إرضاءً لأمريكا؛ مئات الآلاف طُردوا من بلاد الحرمين الشريفين
مسرحية “محاربة الإرهاب” بالإضافة إلى عصا العقوبات التي تزُج بها أمريكا في وجه الأنظمة الجبانة في بلاد المسلمين ما هي إلا تغطية على الإرهاب والقمع الحقيقي الذي تمارسه أمريكا على المسلمين من خلال سيطرتها على مفاصل حياة المسلمين، حتى إنها تحدد متى يُطرد المسلمون من وظائفهم بالضغط على الأنظمة الحاكمة لاتخاذ إجراءات صارمة تجاههم وسن قوانين وضعية تؤذيهم وذلك هو الإرهاب الحقيقي؛ أن يتحكم الطواغيت والكفار في لقمة عيش المسلمين؛ فلقد عاد مئات آلاف المسلمين من بلاد الحرمين الشريفين بعد فرض ضريبة المرافقين قدروا بـ670 ألف “مقيم” يجرجرون خيبات الأمل بعد تجريدهم قسراً من حقوقهم الشرعية، فلا يجوز شرعاً لأحد أن يمنع المسلمين من العيش على أرض إسلامية وكسب الرزق فيها، فالمال مال الله والمسلم أخو المسلم برابطة العقيدة الإسلامية ولا يُعد المسلم لاجئا أو أجنبياً أو مقيماً (نظامياً أو مخالفاً) على أراضي المسلمين وهو حق منحه إياه الله تعالى، إلا أن هذه الأنظمة الفاجرة ليست إلا أدوات بيد العدو ولا تهتم بتخريب حياة المسلمين.
لقد نزل الخبر نزول الصاعقة على الناس؛ فالقضية قضية مصيرية مست حياة مئات الآلاف، ذلك بعد تكبدهم عناء توفير التكاليف الباهظة وصبرهم على بلاء الإجراءات الصعبة للدخول والإقامة والعراقيل الكثيرة الأخرى التي يضعها النظام الملكي الظالم “ليسمح” للذين أتوا بحثاً عن الاستقرار المفقود في بلادهم ويطلبون جوار رسول الله ﷺ، ووجدوا أن النظام جعل من الأرض المباركة مرتعاً للسياسات الغربية تُوِّجت بزيارة ترامب الكافر الأخيرة وتسليمه مليارات الدولارات من أموال المسلمين والتي ذهبت لإنعاش الاقتصاد الأمريكي المنهار وذهبت لتوفير آلاف وآلاف الوظائف للكفار، وذهبت لقتل المسلمين في اليمن وسوريا والعراق، وذهبت ليهود الذين أغلقوا الأقصى ومنعوا الصلاة فيه ويعملون على هدمه، كل هذا والمسلمون أحق بهذه الأموال بالإضافة إلى مطالبتهم بتغطية العجز الذي حصل بسبب ما ابتلعته أمريكا القذرة من ميزانية البلاد بضرائب مصدرها جيوب الفقراء!
لقد جرف طوفان الخيانة والخراب أهلنا في الأرض المباركة وامتد بالطرد للكثيرين من بلاد الشام ومصر و السودان و اليمن من جهة، وقطر من جهة أخرى، في غضون شهرين في أيام رمضان وشوال وأيام الحج المباركة، هذا الحال الذي سر خاطر أمريكا وأخذت تثني على الأنظمة، وإن نظرنا لحال السودان مثلاً فلقد طُرد 47 ألفاً من أبنائه مع أسرهم وأصبحوا بين ليلة وضحاها بدون عمل وبدون مال وبدون سكن، ينتظرهم اقتصاد منهار يتحكم فيه الدولار الأمريكي وينتظرهم بعبع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على التجارة والصناعة والزراعة في السودان، وتنتظرهم حروب طاحنة وصراعات حكومية على الثروات جعلت من البلاد مرتعاً للبطالة وغلاء المعيشة وضاقت سبل العيش؛ فكم من مغترب كان ينفق على أهله وأقاربه! وأكثر ما ينتظرهم حكومة مجرمة أشبه بالعصابات المحترفة، فاقرؤوا تعليق الحكومة على خبر العائدين: “كشف الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج، السفير كرار التهامي، عن تسجيل (47) ألف عائد للبلاد في سفارات البلاد بالمملكة العربية السعودية، منهم (33) ألفاً بسفارة الرياض و(14) ألفاً آخرين بقنصلية البلاد بجدة تستعد البلاد لاستقبالهم الاثنين المقبل، ونوه إلى أن (60%) من المقيمين بصورة غير نظامية هم من العمال والحرفيين، في وقت أكد التهامي أن الدولة ليست جهة خيرية معنية بإيجاد وظائف للعائدين، ومنوهاً إلى تزايد الطلب على الكوادر السودانية بالخارج، وقال: (بالعكس دايرين مزيد من الهجرة) معتبراً هجرة الأطباء والمهندسين والمعلمين أمراً إيجابياً…” (آخر لحظة 23/7/2017).
في بلد لا يجد الإنسان البسيط فيه علاجا أو تعليما أو بيتا يؤويه وتحولت مؤسساته إلى شركات استثمارية خاصة تنهبها الحكومة التي تريد طرد أبناء البلد وتهجيرهم وتشتيتهم بدلاً عن توفير العيش الكريم لهم! فإن لم تكن الدولة مسؤولة عن توظيف الناس فمن هو المسئول؟! إن لم توفر الحكومة للعائدين وظائف ومنازل ومأكلا ومشربا وتعليما وعلاجا فمن يوفر لهم ذلك؟! بل الحكومة تُطالب بهجرة رعاياها! إلا أن أمريكا راضية عما يحدث في بلاد المسلمين من فرقة وتمزيق وتشريد وإفقار! هذا هو حوارها وهذه هي سياساتها وهذا هو إرهابها؛ فأثنت على النظامين السعودي والسوداني بالرغم مما يعانيه الناس من شهور من قمع وإرهاب وإهمال وضياع للحقوق، وذلك غير مستغرب بكل تأكيد.
فقد صرحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، أن “واشنطن تلاحظ تحسنا في جهود الخرطوم لمكافحة (الإرهاب)…” وأضافت المتحدثة، في بيان أن “الولايات المتحدة ترحب بالمواقف الأخيرة لحكومتي السودان و السعودية التي تؤكد التزام السودان بالمحافظة على حوار إيجابي مع الولايات المتحدة”. (الجريدة 22/7/2017).
إن هذه القضايا تفضح تآمر الحكام الطغاة وتبعيتهم للغرب الكافر، أولها خذلان النظام السعودي الموالي لأمريكا الذي لا يحكم بما أنزل الله بل ينفذ إملاءات أمريكية سياسية واقتصادية وعسكرية على المسلمين داخلياً وخارجياً، وثانيها النظام العسكري العلماني في السودان الموالي لأمريكا والخاضع للنظام السعودي الخائن للحرمين الشريفين! فلا النظام في “السعودية” يريد الناس ولا النظام في السودان يريدهم تنصلاً من مسؤولية رعاية شؤونهم، والأسهل لديه هو تهجيرهم وتشريدهم وتركهم بلا مأوى… وذلك هو حال سائر بلاد المسلمين الأخرى!
إن المسلمين لن يجدوا الاستقرار ولا المأوى خارج بلادهم أو داخلها بسبب النظام الرأسمالي الأمريكي الإرهابي الذي يحكم العالم اليوم، هذا المبدأ العلماني الذي جعل من المسلمين (إرهابيين!) ومن الإسلام دين (إرهاب!)، ومن شوق المسلمين وعملهم لإسقاط هذه الأنظمة الفاسقة (إرهابا!). إن الحل الشرعي الوحيد هو أن تكون للمسلمين دولتهم الإسلامية الواحدة بدون حدود ولا حواجز بينهم حتى تتوحد الأمة الإسلامية في ظل نظام الإسلام الذي يحفظ عقيدتهم وأموالهم وأعراضهم وأراضيهم. هذه الدولة الإسلامية هي التي ستعيد عز الإسلام وأمجاده التاريخية وفتوحاته، وهي التي سترعى شؤون الناس بالقوانين العادلة بتطبيق أحكام الله الشرعية على أنظمة الدولة داخلياً وخارجياً، وهي التي ستقطع دابر الكفار وستمنع تجرؤ الأعداء وسيطرتهم على المسلمين… هذه الدولة التي سيحكمها خليفة المسلمين أمير المؤمنين الواحد الراشد، هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي يعمل حزب التحرير لإقامتها وندعوكم للعمل معه، حزب التحرير الذي وضع بين أيدي المسلمين مشروع دستور لدولة الخلافة ليتصوروا واقعها، وشكلها وأنظمتها، وما ستقوم بتطبيقه من أنظمة الإسلام وأحكامه وهو دستور إسلامي، منبثق من العقيدة الإسلامية، ومأخوذ من الأحكام الشرعية، بناء على قوة الدليل وقد اعتُمِدَ في أخذه على كتاب الله، وسنة رسوله، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي، وقد جاء فيه:
المادة 5: جميع الذين يحملون التابعية الإسلامية يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات الشرعية.
المادة 6: لا يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك.
هاتان المادتان – المادة الخامسة والمادة السادسة – وُضعتا لبيان أحكام من يحملون التابعية الإسلامية، سواء أكانوا مسلمين أم كانوا من أهل الذمة. فلن يُطرد مسلم أو غير مسلم بغير وجه حق، ولن يبقى إنسان بلا مأوى، ولن يُحارب إنسان في لقمة عيشه، بل ستعمل الدولة جاهدة لتوفيرها له كونه من رعاياها.
بقلم: غادة محمد حمدي