من تونس إلى طوفان الأقصى.. ثورة الأمّة مستمرة حتى إقامة الخلافة وتحرير فلسطين
تمرّ بنا اليوم ذكرى 14 جانفي التي أشعلت ثورة الأمّة وأطاحت بأعتى الحكام المستبدّين في المنطقة وكانت فرصة تاريخية للتّحرّر من النفوذ الغربي وأدواته المحلية. لقد كان المطلب الأساسي الذي خرج النّاس من أجله واضحا فيما عُرف بأيقونة الثورات العربية: “الشعب يريد إسقاط النظام”، والشعب بمطلبه هذا لا يريد الفوضى، وإنّما يريد نظاما بديلا عن الأنظمة الوضعية التي لم تورث أهلها إلا الفقر والظلم والفساد.
إنّ أشدّ ما كان يخشاه الغرب من ثورة الأمّة هو أن تنجرف المنطقة نحو التغيير الحقيقي المنتج على أساس الإسلام؛ لذلك كان حرصه شديدا على إقصاء الإسلام عن الحكم والتشريع، خاصّة بعدما صار الإسلام بوصفه مبدأ والخلافة بوصفها نظام حكم رأيا عامّا يكتسح البلاد الإسلاميّة ومنها تونس؛ لذلك كانت مقررات الدول الغربية الكبرى في قمة مؤتمر دوفيل (الذي انعقد في شهر ماي 2011 واستُدعِيَت إليه مصر وتونس) تقضي بإبقاء تونس تحت القبضة الغربية، حيث كشف التقرير السري المسرّب عن البنك المركزي والصادر سنة 2016 أنّ كل السياسات والخيارات الاقتصادية ومشاريع القوانين التي اتبعتها حكومات ما بعد الثورة تمّ التنصيص عليها في ذلك المؤتمر، مثل استقلالية البنك المركزي واتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي «الأليكا» وقوانين الاستثمار، ومشروع رسالة النوايا الأولى والثانية التي التزمت فيها الدولة التونسية لصندوق النقد الدولي بالسير في الاصلاحات الكبرى بما فيها خصخصة القطاع العام أي تسليم ما تبقى من مؤسسات عمومية للغرب بعدما تمّ قبل ذلك تسليم الثروات الطبيعية من غاز وبترول ومعادن للشركات الغربية.
سياسة التبعية التي سارت بحسبها حكومات ما بعد الثورة لم تنتج إلا البؤس والخراب، ما سرّع بسقوطها، فجاءت حركة 25 جويلية 2021 وأطاحت بالفئة التي حكمت طيلة عشر سنوات وبشّرت الناس باسترجاع القرار والقطع مع التبعيّة والسياسات الاستعمارية والفساد والمحسوبية، إلّا أنّ الحالة المعيشية للناس ازدادت سوءًا وأصبحت طوابير الناس أمام المخابز والمغارات ومحطات البنزين أمرًا مألوفًا، أمّا السيادة فضاعت في أروقة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي الذي جعل من أمننا وجيشنا حرسا وعسسا لصالح الغرب وأجنداته، وجعل من بلدنا تونس نقطة فرز وغربلة للعابرين نحو القارة العجوز تمنع عنهم الهجرة وتتحمل عنهم أعباء مراكز اللجوء وتبعاتها، ولم تعد أخبار الزّج بالمعارضين والفاسدين في السجون تستهوي الناس أو تلفت انتباههم بعدما وقفوا على الحقيقة المرّة: وهي أنّ النظام الذي ثاروا عليه لم يتغير وإن تغيرت الوجوه؛ حيث استطاع الغرب إنتاج النظام نفسه ولكن بوجوه جديدة لا تقلّ سياساتها سوءًا عمن سبقها. ذلك أنّ سياسات ما يسمّى بالنظام الجديد تنبع من مشكاة الأنظمة الوضعية القديمة التي تحكم بغير ما أنزل الله، ولم تنتج إلا البؤس والشقاء، بل زادت الطين بلّة فبعثت اليأس في قلوب النّاس حتى لا يفكروا في التّحرك للتغيير أو الثورة مرة أخرى على النظام العلماني “الحداثي” الذي سامهم سوء العذاب. فواقع الأمر إذاً،أن لا فرق بين الأنظمة التي تسلّطت على رقاب النّاس وإن اختلفت أوصافها بين ديمقراطية برلمانية وديمقراطية رئاسية.
إنّ ثورتنا لن تنجح إلا إذا تحصّنت بثلاثة عناصر:
١. التّسلح بمشروع حضاري ينبع من عقيدة الشعب المسلم، يحرّرنا من الهيمنة الغربية ويحدّد البديل والطريقة والغاية.
٢. وجود قيادة مخلصة لمشروع الأمّة وواعية على ألاعيب الغرب، تقود الأمّة نحو التغيير الحقيقي المنتج على أساس الإسلام.
٣. وجود فئة مخلصة من أهل القوة قادرة على حماية المشروع الحضاري والدفاع عنه لصدّ مطامع الغرب من بلادنا.
إنّ الأحداث التي عصفت بالأمّة في السنوات الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالًا للشكّ أنّه لا يمكن أن يكون ثمّة انفكاك من أغلال الأسرة الدولية التي هي أُسّ البلاء، إلّا بمشروع سياسي على قياس الأمّة الإسلامية، يتجاوز الحدود السياسية والقومية والقطرية المصطنعة؛ لتكون الأمّة جاهزة في لحظة من اللحظات التاريخية لتتوحّد تحت راية واحدة، وراء حاكم واحد، في كنف دولة واحدة، هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة.. ومن ثم تتحرر الأمّة وجيوشها من الهيمنة الغربية وأدواتها المحلية، وتجتمع طاقات الأمّة وقواها ما يمكِّنها من تحقيق أحد أهم أولوياتها: نصرة غزة وتحرير الأرض المباركة فلسطين، ثم تنطلق لتملأ الأرض قسطا وعدلا، بعدما امتلأت ظلما وجورًا.
قال الله تعالى: )الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور(.
2 رجب 1444 الموافق 14 جانفي 2024
حزب التحرير – ولاية تونس
CATEGORIES كلمة العدد