عقد منتديات ومؤتمرات أمنية وقواعد وتحالفات عسكرية مع الدول الاستعمارية, إلى ماذا تهدف تلك؟

عقد منتديات ومؤتمرات أمنية وقواعد وتحالفات عسكرية مع الدول الاستعمارية, إلى ماذا تهدف تلك؟

الأسعد منصور

عقد منتدى أمني في البحرين يوم 22\11\2019 تحت مسمى “قمة الأمن الإقليمي الـ 15″ واستمر 3 أيام حضره مسؤولون في السياسة والدفاع والأمن من أكثر من 35 دولة من مختلف دول العالم والمنطقة وعلى رأسها أمريكا وفرنسا وبريطانيا. وذكرت وكالة أنباء البحرين أن القمة تأتي بالتزامن مع العديد من التطورات الجديدة التي تشهدها المنطقة، وتستدعي من كبار الاستراتيجيين والمسؤولين في الشرق الأوسط والعالم دراستها والبحث فيها ووضع أنسب سبل التعاون لمواجهتها. خاصة أن مصادر التهديد باتت أكثر تنوعا وشمولا، وأخذت أشكالا أكثر حدة عن ذي قبل، ما يفرض مزيدا من العمل الجماعي والتنسيق للحد من آثارها وامتدادها”.

إن ذلك ليدل على مدى ارتباط مشيخات الخليج التي يطلق عليها دولا بالدول الاستعمارية، وقد جعلت المنطقة قاعدة عسكرية لهذه الدول المستعمرة. والمؤتمرات الأمنية على مختلف أشكالها تعقد باستمرار وعلى فترات زمنية تناقش التهديدات للمشيخات الخليجية وللدول الاستعمارية التي تعمل على تعزيز قوتها في الخليج وفي العالم الإسلامي كله.

والجدير بالذكر أنه كان قد عقد قبل شهر من هذا التاريخ مؤتمر أمني للملاحة البحرية في البحرين يوم 21\10\2019 بمشاركة 60 دولة، وقد حضره وفد أمني من كيان يهود. وذلك لتأكيد الارتباط بالمستعمر ولإدخال كيان يهود في منظومة أمن المنطقة واعتباره جزءا منها للتهيئة للاعتراف بهذا الكيان الغاصب لفلسطين، حيث قام مسؤولون من كيان يهود منهم رئيس وزراء ومنهم وزراء بزايارات لمشيخات الخليج، وشارك رياضيون من الكيان في ألعاب رياضية جرت في قطر والإمارات.

مشايخ صنائع الإنجليز

إنه من المعلوم أن هذه المشيخات قد أسستها بريطانيا المستعمرة، واستقطبت العائلات الحاكمة إليها ووضعتها على رأس الحكم تتوارثه في أبنائها بدون منازع كما تتوارث العمالة للمستعمر وعدم الإنفكاك عنه. حيث تعاونت هذه العائلات مع المستعمر ضد دولة الخلافة مقابل أن تنصبها بريطانيا في الحكم وتقوم بحمايتها. فكان أساسها باطل واستمرت على هذا الباطل. ولهذا لا تستحي أن تعقد مثل هذه المؤتمرات وتفتح لها أراضيها لتقيم عليها القواعد العسكرية الضخمة من جديد. ففي البحرين مركز الأسطول الأمريكي الخامس حيث يتواجد 9335 جندي أمريكي، وافتتحت بريطانيا قاعدتها القديمة في البحرين من جديد يوم 5\4\2018،  كقاعدة عسكرية دائمة، وفي قطر قاعدة العديد الأمريكية الجوية حيث يتواجد أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي بجانب قاعدة السليمية التي تستخدمها أمريكا كمستودع للمعدات العسكرية، وفي السعودية تعزز أمريكا قاعدة سلطان قاعدتها القديمة حيث قررت مؤخرا إرسال 2000 جندي إليها بجانب 850 يتواجدون فيها حاليا، وفي الإمارات يوجد في القاعدة الأمريكية نحو 4240 جندي أمريكي، وفي الكويت حيث يتواجد نحو 16592 جندي أمريكي في قاعدتين عسكريتين أمريكيتين منذ عام 1991 تحت مسمى تحرير الكويت فلم تخرج وبقيت جاثمة على صدر الكويت. وأعادت بريطانيا افتتاح قواعدها القديمة في عُمان والكويت. ولفرنسا قاعدة في الإمارات تضم 700 جندي. وكذلك لأستراليا نحو 600 جندي في الإمارات.   وهكذا فتزخم دول الخليج بالقواعد العسكرية للدول الاستعمارية، وهذه القواعد تستخدم للقيام بحروب عدوانية على بلاد المسلمين، فقد انطلقت منها الطائرات الأمريكية أثناء العدوان على أفغانستان وعلى العراق. وما زالت تقوم بمهماتها العدوانية في المنطقة الإسلامية لمنع تحررها من ربقة الاستعمار. فحكام الخليج لا يهمهم ذلك بقدر ما يهمهم بقائهم في الحكم وبقاء الحكم متوارثا في أبنائهم وبقاء ثورة البلاد بأيديهم مع إعطاء الدول الاستعمارية ما تريد مقابل هذه الحماية وما فوقها.

هؤلاء الحكام يعتبرون أنفسهم من المسلمين، ولكنهم لا يلتزمون بالإسلام في السياسة وفي الحكم والاقتصاد والتعليم والجيش، حيث يحرم عليهم ربهم سبحانه وتعالى في آيات محكمات موالاة الكافرين، ويحرم عليهم إقامة قواعد عسكرية لهم على الأراضي الإسلامية، فذلك يجعل للكافرين سبيلا على المؤمنين. عدا أنها تستخدم ضد المسلمين لقتلهم وفرض الهيمنة على بلادهم ونهب ثرواتهم كما هو حاصل فعلا. ولكن من المستبعد أن ينفك هؤلاء الحكام عن موالاة الكافرين وعن الارتباط بدولهم الاستعمارية ومن ثم العودة إلى العمل بالإسلام والإلتزام بأحكامه في السياسة والحكم والاقتصاد والتعليم والجيش، ولهذا وجب على المسلمين إسقاطهم، وإقامة حكم الله فيها والعمل على توحيدها في كيان واحد، وربط هذه البلاد مع البلاد الإسلامية الأخرى في دولة واحدة. فذلك سيؤمن طرد المستعمر من تلك البلاد وإغلاق قواعدهم وكف شرهم عن المسلمين، وإعادة الثروات النفطية وهي ملكية عامة للمسلمين كافة وتوزيعها عليهم حتى لا يبقى محتاج بينهم، وتسخيرها لبناء بلادهم وتعميرها وإقامة الصناعات الثقيلة والتكنولوجيا المتقدمة فيها حتى تستغني عن الدول الاستعمارية وعن غيرها من الدول الصناعية.

قوى استعمارية متنافسة

عدا ذلك فإن هذه الدول الاستعمارية تتنافس بينها لفرض الهيمنة والنفوذ في المنطقة، فقد ذكرت وكالة رويترز وهي تسرد أخبار المنتدى في البحرين بأنه كانت هناك في المنتدى قوتان متنافستان أمريكا وفرنسا. إذ قال الجنرال الأمريكي كينث ماكينزي الذي يشرف على العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا : ” نواصل تمحيص المعلومات الخاصة بالهجوم على شركة أرامكو وسوف يقوم السعوديون في الأساس بالكشف عن هذا الأمر” وأضاف :” نعمل مع السعوديين لزيادة ترابط أنظمتهم . هذا سيجعلهم قادرين بشكل أفضل على الدفاع في مواجهة هذه التهديدات. وإن زيادة الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة سلطان الجوية جنوبي الرياض إضافة إلى وجود قواعد كبرى في قطر والبحرين سيزيد من تعقيد قدرة الخصم على استهدافك”.

بينما قالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي “إن باريس ترسل بشكل منفصل للرياض مجموعة قوية من وسائل الإنذار المبكر” وقالت “إن هذه الوسائل تكون في السعودية في الأيام القادمة حتى يمكن تشغيلها بشكل سريع جدا جدا. لكن يتعين إجراء تحليل كي نحدد بشكل افضل كيفية سد هذه القوة”. نشهد انسحابا أمريكيا متعمدا وتدريجيا وأشارت إلى عدم وجود رد فعل أمريكي على هجوم كيماوي في سوريا عام 2013 وعلى إسقاط إيران طائرة أمريكية مسيرة هذا العام” وإنه حان الوقت لإيجاد رادع جديد وأشارت إلى جهود فرنسا لتشكيل مهمة بحرية بقيادة أوروبية بعيدا عن حملة الضغوط القصوى على إيران التي تشنها الولايات المتحدة للمساعدة في تهدئة حدة التوتر.. وإن هذه المبادرة يمكن تدشينها في أوائل العام المقبل ,غن من المتوقع مشاركة حكومات نحو عشر دول أوروبية وغير أوروبية فيها”. ففرنسا تفاهم ألاعيب أمريكا عندما لم تضرب نظام بشار أسد عام 2013 وتفهم عدم ضربها لإيران عندما أسقط الأخيرة طائرة مسيرة قبل أشهر، فتدرك أن هذه الدول تابعة لأمريكا فلا تقوم إيران بتوجيه ضربة مميتة لها.

ولهذا لم تشارك فرنسا في مهمة الأمن البحري في الخليج التي تقودها أمريكا سوى أن بريطانيا شاركت فيها بجانب السعودية والإمارات واستراليا وألبانيا. علما أن بريطانيا هي أول من دعا لتشكيل مهمة أمنية أوروبية في الخليج، ولكنها تركت الأمر وانضمت إلى مهمة الأمن التي أسستها أمريكا. وذلك أن بريطانيا تريد أن تشارك أمريكا في أي اتفاق مع إيران يمكن أن يعزل أوروبا وعها بريطانيا وتريد أن تشوش عليها إذا استهدفت الوجود البريطاني في الخليج. وقد اختطفت فرنسا الفكرة وبدأت بالعمل بها مع ألمانيا بعيدة عن مهمة أمريكا، وقد أعلنت فرنسا عن تأسيس هذه المهمة. وأعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي يوم 24\11\2109 وهي تزور الإمارات والقاعدة الفرنسية فيها قائلة:” اعتبارا من صباح اليوم (24\11\2019) قررنا بصفة رسمية أن يكون مقر القيادة (للمهمة الأوروبية في الخليج) على الأراضي الإماراتية. وإن مركز القيادة سيضم نحو 12 مسؤولا يمثلون الدول المشاركة في المهمة”. وقالت: ” المبادرة قد تبدأ في أوائل العام المقبل، وإن نحو عشر دول أوروبية وغير أووربية ستشارك”(فرانس برس، رويترز)

وهكذا فإن الدول الاستعمارية تتنافس على بسط النفوذ في الخليج وفي دوله تحت مسمى المحافظة على أمن الخليج وحرية الملاحة فيه، وحكام الخليج يرحبون وينضوون تحت هذه المهمات الاستعمارية.

عدا دول الخليج، فإن كل الدول في العالم الإسلامي أصبحت موالية للدول الكافرة وتمنحها أراض من أراضي المسلمين لتقيم عليها القواعد العسكرية للعدوان عليهم، فهناك تركيا والأردن ومصر والعراق واليمن وجيبوتي والنيجر قد منحت أمريكا قواعد أو مراكز عسكرية ومراكز تدريب، عدا القواعد الفرنسية في البلاد الإسلامية بغرب ووسط أفريقيا وجيبوتي. وقد نشر تقرير لمعهد واتسون الأمريكي نشر يوم 18\1\2018 عن وجود قاعدة عسكرية أمريكية جنوب غربي تونس ومركزا للتدريب على مكافحة الإرهاب في الجنوب الشرقي، رغم نفي وزير الدفاع التونسي السابق فرحات الحرشاني ذلك يوم 7\9\2017، إلا أنه أكد وجود تواجد عسكري أمريكي في البلاد عندما قال:” إن وجود عسكريين أمريكيين في تونس لا يعني وجود قاعدة أمريكية”. علما أن أمريكا قد أعلنت على عهد الرئيس السابق السبسي عام 2015 أن تونس عضو استراتيجي لأمريكا خارج الناتو، ويعني ذلك التواجد العسكري والاستخباراتي الأمريكي في البلاد. ومقصد أمريكا محاولة بسط النفوذ في تونس لتحل محل النفوذ الأوروبي، حيث أن حكام تونس والوسط السياسي تابع لأوروبا، وتعمل أمريكا على اختراقه وإيجاد أتباع لها، وهي تنشط أيضا في صفوف ما يسمى بتنظيمات المجتمع المدني كما أعلنت.

حكاّم بلا بوصلة أضاعوا الأمّة

إن هذه الحالة المسيطرة على العالم الإسلامي حيث يتسابق الحكام وسياسيون في موالاة الكفار وفتح القواعد العسكرية لهم لمحاربة الإسلام والمسلمين تحت مسمى محاربة الإرهاب أو المحافظة على أمن المنطقة والاستقرار فيها أو غير ذلك من الذرائع الباطلة لهي حالة ناتجة عن فقدان البوصلة لديهم وانحرافهم الفكري عن جادة الصواب والبعد عن التفكير الإسلامي وجعل النظرة إلى الأحداث وتقييمها من زاوية الإسلام، فهو مغيب عن أذهانهم في العمل السياسي وما يتعلق بشؤون الدولة كلها. فقد فصلوا الدين عن السياسة وعن شؤون الحكم كلها، وعندما يهلك أحدهم يقيموا عليه صلاة الجنازة ويدعون الله له بالرحمة وقد ابتعد عنها بعد أن جاءته وهو في حياته التي تتجلى رحمة الله باتباع أوامر الله واجتناب عن نواهيه في كل شؤون الحياة والحكم والسياسة، ويقرؤون عليه القرآن الذي أبعده عن تفكيره وهو حي. علما أن القرآن جاء للأحياء، ولإحياء الأموات الذين هم على قيد الحياة، فقال تعالى: وَمَا عَلَّمۡنٰهُ الشِّعۡرَ وَمَا يَنۡۢبَغِىۡ لَهٗؕ اِنۡ هُوَ اِلَّا ذِكۡرٌ وَّقُرۡاٰنٌ مُّبِيۡنٌۙ‏  لِّيُنۡذِرَ مَنۡ كَانَ حَيًّا وَّيَحِقَّ الۡقَوۡلُ عَلَى الۡكٰفِرِين.

وقال سبحانه وتعالى:

“ياَيُّهَا الَّذِينَ اٰمَنُوا استَجِيبُوا لِلّٰهِ وَلِلرَّسُولِ اِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحۡيِيكُم‌ۚ وَاعلَمُوا اَنَّ اللّٰهَ يَحُولُ بَيۡنَ الۡمَرءِ وَقَلبِه وَاَنَّه اِلَيهِ تُحۡشَرُون”.

CATEGORIES
TAGS
Share This