ما معنى “النظام” عند الشعب؟

ما معنى “النظام” عند الشعب؟

“الشعب يريد تغيير النظام” هو الشعار الذي رفعه النّاس في ثوراتهم؛ بدأ من تونس في ديسمبر 2010م، لينتشر ويشتهر في مصر وليبيا وسوريا. وقد صار من عادة الناس في تونس (محلّ العناية في هذا المقال) أن تستعمل كلمة “النظام” للتعبير عن مطالبها بالتغيير، أو للتعبير عن موقفها من شخص، فيقال مثلا: فلان من النظام، أو فلان من خارج النظام، كما قيل عن رئيس الجمهورية التونسية الحالي قيّس سعيّد فترة ترشحه للانتخابات الرئاسية أنه “من خارج النظام/السيستام”، وقيل عن فوزه في الانتخابات أنّ النّاس “اختارت من خارج النظام/السيستام”. وهكذا أصبح الناس ينقسمون إلى قسمين: مع النظام وضدّ النظام، وأصبح لفظ “السيستام” بما يعنيه عند مستعمليه من العناصر المعرّفة للتوجهات والميولات الفكرية والسياسة عند المهتمين بالشأن العام.

ومصطلح “النظام” في علم القانون والسياسة والاجتماع، وفي الفكر والفلسفة، له تعاريف متعدّدة بمعنييه: (régime) و(système). وإذا دقّقنا النظر في استعمال الناس للمصطلح ومرادهم منه نجد أنّ المعنى عندهم يقرب من مفهوم (régime) الذي يدلّ على معنى كيفية تنظيم الدولة وكيفية إدارة شؤونها، وأما مصطلح (système) فله دلالة أوسع؛ إذ يدلّ – فوق ما ذكر – على مضمون السلطة ومذهبها السياسي. وهناك من يعكس بين دلالة المصطلحين. وبغضّ النظر، عن التدقيق العلمي في دلالة هذا وذاك، فإنّ الاستعمال الشعبي لكلمة نظام/سيستام لا يفيد قطعا هذا ولا ذاك. نعم، كما قلنا، قد يقرب من معنى أحد المصطلحين رغم اختلاف اللفظ، ولكنّه لا يفيده على وجه الدقة والتحديد.

فنحن إذا، أمام مصطلح جديد يستعمل للدلالة على معنى يتعلّق بظرف معين، وواقع معيّن، ووسط اجتماعي/سياسي معيّن، ويرتبط بأزمات معيّنة وبخلفية فكرية سياسية شعبية معيّنة. فما يفهمه عالم السياسة أو عالم الاجتماع أو عالم القانون أو الفيلسوف من المصطلح وفق منظومته المعرفية وأنساقه وأنماطه التحليلية، تفكيكا وتركيبا، لا قيمة له، ولا واقع له؛ لأنّ المصطلح يفيد عند مستعمليه خلاف ما عنده.

فالمصطلح عند الناس يفيد كلّ ما يمتّ للحكم والسياسة بعلاقة؛ فيشمل الوسط السياسي بأجهزته وتياراته وشخصياته وأحزابه، ويشمل كيفية إدارة الدولة الظاهرة والخفية، ويشمل الطبقة الحاكمة والمعارضة، ويشمل الأمن واللوبيات، ويشمل المفاهيم والأفكار السائدة، ويشمل المعالجات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ويشمل القوانين والمؤسسات من رئاسة وحكومة وبرلمان ووزارات، وبعبارة أخرى مختصرة: مصطلح النظام/السيستام في العرف الشعبي يشمل كلّ شيء كتعبير عن السخط على كلّ شيء.

إنّ الناس ضدّ النظام، بمعنى أنّ الناس كرهت كلّ شيء؛ كرهت الأشخاص الذين يسيّرون الدولة في الظاهر والخفاء، وكرهت المفاهيم التي تسيّر بها الدولة، وكرهت الدولة. فالناس تأمل في واقع جديد بكلّ ما تعنيه الكلمة من مدلولات تتعلّق بالحكم والاقتصاد والسياسة والأمن والجيش والصحة والشغل والمؤسسات والشخصيات والنظريات والمذاهب الفكرية والسياسية.

فكره النظام/السيستام يعبّر عن أمل الشعب في حياة جديدة وفي خلق واقع جديد تمثّل في ترشيح فرد للرئاسة لقناعته أنّه من خارج النظام؛ ولكنّ الحقيقة المرّة هي: إنّ الفرد لوحده مهما كان مخلصا ونظيفا، لا يستطيع مقاومة التيّارات المتسلّطة على الدولة؛ ولهذا فإنّه إذا كان من داخل النظام فلن يخرج عنه، وإذا كان من خارجه فسيدخل فيه.

وختاما نقول: قد أحسن الشعب التفكير والتعبير، وآن الأوان لقلع النظام/السيستام برمّته، وآن الأوان لحياة جديدة وواقع جديد وحاكمية جديدة، ولكن ليس بفرد وحيد لا يملك رؤية الحكم العادل وإن ظننا أنه يملك الرغبة فيه، بل بحزب من خارج النظام يمتلك رؤية مفصّلة للتغيير الجذري، وإرادة لإقامة حكم الله تعالى في الأرض، ويدرك معنى الرعاية الصحيحة المحقّقة للعدل والنهضة الحقيقية. أخرج البخاري في صحيحه: حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد، قال: حدثني ابن جابر، قال: حدثني عمير بن هانئ، أنه سمع معاوية، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».

ياسين بن علي

CATEGORIES
TAGS
Share This