المستشرقون ودور حمّالة الحطب
“مهمّتكم أن تُخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق ، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الاستعمار ..
استمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الرب !!” (1).
هذه باختصار مهمة المستشرقين كما أرادها لهم المبشّر الصهيوني صموئيل زويمر
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
فهل كل المستشرقين كانوا على هذه الدرجة من الانحطاط؟!
بالطبع لا ، فالمستشرقون أصناف :
أولاً – المستشرقون المنصفون
هم الذين أنصفوا أنفسهم أولاً قبل أن ينصفوا الحقيقة لم يكلفوا أنفسهم سوى أن يكونوا منصفين في تفكيرهم وفي أحكامهم، فقادهـم التفكير المنصف إلى أعتاب الإســلام، فاعتنقوه عقيدة وسلوكاً ومنهجاً ويأتي في مقدمة هــؤلاء : ليوبولد فايس، ومراد هوفمان، وأحمد فون دنفر، ومحمد صدّيق، ورينيه جينو، والعلامة عبد الكريم جرمانوس..
ثانياً – المستشرقون الأقرب للإنصاف
وقد استطاعوا أن يتخلصوا إلى حدٍ بعيد من رواسب التعصب الغربي، فآمنوا بالإسـلام حُـلُماً ودراسة أكاديمية دون أن يعتنقوه عقيدة ، وكما يقول د.محمد إقبال : “ليس كل من درس علم النخيل تمتع بالرطب”, فهم قد تعاملوا مع الإسلام ببرود عاطفي، فلم تكن لهم العزيمة الصادقة التي ترى الحق فتندفع إليه.. وشتان بين الإعجاب المجرد، وبين الإيمان..
فهم قد أبصروا جنة الإسلام وتقدموا إليها خطوات، ولكنهم – يا أسفاً – لم يجاوزوا السياج.
ومن هؤلاء المستشرقين نذكر : المستشرقة الألمانية زيغرد هونكه صاحبة كتاب (شمس الله تسطع على الغرب )، ومنهم شاعر الألمان (غوته)(2) الذي دعي القرن التاسع عشر باسمه (قرن غوته) ، ومن هؤلاء المستشرق توماس أرنولد صاحب كتاب ( الدعوة إلى الإسلام) الذي يعتبر من أوثق المراجع في تاريخ التسامح الديني، ومن المعاصرين (مارسيل بوازار) والمستشرقة الألمانية(آنا ماريا شمل) .
ثالثاً – المستشرقون المترددون بين الإنصاف والإجحاف
تقرأ لهؤلاء الكلام الحسن فتحمد لهم الإنصاف والعقل، ثم فجأة يطل (بطرس الناسك) برأسه من بين سطورهم !!
ومن هؤلاء غوستاف لوبون، والمؤرخ مونتغمري وات.
وبعض هؤلاء كان مشوش الرؤية في بدء حياته الاستشراقية ثم تراجع عن آرائه الخاطئة ، من مثل برناردشو وإرنست رينان الذي طعن كثيراً بالإسلام ثم صحا ضميره وعقله في أُخرياته ليقول في إحدى تداعياته: “الإسلام دين الإنسان.. وكلما دخلت مسجداً هزني الخشوع وشعرت بالحسرة لأني لست مسلماً”(3).
ويدخل في هذه الفئة الفيلسوف (فولتير) الذي أعلن توبته عما اقترف بحق الإسلام، والغريب أن الأضواء لا تسلط إلا على أقواله الأولى، أما أقواله الأخيرة فقد طُمست, وها هو يعترف بأنه كان ضحية الأفكار السائدة الخاطئة: “قد هدم محمد الضلال السائد في العالم لبلوغ الحقيقة، ولكن يبدو أنه يوجد دائماً من يعملون على استبقاء الباطل وحماية الخطأ !”
ثم يقول في قاموسه الفلسفي(6/4): “أيها الأساقفة والرهبان والقسيسون إذا فُرض عليكم قانون يحرم عليكم الطعام والشراب طوال النهار في شهر الصيام.. إذا فرض عليكم الحج في صحراء محرقة.. إذا فُرض عليكم إعطاء 2,5 % من مالكم للفقراء.. إذا حُرِّم عليكم شرب الخمور ولعب الميسر.. إذا كنتم تتمتعون بزوجات تبلغ ثماني عشرة زوجة أحياناً، فجاء من يحذف أربع عشرة من هذا العدد، هل يمكنكم الإدعاء مخلصين بأن هذه الشريعة شريعة لذّات ؟!”.
رابعاً – المستشرقون المتعصبون
وهم أكثر المستشرقين، وقد أبت أحقادهم الآبائية إلا أن تطفو على كتبهم التي كتبوها بأقلام شاخت في الضلال والكذب والافتراء واللاموضوعية .
يقول أليكسي جورافيسكي : “إن الأغلبية المطلقة من المستشرقين لم يتخلصوا من المواقف المعادية للإسلام”(4) .
وقد لعبوا بأكاذيبهم ومكرهم دورَ” حمّالة الحطب ” في صد الغربيين عن دين الإسلام، وذلك على امتداد المكان والزمان.
فلا يعرف العقل حدّاً لتعصبهم على الشرق والعرب والإسلام، ولا يعرف المنطق مدى لما قام به هؤلاء و ما يقومون ب هالا الآن من تحريف وتشويه لثقافة الإسلام وتاريخه.
وقد ركز هؤلاء السفهاء على النيل من قدسية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام خاصة، إذ أن التشويه الكاذب لصورة إنسان، أسهل بكثير من محاولة نقض مبادئــه وأفكاره، يقول العقاد رحمـه الله : “إن تصوير إنسان مقدس بالصورة التي تنزع عنه القداسة أيسر جداً من عناء الدراسة في نقض العقائد ودحض الأفكار.. إنها مهارة رخيصة تنجح بقليل من الجهد، إذ تعتمد على سهولة الإصغاء إليها في طبائع الجهلاء والأغرار، ولكن خبراً صادقاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ينكشف للإنسان الغربي فيهدم مئات الأخبار الكاذبة التي لفقها المبشرون”(5).
نعم قد ينجح هذا الأسلوب الرخيص لزمن، ولكن لن يطول انتظار سكان الأكواخ لاكتشاف قصر الإسلام وراء الأكَمَة التي صنعها كذب المستشرقين.
وقد فضح كثير من المفكرين ألاعيب هذه الفئة، يقول توماس كارليل: “إن أقوال أولئك السفهاء من المستشرقين في محمد، إنما هي نتائج جيل كفر، وعصر جحود وإلحاد، وهي دليل على خبث القلوب وفساد الضمائر، وموت الأرواح”(6)..
وتقوم بيانكا سكارسيا بتحليل عميق لهذه الفئة فتقول : “عمل الاستشراق لصالح الاستعمار بدلاً من إجراء التقارب بين الثقافتين. إن إنشاء هذا العلم لم يكن إلا من أجل تقديم أدوات للاختراق أكثر براعة، فهناك فعلاً عملية ثقافية مستترة ماكرة ومرائية، وهذا ما يفسر ريبة المسلمين حيال كل ما يقال عنهم في الغرب”(7)، ويقول برناردشو متأسفاً : “مضت على الغرب القرون وهو يقرأ كتباً ملأى بالأكاذيب على الإسلام” .
ومن وسائلهم اللعب بالتاريخ، فيصححون الأخبار الكاذبة، ويطمسون الأخبار الصحيحة، ويضخمون الأخطاء الصغرى، وما أسهل تغيير مجرى التاريخ على قلم المؤرخ الكذوب ! فقد جعل هؤلاء المتعصبون من التاريخ هواية يتم من خلالها التنفيس عن الأهواء والأحقاد الإيديولوجية.
ومن وسائلهم وضع الفكرة مقدَّماً ثم البحث عن أدلة تُعزّزها مهما كانت واهية على أسلوب (محاكم التفتيش) حيث كانت توضع التهمة أولاً ثم تثبت بالشهود الذين ينوب عنهم التعذيب! وليس هذا الأسلوب غريباً عمن يكون شعاره : “اعتقد أولاً ثم افهم ما اعتقدت !” يـقــول ليوبـولـد فايـس : “إن أبرز المستشرقين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام ! وإن طريقة الاستقراء والاستنتاج التي يتبعها أكثر المستشرقين تذكرنا بوقائع (دواوين التفتيش) (8)” .
المستشرقون لا يفهمون أدب لغتهم فضلاً عن الأدب العربي. ويأبى هؤلاء رغم جهلهم بثقافة الإسلام إلا أن يستخدموا الإرهاب الفكري لإضعاف ثقة القارئ بنفسه كي تسهُلَ قِيادته .
أشهر المستشرقين المتعصبين
1 – هاملتون جب : إنجليزي مؤلف (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) .
2 – جولد تسيهر : يهودي مجري، كرس حياته للطعن في الإسلام ونبيه، وممن تتلمذ عليه د.طه حسين!! .
3 – مرجليوث : يهودي إنجليزي، وممن تتلمذ عليه د. طه حسين ! .
4 – زويمر : مبشر يهودي تظاهر بالمسيحية ، اشتهر بحقده على الإسلام .
5 – دوركايم : يهودي . وممن تتلمذ عليه د. طه حسين ! .
6 – لويس ماسينون : مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية، تخصص في التصوف الأعجمي لبعض الزنادقة كالمرتد الحلاج!
7 – نيكلسون : إنجليزي، تخصص في التصوف.
ومن هؤلاء المتعصبين : آربري، فينسنك، دوزي، أرفنج، درمنغهم، لودفيج.
ومن المستشرقين المعاصرين نذكر :
1 – صاموئيل هانتنغتون : يهودي صاحب نظرية (صراع الحضارات) وخطورته تكمن في أنه يُقدم التحريض ضد الإسلام على شكل منظومة متكاملة.
2 – فرانسيس فوكوياما : مستشار سياسي سـابق بوزارة الخارجيـة الأمريكية، صاحب نظرية (نهاية التاريخ وخاتم البشـر) وقد تنبأ فيها بوراثـة الرأسمال الغربي للعالم.
3 – برنارد لويس : يهودي، يعرض الإسلام بطريقة ترعب جمهوره الغربي، فيجعله يرفض أن يتنازل قدر بوصة للإسلام .
ما وراء الأكمــة :
وإذا علمنا أن أكثر هؤلاء المستشرقين المتعصبين هم من اليهود بطل العجب منهم أو العتب عليهم، وحقاً قد نجحت هذه الفئة في القرون الماضية في حجب أنوار الإسلام عن الإنسان الغربي، ولكن في الآونة الأخيرة بدأت تتكشف الأمور عن إخفاق فكري وخلقي مريع لهذه الزمرة، فانحسر تأثيرها إلى حد لا كبير، وبدأ الوعي بالإسلام يغزو قلوب الغربيين وعقولهم، وها هو ذا الكاتب البريطاني جان دوانبورت يقول “أعتذر عن التصورات والأحكام التي كانت شائعة في الغرب حول نبي الإسلام”(10).
وإن زمن الباطل مهما طال، فستمزّقه كلمة حق حين ُتقال”.
يقول الله تعالى: ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُث فِي الأَرْض ).
سليم مشّاط