“الضرائب بين الرأسمالية والإسلام”
لقد كثر الحديث بين الناس في الفترة الأخيرة عن النظام الضرائبي المفروض على مختلف فئات الناس، وتساءل كثير من الناس هل هو من أحكام الدين الإسلامي، أم هو من النظم الرأسمالية الغربية، وما حكم فرض الضرائب على الناس في النظام الإسلامي؟!
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة لا بد أن نذكر حقيقة مهمة تتعلق بسياسة شئون المال وهي: أن النظام الإسلامي المتعلق بشئون الاقتصاد بشكل عام، والأموال بشكل خاص (هو نظام رعاية لكافة شئون الإنسان بما يحقق العدل والاستقامة والرفاه لكل فرد من أفراد المجتمع)، وهذا بعكس النظام الرأسمالي الغربي فإنه نظام يتسبب بالظلم الاقتصادي، والاعوجاج في المعاملات المالية، ويتسبّب بوجود طبقة من الأغنياء بمستوىً عالٍ (رأسماليين كبار) على حساب طبقةٍ كادحة من الفقراء ربما لا تجد قواماً أو سداداً من عيش …
فهو نظامُ جبايةٍ واحتكارٍ وتسلطٍ اقتصاديٍّ لصالح الرأسماليين، على حساب طبقة الفقراء من الناس، ولإظهار هذه الحقيقة نبرز بعض الأمور في أحكام الاقتصاد الإسلامي، ونقارن بينها وبين الأحكام الموجودة في النظام الرأسمالي؛ من هذه الأمور:-
1- رعاية شئون الأفراد في الحاجات الضرورية لكل فرد في المجتمع ( فردا فرداً)؛ بحيث يتمكن كل فرد من إشباعها إشباعاً كاملا في المجتمع، والسعي لتمكين الفرد من إشباع حاجاته الكمالية بأكبر قدر مستطاع… ورعاية التعليم والتداوي ( الطب) رعاية كاملة، بأكبر قدر مستطاع، وبأحسن هيئةٍ لجميع أفراد المجتمع..قال تعالى يبين هذا الحكم: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) /التوبة،60 وقال 🙁 لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) 8/الحشر، وقال عليه السلام:( من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا)صحيح مسلم، وقال:(من احتكر طعاما أربعين ليلة ، فقد برئ من الله ، وبرئ الله منه ، وأيّما أهل عرصةٍ بات فيهم امرئ جائع ، فقد برئت منهم ذمة الله ) مسند احمد؛ فالدولة تقوم بتطبيق هذا الحكم؛ أي بسدّ حاجة الفقراء في الأمور الثلاث إذا نقصت عن مستوى الإشباع، وتقوم كذلك بإنشاء المؤسسات العلمية من جامعات وغيرها، والمؤسسات الطبية لرعاية شؤون الناس في هذا المجال..
2- تمكين الناس من الانتفاع بالثروات بأكبر قدرٍ مستطاع، دون أي تمييزٍ أو محاباة لأحد على آخر فالرسول عليه يقول: (العباد عباد الله ، والبلاد بلاد الله ، فمن أحيا من موات الأرض شيئا فهو له ، وليس لعرق ظالم حق) أخرجه البيهقي في السنن؛ فالدولة تمكّن الأفراد من الثروات الطبيعية، وتساعدهم أيضا في عملية الانتفاع عن طريق إقامة المؤسسات، أو عن طريق الارشاد وغير ذلك، وتوزع المال العام بين الناس بالتساوي دون أية محاباة أو تمييز…
3- منع كل الطرق المعوجة التي تسلب أموال الناس، أو تؤثّر على انتفاع الفرد بالثروة مثل الربا والقمار والشركات الخاطئة أو غير ذلك، وفي نفس الوقت العمل على حفظ أموال الناس، ومساعدتهم في تنميتها عن طريق الإرشاد وغيره..
4- العمل بشكل دائم على رفع المستوى الاقتصادي للدولة، عن طريق إقامة مراكز البحث والتطوير وغيرها من اجل التوسع في استغلال الثروات..
فالناظر المدقّق في كل هذه الأحكام العملية وغيرها، يرى أن الإسلام فوق أنه يمكّن الفرد من الثروات الطبيعية بأكبر قدر مستطاع، يعمل الإسلام على إعطاء الفرد من الأموال ما يمكّنه من القيام بهذا الأمر حسب طاقة الدولة وقدرتها، وذلك بما يعود بالنفع العميم على الفرد أولاً، وعلى المجتمع بشكل عام، وهذا تماماً عكس النظام الرأسمالي، حيث أن هذا النظام البشري الوضيع لا يعتني بالأفراد وحاجاتهم الأساسية، ولا يعمل على إشباعها، إنما جعل ذلك بجهاز الثمن؛ حيث جعله (المنظم للتوزيع والحافز على الإنتاج)، أي جعل القدرة على إشباع الحاجات، واستمرارية العيش والقدرة على البقاء هي فقط لمن يحوز جهاز الثمن، وعندما عالج النظام الرأسمالي مشكلة الفقر عالجها بشكل عام، أي عالج فقر المجتمع عن طريق زيادة الثروة، ولم ينظر كم أخذ الأفراد من هذه الثروات، فكانت النتيجة أنّ هذه المعالجة قد زادت المشكلة تعقيداً بدل أن تحلها؛ حيث أن الأغنياء قد ازدادوا غنىً، والفقراء ازدادوا فقراً من هذه الروافد الجديدة للثروة، والسبب هو أن النظرة الرأسمالية كانت نظرة عامة لمشكلة الفقر وليس إلى خصوصيّة كل فرد من أفراد المجتمع، مع بقاء كل أسباب الفساد في السيطرة على الثروة من قبل طبقة الرأسماليين كما هي، أي مع بقاء أدوات السيطرة على المال بيد الأغنياء كالشركات العملاقة والبنوك الضخمة والبورصات والمصارف وغير ذلك ..
وبالنسبة لتوزيع الثروة على أفراد المجتمع، والعمل على تمكينهم منها فإن النظام الرأسمالي لا يعمل على تفتيت الثروة كما هو الحال في الإسلام، ولا يعمل على تمكين كلّ فئات الشعب من استغلال الثروة والانتفاع بها، إنما يعمل على احتكار الثروات والأموال العامة لصالح الشركات الكبرى، وأصحاب رؤوس الأموال؛ وذلك عن طريق الدولة، وبالتالي حرمان باقي أفراد المجتمع من التنعّم بهذه الثروة..
أما ما يتعلق بالطرق المعوجة التي تؤثّر على توزيع الثروة واستغلالها فإن النظام الرأسمالي- وانطلاقاً من الحرية الاقتصادية- قد فتح المجال لأصحاب رؤوس الأموال لكي يسيطروا على ثروات الناس بالطرق المعوجة؛ كالربا والقمار والاتجار بالأعراض وغير ذلك، وفتح المجال أيضاً لأصحاب الشركات الكبرى ليقوموا بالمضاربات التجارية، وبالتالي تحطيم كل الشركات الصغيرة من ذوي المصالح المتوسطة أو الصغيرة ..
وبهذا نرى أن النظام المالي والاقتصادي الغربي يرعى الفساد في المجتمع ويوسّع دائرته بدل أن يحاربه ويقضي عليه، ويوسّع دائرة الفقر والفقراء، ويعمل على تركّز الثروة بأيدي فئة قليلة لا تتجاوز 2% من الناس في المجتمع، ويمهّد السبيل للتحكّمات الاقتصادية، والسيطرة على أيّ انتعاش اقتصاديٍّ في المجتمع أو زيادة للثروة؛ سواء أكانت رأسيّة أم أفقية من قبل فئة قليلة من الرأسماليين، وحرمان باقي طبقات المجتمع وفئات وشرائح المجتمع الأخرى من ذلك ..
هذا ما يتعلق برعاية شئون المال في النظام الرباني العادل، وما يقابله من سقمٍ واعوجاج وفسادٍ في النظام الرأسمالي المتحكّم اليوم بالنظم الحياتية على وجه المعمورة، أما بالنسبة للضرائب وواقعها وحكمها في النظامين الإسلامي والرأسمالي؛ فإن الإسلام قد حرّم الضريبة ابتدءاً، وجعلها اعتداءً على أموال الناس وثرواتهم..، فلا يوجد حكم في الإسلام يجمع أموال الناس، ويسرقها من جيوبهم؛ كما هو الحال في النظام الرأسمالي السقيم، بل على العكس من ذلك تماماً فان النظام المالي في الإسلام هو نظامُ رعاية يمكّن الفرد من الثروات، ويساعد الفرد ويعطيه من الأموال ما يعينه إن كان فقيراً، ويشجّعه على العمل، ويعطيه من الأموال ما يمكّنه من القيام بذلك إن حصل عنده عجز وقصور قال عليه السلام:( انَّ صَاحِبَ المَكْسِ فِي النَّارِ) رواه احمد في المسند .
وهذا بعكس النظام الرأسمالي السقيم؛ الذي جعل في تشريعاته أسساً وقوانين لجباية الأموال ابتداءً من الغنيّ ومن الفقير على السواء، حتى لو وصل الأمر –عند تطبيق قانون الضرائب- لبيع ممتلكات الشخص التي تلزمه لاستمرارية العيش؛ كالمسكن وأداة الركوب أو أدوات العمل!! ..
فالقانون الضرائبي في التشريع الغربي هو أصيل من أجل جمع الأموال لصالح الدولة؛ أي لصالح الأغنياء والرأسماليّين.. لأن الأموال التي تُجبى على شكل ضرائب ستعود في نهاية المطاف لصالح الأغنياء بسب بقاء أدوات التحكّم، وبالتالي بقاء شرايين وصول الثروات لأصحابها كما هي ..
فالرأسمالي حقيقة لا يدفع ضريبة إنما الذي يدفع الضرائب هم الفقراء، ثم يستفيد منها الأغنياء مرة أخرى، وقد يقول قائل أن الشركات والمصانع والبنوك تدفع للدولة ضرائب فكيف نقول بأنهم لا يدفعون ضرائب؟!، ولتوضيح هذه المسألة نقول: بأن أصحاب الشركات الكبرى والمصانع يحمّلون المستهلك تبعات هذه الضرائب، بزيادتها عليهم فيثقلون كاهل الفقراء بهذا الأمر. فعلى سبيل المثال تباع عبوة الغاز بدون الضريبة ب 60 شيكل، بينما عندما يضاف إليها الضريبة تصبح حوالي 70، والذي يتحمّل هذا الارتفاع هو المستهلك الفقير في نهاية المطاف وليس صاحب الشركة.
والشيء الأنكى من ذلك كله وأمرّ هو أن ما يتوفر لدى الدولة من أموال -تجمع من سلة الفقراء عن طريق الضرائب- توضع في موازنات الأغنياء إما مباشرة في دعم الشركات المنهارة أو البنوك، كما حصل في الأزمة المالية الأخيرة، أو توضع في مشاريع عامة يتحكّم بها الأغنياء عن طريق نظام الخصخصة للممتلكات العامة؛ مثل المؤسسات الطبية أو الكهرباء أو الماء.. أو غير ذلك من رعاية المصالح الموكلة بها الدولة..
وهذا الأمر في الإسلام هو ً بعكس النظام الرأسمالي تماما- كما ذكرنا- وزيادة على ذلك فإن الإسلام يأخذ من الأغنياء لصالح الفقراء كما هو في نظام الزكاة قال تعالى:” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” التوبة103، وقال عليه السلام عندما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن:( إنك تأتي قوما من أهل الكتاب . فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فإن هم أطاعوا لذلك . فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) متفق عليه، وكما هو في إطعام الجائع ومساعدة المحتاج والفقير من قبل الغني.
وقد يسأل سائل فيقول: ألا يوجد في الإسلام أحكام شرعية (تُجمع من خلالها الضريبة من الناس لصالح الحاجات العامة أو الفقراء؟!، وللإجابة عن هذا السؤال نقول : 1- الإسلام ابتداء يحرّم الضريبة ويعتبرها أخذاً لأموال الناس بغير حق بدليل المصطفى عليه السلام:( إن صاحب المكس في النار) احمد، ولا يوجد نظام في الإسلام أو حكم يجمع الأموال من جميع الناس؛ الفقراء والأغنياء على السواء.
2- حرص الإسلام على رعاية شؤون الفقراء، وشؤون الناس بشكل عام، واحتاط لهذا الأمر- في حال عجز كل موارد الدولة عن القيام بهذه الرعاية- بان فرض نصيباً في أموال الأغنياء بقدر العجز الذي يحصل في الدولة؛ سواء أكان ذلك من اجل الفقراء أو من اجل مصالح الدولة الحيويّة..والسند الشرعي لهذا الأمر هو أن المسلمين مفروض عليهم أن يطعموا الجائع إذا حصل الخلل، ومطلوب منهم كذلك أن يحافظوا على استمرارية الدولة وقوتها، وان يساعدوها في حال قصورها، قال عليه السلام:( أيما أهل عرصة بات فيهم امرئ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى …) وقال 🙁 والله لا يؤمن.. ثلاثاً !!، قالوا: من يا رسول الله؟!، قال: من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم )، وفي رواية ( ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ) أخرجه البزار بإسناد حسن، وفي الوقت نفسه فان حماية الدولة هو حماية للمسلمين في هذه الدولة وهذا واجب شرعي على المسلمين جميعا لان الآيات والأحاديث قد طلبت هذا الأمر من كل المسلمين.
3- الأموال التي تُجمع لسد الخلل -في حالة عجز الدولة عن ذلك- لا تؤخذ من جميع الناس كالنظام الرأسمالي، ولا تؤخذ بشكل دائم، إنما تؤخذ فقط من طبقة الأغنياء في المجتمع ولمرةٍ واحدة فقط، وبقدر الحاجة؛ لان الحاجة شرعاً تقدّر بقدرها، ولا يزاد عليها لتوضع في خزينة الدولة كمصدرٍ دائم كما هو الحال في النظام الرأسمالي الغربي..
4- هذا الحكم ليس أصيلا في أحكام الإسلام، ولم يشرّع ابتداءً؛ كما هو الحال في النظم الغربية، إنما هو حكم فرعيٌّ متعلّق بحكم أصيل هو (رعاية شؤون المسلمين وخاصة الفقراء)، ولا يطبّق إلا إذا وجدت شروطه الشرعية؛ أي في حال العجز وعدم تمكّن مصادر وموارد الدولة المالية من القيام بأعباء المسلمين.
5- الأصل في أحكام الإسلام أنها تفي حاجات الناس المالية وتزيد أضعافاً مضاعفة، والأصل في الدولة أنها تساعد الأفراد لا أن تأخذ منهم؛ فالزكاة وحدها كفيلة- إذا طُبقت تطبيقا صحيحا كاملا- إن تفي بكل حاجات الفقراء والجهاد وحماية الدولة من أي اعتداء، وتزيد عن ذلك أضعافاً مضاعفة.. وقد لا يطبق هذا الأمر- أي أخذ الضريبة- نهائياً في الدول الإسلامية، ولكن الإسلام قد حرص على الاحتياط لكل أمر يتعلق بحياة الأفراد، وبمصير الدولة وكيانها السياسي ومن هذا الباب شُرّع هذا الحكم بناءً على فهم النصوص الشرعية في رعاية شؤون الناس وشؤون الأمة المالية ..
ونصل إلى النقطة الأخيرة في هذا الموضوع وهي؛ تقبّلُ هذا الحكم الشرعي لدى المسلمين بنفس راضية مطمئنة تحبّ البذل بل المزيد من البذل لهذا الأمر، وذلك لعلمهم أن هذا المال سيذهب للفقراء ولمصلحة المسلمين العامة وليس لجيوب الأغنياء، ولعلمهم أيضا بعظيم الثواب المترتب على هذا البذل، وهذا بعكس النظام الغربي الذي يتحايل في الهروب من دفع الضرائب بسبب علمه مسبقا أن هذا المال سيصبُّ في جيوب الأغنياء، وبسبب إثقال كاهله بكثرة الدفع ( ضرائب)، وخاصةً على حاجاته الأساسية كالبيت أو السيارة أو غير ذلك.. وبسبب النفسية الجشعة لدى الإنسان الرأسمالي التي تربّت على حبّ الأخذ لا على العطاء، وبسبب عدم وجود أي دافع من الجزاء الأخروي العظيم عندهم ..
وختاما نقول: بان الشعوب في العالم الإسلامي قد ضاقت ذرعا بهذه النظم السقيمة ومنها نظام الضرائب، فانفجرت في وجه حكامها ومن يسنّون مثل هذه القوانين الظالمة على شكل ثورات عارمة، تخطّت كل حواجز الخوف والقمع والإرهاب !!..
وان الشعوب كذلك في غير بلاد المسلمين قد ضاقت هي أيضا بهذه النظم السقيمة العقيمة التي تسلب الفقير لقمة عيشه من فمه وتضعها في جيوب الأغنياء الجشعة..
فخرجت هذه الشعوب في أكثر من ألف مدينة وحملت اللافتات التي تنادي بإسقاط النظام الرأسمالي واعتصمت في (وول ستريت) وفي شوارع المال والأعمال في لندن وفي باريس، واعتصمت أمام مؤتمرات الاقتصاد في بلجيكا واليابان وغيرها .
وهذا يقودنا للحقيقة الساطعة وهي: أن البشرية اليوم تنتظر طريق الخلاص بمنهج الله عز وجل ليخلّصها من هذه النظم البشرية الوضعية، وينقذها من نظام الظلم والاعوجاج والفساد بنظام العدل والاستقامة والرحمة.
قال تعالى:” قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى 123 وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه124، وقال عليه السلام في حجة الوداع :” يا أيها الناس أني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه ) البيهقي .
فنسأله تعالى أن يكرم أمة الإسلام بحكم الإسلام بقيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النوة، وأن يكرمها كذلك بحمل هذه الأمانة العظيمة لإنقاذ البشرية جميعا من الظلم والجور والفساد العريض لتكون شاهدة على الناس كما أراد لها ربها بقوله: ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا …) 143- آل عمران
بقلم حمد طبيب