2022 دستور علمانيّ آخر … في خدمة المستعمر

2022 دستور علمانيّ آخر … في خدمة المستعمر

أعلن مسؤولون في الحكومة التّونسيّة أنّ بعثة من صندوق النّقد الدّولي ستأتي إلى تونس يوم الاثنين 04/07/2022 لتبدأ المفاوضات حول القرض. أعلنها المسؤولون وكأنّهم يعلنون تحقيق انتصار، وهي عندهم علامة على النّجاح، ولماذا لا يعتبرونه نجاحا وقد رضي عنهم الصندوق ومن يقف وراء الصّندوق؟ نعم المقياس الأساسي للنّجاح عند هؤلاء المسؤولين هو رضا الغرب.
يوم 21/06، يلتقي “جهاد أزعور” مبعوث صندوق النّقد الرئيس قيس سعيّد، ثمّ يوم 30/06 يصدر قيس سعيّد مشروع الدّستور الجديد في الرائد الرّسميّ، ويوم 01/07 يُعلن المسؤولون أنّ صندوق النّقد قبل الدّخول في مفاوضات مع الحكومة التّونسيّة، بعد طول انتظار؟
فهل كان ذلك من قبيل المصادفة؟
ولذّكرى فإنّ دستور 2014 تمّت المصادقة عليه مباشرة بعد الإنذار النّهائي الذي أطلقه وقتها صندوق النّقد لتونس، حين حدّد لهم موعد 29/01/2014 موعدا نهائيّا للمصادقة على الدّستور، فتداعى الجمع وهرولوا مصادقين على الدّستور يوم 26/01/2014، بعد أن كانوا متنازعين متفرّقين.
تتشابه الأحداث، ووجه الشّبه فيها #الدّستور #وصندوق_النّقد_الدّولي. أمّا الاختلاف فيكمن فيمن قرّر الدّستور وصادق عليه، ففي دستور 2014 كان المطلوب منهم مصادقة أعضاء المجلس التأسيسيّ المتشاكسون المتصارعون، أمّا اليوم فواضع الدّستور هو واحد هو الرئيس قيس سعيّد وحده، وقد يُقال إنّ المطلوب مصادقة الشّعب باستفتاء على الدّستور، ونقول إنّ الرئيس قرّر أنّ الشّعب سيصوّت بنعم على الاستفتاء، نعم قرّر هذا الأمر وذلك بما يلي:
– ورد في #دستور_سعيّد أنّ بدء التنفيذ سيكون يوم 26 جويلية، أي يوما واحدا بعد يوم الاستفتاء، بل هي ساعتان فقط، إذا اعتبرنا أنّ اليوم يبدأ من منتصف الليلة الفاصلة بين 25 و26، وأنّ مراكز الاقتراع تُغلق أبوابها على السّاعة العاشرة من ليلة 25، فهل تكفي ساعتان لمعرفة النّتائج؟ أم إنّ النّتائج محسومة سلفا؟ أم إنّ الرئيس صار “نبيّا” مطّلعا على الغيب؟
– قرّرت كلّ المعارضة إلا بعضها، أن تُقاطع الاستفتاء، بما يعني أنّها ستترك المجال مفتوحا أمام تمرير الدّستور ولو بنسبة قليلة، والنّسب ضّئيلة لا تزعج الرّئيس، فنسبة 5 بالمائة تكفيه لاعتبار الاستفتاء ناجحا كما اعتبر أنّ الاستشارة الالكترونيّة ناجحة بهذه النّسبة المهزلة.
– وإذا أضفنا إلى ذلك عمليّة تسجيل النّاخبين الآليّة، التي تثير كثيرا من الشّكوك والشّبهات حول الإعداد لعمليّة تزييف واسعة النّطاق (فمن يضمن أنّ الموتى في مقابرهم لم يسجّلوا، ومن سيضمن أنّهم لن يصوّتوا بنعم على الاستفتاء؟ لا أحد. ولا فرق أن يكون ذلك بعلم الرئيس أو بتصرّف من يسيّرون البلد من وراء ستار.)
وهذا يعني أنّ الرئيس وضع الدّستور وهو الذي قرّر أن يكون نافذا، هذا في الظّاهر وإذا عدنا إلى المصادفات العجيبة التي رافقت إصدار الدّستور، وأوّل هذه المصادفات الزّيارات المشبوهة المريبة للورد الأنجليزي طارق أحمد الذي قابل الرئيس وحكومته وطمأنهم أنّ بريطانيا تقف بجانب “تونس” (هكذا) وأنّها ستدعمهم مع صندوق النّقد الدّولي بشكل خاصّ، ثمّ يأتي مبعوث صندوق النّقد الدّولي ليقابل الرئيس وحكومته قبيل أيّام من إصدار الدّستور، وبقدرة قادر تتغيّر لهجة الصّندوق من الحدّة والشدّة والصّراحة إلى اللّيونة والمجاملات والتعبير عن الاستعداد التّام لمساعدة تونس، بل التّعهّد بعدم التّخلّي عنها. وبعيد سويعات من إصدار الدّستور في الرّائد الرسمي تنطلق “البشائر” بتدخّل الصّندوق…
فهل هذا من قبيل المصادفات؟ ماذا يجري؟ هل يتحكّم الرئيس في القرار؟ هل أعاد السّلطة إلى الشّعب حقّا؟ هل ستتحرّر تونس أخيرا من سطوة المستعمرين؟
ماذا حدث؟ وهل من فرق بين حكومات ما قبل 25/07 وسلطة ما بعد 25/07.
من حيث البرامج والعقليّة، لا فرق فالجميع، الرئيس ومعارضوه #علمانيّون “#ديمقراطيّون يقدّسون الغرب وأفكاره، وكلّهم يرى أنّه لا يمكن لتونس إلا أن تكون تابعة للغرب لا فرق بين الرئيس وخصومه.
أمّا البرامج فلا نجد فيها من فرق فالسياسات كلّها موضوعة بعناية لخدمة القوى الغربيّة فالسياسة الاقتصاديّة -مثلا- ما زال يُسطّرها صندوق النّقد، وكذلك السياسة الأمنيّة، فالنّاحية الأمنيّة تسطّر سياستها “خارجيّا” لحماية شواطئ أوروبا من المهاجرين المتدفّقين، وداخليّا لحماية أمن الشّركات ومناطق الثروة.
فأين الفرق إذن؟
#السّلطة بعد 2011 صارت #مشتّتة، بين أحزاب متنازعة متصارعة فقدت كلّ مصداقيّة، وفقدت ثقة النّاس، حتّى عاد من المستحيل عليها أن تنفّذ ما يطلبه المستعمرون خاصّة بعد أن كشفه النّاس وصار الحديث عن السّفارات وتحكّمها في الأحزاب.
ولذلك صارت الحاجة (حاجة المستعمر المتحكّم في تونس) ماسّة إلى سلطة قويّة وقوّتها تكمن في أمرين:
– الأمر الأوّل تستمدّه من كره المعارضين وعدم الاستعداد لعودتهم، يعني تستمدّ السّلطة الحاليّة قوّتها من فقدان البديل المناسب، أمّا الثّقة بهذه السّلطة الجديدة، فيكفي أن تكون محلّ نزاع بين مؤيّد ومعارض لا يتمتّع بأيّ مصداقيّة، لتمييع الرأي العامّ فيصيبه الشّلل وعدم القدرة على مقارعة السّلطة بدليل أنّ سنة 2022 كانت سنة استثنائيّة منذ بورقيبة بل منذ الاستعمار المباشر، ففي سنة 2022 لم نسجّل احتجاجات أو اعتصامات ذات بال، إنّما هي بعض العكاظيّات خطابيّة مناسباتيّة (مرّة كلّ شهر)، هذا مع أنّ دواعي الاحتجاج بل الثّورة أقوى من أيّ وقت مضى.
– الأمر الثّاني: عدم تشتّت السّلطة، بأن تكون في يد جهة واحدة، ليكون القرار أسهل وأسرع، ولا أدلّ على ذلك من هذا الدّستور الذي سيدخل حيّز النّفاذ قبل معرفة نتائج الاستفتاء. وقد فسّر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي في حديثه لحقائق اون لاين انّ خطاب بعثة إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي بشأن تونس قد تغيّر تماما. بسبب المعطيات الجديدة بعد تغير الخارطة السياسية التي كانت تخول للحزب الفائز في الانتخابات تعيين الحكومة، واصبح الامر في يد رئيس الجمهورية. وأنّ بعثة الصندوق اطلعت على #مسودة_الدستور الجديد تبين أنّ رئيس الجمهورية هو من يعيّن رئيس الحكومة والاحزاب السياسية لا دخل لها في تشكيلة الحكومة، وهو ما غير خطاب صندوق النقد.
ثمّ يُقال “باسم الشّعب” و”نحن الشعب التونسي صاحب السلطة …”
فهل الشّعب التّونسي هو صاحب السّلطة؟
هل الشّعب التّونسي هو الذي اختار الارتماء في أحضان الغرب؟ هل الشّعب التّونسي هو الذي اختار الخضوع لإملاءات صندوق النّقد الدّولي؟ هل اختار الشّعب التّونسيّ المسلم إبعاد الإسلام من التشريع والحكم؟ هل اختار الشّعب التّونسيّ #دستورا_علمانيّا يجعل من بلادهم كيانا عليلا تابعا لأوروبا؟ ويجعل ثرواتهم بأيدي كبار المرابين العالميين؟

CATEGORIES
Share This