكار الحداثة، وما هم في الحقيقة سوى رجع صدى لحالة الانهزام النفسيّ التي يمرّ بها الاستعمار أمام صحوة الأمّة وتنامي وعيها على مشروعها الحضاري مقابل تعدّد مشاكله وأزماته، بل أمام تجهّزها لاستلام القيادة والرّيادة من جديد بإذن الله، وملء الفراغ السياسي القاتل الذي صنعه أرباب الرأسمالية العالميّة، ظنّا منهم أنّهم سيخلّدون في الأرض. قال تعالى: “وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًۢا”.

إنّ حالة الاختناق التي يعيشها أهل تونس في ظلّ انهيار “دولة الحداثة” المزعومة، وحالة التّرهيب التي يعيشها القضاة والمحامون في كلّ لحظة، وحالة الاختراق الفاضح لأبسط مقوّمات السيادة ونشر محاضر البحث بل نشر غسيل وزارة الداخلية عبر الفضائيات، بما في ذلك من تعريض لحياة الأمنيّين والعسكريّين للخطر، وحالة الانفعال الدائم لمن يفترض أن يكون أهدأ الناس في هذا البلد، لا يمكن مطلقا اعتبارها صادرة عن “دولة” فضلا على أن يكون لهذه الدولة نمط أو هيئة يُراد تغييرها..فنحن نعيش حالة الفوضى الخلاقة أو حالة “اللادولة”، وهي الحالة التي صنعها الاستعمار على عينه وخلط فيها كل الأوراق تمهيدا لاستعادة هيبة الدولة وإعادة الترتيب الداخلي للبيت التونسي بما يخدم مصالحه، حيث لا يمكن للعلمانية أن تحكم تونس إلاّ بالحديد والنار، فلا يغترنّ أحد ببيانات الانشغال والأسف والقلق العميق لما يحدث في تونس، فهي بيانات تخدير قبل تغلية القدر الذي يرمون فيه كلّ نفس ثوريّ وكلّ صوت معارض للسياسات القائمة.

فالدولة، ليست مجموعة من الأجهزة تمارس البلطجة والمداهمات الليلية وتُرغم القضاء على أن يحكم لصالحها، دون أن يكون لها سند شعبي يدافع عنها في النهار، لأنّ الظلم مؤذن بخراب العمران، بل الدّولة هي كيان تنفيذي لمجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات التي يريد الحزب المبدئي أن يجعلها تأخذ دور العراقة دون أيّ لهف على السلطة، بحيث تتأصّل في النفوس وفي المجتمع والأمة لتصبح قناعات يصعب نزعها أو زحزحتها من النفوس، مادام أصلها الإسلام دين أهل البلد ومصدر كل تشريع. ولذلك عبّر الشيخ تقي الدين النبهاني مؤسّس هذا الحزب في الأمة عن هذه الفكرة بقوله: قضيّتنا ليست استلام حكم، وإنّما بناء دولة.

هذه هي قضيّة حزب التحرير، وهي قضيّة مصيريّة لأمّة الإسلام، يعمل حكّام المسلمين على محاربتها خدمة للاستعمار وأجنداته، وعليه فإنّ حملات التخويف من حزب التحرير الذي تأكّد للقاصي والداني بعده عن الأعمال الماديّة المسلّحة بُعد المشرقين، ليست في الحقيقة سوى حملات خوف من البديل الحضاري الذي يعدّه الحزب لاستعادة هيبة الأمة، أمام حكامها المتجبّرين وأعدائها المتربّصين، ومنها هيبة هذا الشعب الذي لم يهنأ في بلده تونس إلاّ حين كان ولاية ضمن دولة إسلامية، يشعّ نورها على الناس أجمعين، هي دولة الخلافة التي يحاربها الاستعمار ووكلاؤه، خشية قيامها في أيّة لحظة.

قال تعالى: “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون”. صدق الله العظيم

CATEGORIES
Share This