تنقيح القوانين في النظام الوضعي: ضِغثٌ على إِبَّالة

تنقيح القوانين في النظام الوضعي: ضِغثٌ على إِبَّالة

تحدثنا في مرات سابقة عن إتباع ما يسمى بالدولة الوطنية وبدولة الحداثة, عدة خدع لتغطي عن عجزها وفشلها, ولتخفي قبح وبشاعة وجه نظامها الديمقراطي الوضعي, وذكرنا بعضا من الخدع وألاعيب مثل التحويرات الوزارية, والإيهام ببعث المشاريع الكبرى, وإعلان حروب وهمية كالحرب على الفساد دون أن يصاب الفساد بخدش واحد, وغير ذلك من التظليلات التي تطلقها هذه الدولة لغاية واحدة وهي استمرارها وبقاء نظامها الفاسد جاثما على صدورنا.

مع كل ما ذكرنا هناك خديعة أخرى تقوم بها هذه الدولة وهي تنقيح القوانين.. قوانين يتمّ سنّها لتخدم من في السلطة وتعزز نفوذه وتقويه, وفي الوقت نفسه يروج لها على كونها وضعت من جل مصلحة البلاد والعباد, وأن من سنّها أو أمر بسنها له من الحكمة والنباهة ما لا يتوفر لغيره. والكل يتذكر الإشادة بعبقرية “بورقيبة” وبحنكة “بن علي” في ذلك. قوانين تسنّها الأهواء وتصوغها الرغبات الشخصية, تسلطها الدولة على رقاب الناس لتستعبدهم وكل من يرفع صوته وينتقد الدولة والقائمين عليها, مجرد انتقاد يجعله في نظرهم من المارقين عن القانون ومن المعتدين على علويته, ويستحق أقصى العقاب, فما بالك بمن يعمل على إزالة هذه الدولة وإقامة دولة نظامها مستمد من وحي الله كتابا وسنة وتطبق أحكامه كاملة في جميع المجالات.

لسنا في حاجة لاستعراض مساوئ ومثالب القوانين الوضعية, فهي ظاهرة للعيان وحسبها أن وضعها بشر ناقصون ومحدودون, زادهم الوحيد هو الهواء واللهث وراء نيل مرضاة أولياء نعمتهم هناك في عواصم الدول الاستعمارية. ما نريد الحديث عنه هنا هو تنقيح القوانين: كل القوانين الوضعية حين صدورها تكون ميتة ولا يمكن لها أن تقدم شيئا يذكر للبلاد وللبعاد, هي فقط وكما أسلفنا الذكر توضع خدمة لمن وضعها ولا نفع فيها. لكن القائمين على هذه الدولة يحتاجون لهذه القوانين كلما توقف حمارهم عند العقبة ولم يعد بمقدوره مواصلة السير, عندها يصرحون بان هذا القانون أو ذاك هو سبب اللأزمة, وهو سبب عدم قدرة الدولة على انجاز ما ينفع الناس, لذا يجب تنقيح القانون. نعم يستبدلون جثة هامدة بأخرى مثلها, وهذا ما أقدم عليه مؤخرا الرئيس قيس سعيد حين أمر بتنقيح الفصل ستة وتسعين من المجلة الجزائية, فهو يرى أن كثيرا من الناس يتعللون بما جاء في الفصل المذكور للامتناع عن القيام بالواجبات الموكولة لهم. وعليه أمر بإدراج حكم جديد بتعلّق بتجريم من يتعمد الامتناع عن انجاز أمر يتعلق بوظيفته بهدف عرقلة المرفق العمومي, وأضاف “سعيد” أن هذا التنقيح يتنزل ضمن الإصلاحات التشريعية التي تهدف إلى تحقيق الموازنة بين أهداف السياسة الجزائية في مكافحة الفساد من جهة, وعدم عرقلة العمل الإداري وتحقيق نجاعته من جهة أخرى..”

لقد حمّل “قيس سعيد” القانون الجديد مسؤولية تعطيل المرفق العمومي ويرى انه بمجرد تنقيحه سيتغير الحال ويتحول الوضع إلى ما هو أفضل وستشهد البلاد والإدارة فيها بفضله نقلة نوعية.. نسى “قيس سعيد” بل تناسى أن ترسانة القوانين المدججة بها الدولة واتي لم تقدر على أن تزحزح البلاد قيد أنملة خارج مربع الفساد والإفساد والعجز والعقم.. لأن تلك القوانين صيغت لتحمي الفساد وملاذا آمنا للفاسدين, ولن تغير التنقيحات من الأمر شيئا لأن مصدرها نظام لا يخرج نباته إلا نكدا.

هكذا هم يحيطون قوانينهم بهالة من القداسة وحين يفتضح أمرها ويظهر فشلها يهرعون إلى تنقيحها معتمدين على المصدر ذاته وهو العقل البشري الذي تتلاعب به الأهواء, وكلما افتضح أمر قوانينهم ونظامهم وأزكمت رائحته النتنة الأنوف ازدادوا غيا وتشبثوا أكثر وأكثر بهذا العفن, وأصروا على أن يرموا شرع الله وراء ظهورهم ويعرضون عن حكم الله الذي خلق الكون وهو يسيره سبحانه وفق إرادته وحكمته ولا يشاركه في تسييره أحد, وهو أيضا من خلق الإنسان ووضع له نظاما أوجب عليه  السّير وفقه, لكنهم جعلوا له شركاء يشرعون من دونه فاختلت الموازين وتبدلت المقاييس وحلّ الضنك والشقاء, قال تعالى: “لو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن” وقال تعالى: “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير”.

CATEGORIES
Share This