خط غاز المغرب – نيجيريا… سباق محموم لخدمة أوروبا
– الأستاذ ياسين بن يحيى رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس
تأمين وتنويع مصادر الغاز صار هاجسا لدى دول أوروبا خاصة بعد قطع الأنبوب الروسي وإيقاف إمدادات الجزائر إلى المغرب ثمّ إلى إسبانيا بسبب موقفها من قضية الصحراء، ما جعل دول أوروبا الغربية تتجه نحو الغرب الأفريقي باتجاه ما يسمونه المارد النيجيري الذي يمتلك مخزونا هائلا من الغاز يٌقدّر بـ206 تريليون قدم مكعب حسب وزير الموارد البترولية النيجيري، وينتج 8 مليار قدم مكعب من الغاز يوميا، علاوة على امتلاكه لقدرات كبيرة في تصدير الغاز المسال.
تم الاتفاق على إنشاء مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا، خلال زيارة الدولة التي قام بها الملك المغربي إلى نيجيريا ولقائه بالرئيس النيجيري محمد بخاري، في كانون الأول/ديسمبر 2016.
خصصت لهذا المشروع الضخم ميزانية بقيمة 25 مليار دولار، والبالغ سعته نحو 30 مليار متر مكعب، وعند اكتمال بناء الخط سيكون الأطول على مستوى أفريقيا، ويمتد خط الأنابيب على مسافة تبلغ 6800 كيلومتر، ويمر عبر 13 دولة، بحسب شركة إن إن بي سي، التي تقول إنها في وضع يسمح لها بتنفيذه بفضل خبرتها في إنتاج الغاز الطبيعي ومعالجته وتسويقه. كما أردفت بأن الأنبوب يبقى مشروعا اقتصاديا طموحا ومربحا لكل الدول التي سيشملها، وهي: بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال التي التحقت مؤخرا، وموريتانيا والمغرب، وستكون إسبانيا المحطة الأخيرة لهذا المشروع العملاق. ولدى المسؤولين المغاربة إصرار وقناعة راسخة بأن هذا المشروع سيعمل على تعزيز الروابط بين بلدهم ودول غرب أفريقيا في قطاع الطاقة.
مراحل تقدم إنجاز مشروع خطّ الغاز:
قالت مديرة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن في المغرب، أمينة بنخضرة «إن القرار النهائي بشأن الاستثمار في خط أنابيب الغاز الطبيعي بين نيجيريا والمغرب من المتوقع صدوره في مطلع 2025. تم قطع العديد من المراحل المهمة، لا سيما التوقيع على مذكرات التفاهم بين المغرب ونيجيريا وباقي الدول التي يمر عبرها الأنبوب، مع أن الجزائر تقول إن هناك تسع دول فقط أمضوا». وأضافت «نجحنا أيضا في الاتفاق مع أحد أضخم المشتغلين في مجال التجميع في أوروبا وسيشتري كل الغاز المصدَّر عبر خط أنابيب المغرب-أوروبا بمجرد توصيله بخط الأنابيب هذا». وتابعت «هناك دعوة لجميع أنواع المستثمرين، الصناديق السيادية الأجنبية وشركات النفط الدولية والبنوك متعددة الأطراف، وسيتم ذلك في شراكة خاصة بين القطاعين العام والخاص… لدينا الآن جميع المعايير الفنية والمالية المحددة التي تظهر تنافسية هذه الطريقة من النقل حينما نقارنها (بالغاز الطبيعي المسال)» المنقول بالسفن.
معوقات الاستثمار وبرود أوروبي:
رغم التطلعات الكبيرة والإصرار المغربي النيجيري، إلّا أن هناك تحديات كثيرة تحيط بالمشروع، منها التمويل، بحكم أنه سيحتاج إلى اعتمادات مالية ضخمة ما يتطلب شراكات دولية ومساهمة من المستثمرين الخاصين والجهات الحكومية. فضلاً عن تحديات تخصّ استمرار أهمية الغاز الطبيعي في أسواق الطاقة.
إلى حدّ الآن هناك بعض الوعود للتمويل لكن تبقى مجرّد وعود مقارنة بضخامة المشروع، يعني ليس هناك تحفّزا خاصّة من أوروبا التي تُعدّ من أبرز المستفيدين من هذا الخطّ، والتي يصعب عليها الاستغناء عن الغاز الروسي رغم تصريح الاتحاد الأوروبي برغبته في إيقاف استيراده سنة 2027. وفي هذا السياق تقول الخبيرة الاقتصادية الألمانية، كيرستن فيستفال، إنه يمكن تفهم الفوائد من المشروع، لكن «من شروط نجاح هذا النوع من المشاريع التقليل من دول العبور»، متابعة أن هذا التحدي يعدّ مصدراً محتملاً للخلافات ومنها التجارية.
المخاطر الأمنية والتباينات الجيوسياسية:
بمرور مشروع خط الغاز عبر 13 دولة منها دول تعاني من مشاكل أمنية ونزاعات مسلحة، ما يشكل تهديدا لسلامة البنية التحتية، كذلك المسافة الطويلة والمعقدة ذات التضاريس الصعبة علاوة على ما سيسببه من مشاكل على المستوى والمحيط. كذلك التباين السياسي والاقتصادي القائم على تضارب المصالح بين الدول المعنية في المشروع، كما أن الصراعات الإقليمية مثل النزاع في الصحراء الغربية يمكن أن يُعقد التعاون السياسي بين المغرب والدول المجاورة.
وكذلك الصراع الروسي الأوروبي، الذي تستثمره أمريكا بتوسيع مناطق نفوذها في القارة، خاصّة وأن التدخل الروسي يعتمد على تسليح الأطراف ودخول قوات فاغنر سابقا في عديد النزاعات المسلحة في النيجر والسودان حتى نيجيريا البلد الرئيسي للمشروع، ما يوجد بؤر توتر في المنطقة، ناهيك عن تحالفات جديدة نشأت عام 2024 على غرار كونفيدرالية دول الساحل التي تضمّ مالي والنيجر وبوركينافاسو وانسحابهم من مجموعة ايكواس.
التنافس المغاربي على خط الغاز:
عدا هذه المعوقات، هناك مشروع خط ثان منافس يعود إلى سنة 2002 لنقل الغاز من نيجيريا عبر الجزائر بتكلفة أقل طوله 4128كم. هذا الخط الذي سيمر إلى إيطاليا عبر تونس، وحسب ما ذكرته مؤسسة التلفزيون الجزائري مؤخرا في تقرير أنه لم يتبق على إنهاء أجزاء المشروع سوى نحو 1800 كيلومتر.
كذلك الجانب الليبي يتحدّث عن مشروع ثالث لنقل النفط النيجيري إلى ليبيا عبر النيجر، ورغم أن نيجيريا وليبيا بحاجة لمد نحو ألف كيلومتر فقط من الأنابيب لإيصال الغاز إلى أوروبا، إلا أن الإقدام على هذا المشروع في حاجة إلى دراسة النواحي الأمنية.
علاوة على التنافس المغاربي على المشروع فهناك تنافس مواز بين شركتي توتال إنيرجي من جهة الجزائر وشركة شيل عن المغرب، ما يهدد توسع حرب خطوط الأنابيب إلى لاعبين أوروبيين.
ختاما يقول الرسول ﷺ محذّرا للمسلمين «فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» متفق عليه.
رغم ما حبا الله به هذه الأمة من ثروات ظاهرية وباطنية ومناخية ومن طاقات بشرية، وأتم عليها بثروة تشريعية عظيمة، لتسعد بهذه النعم في الدارين، وتحمل رسالة الهدى والنور إلى العالم، إلا أنه لمن المؤلم أن نرى مشهدا محموما بين أنظمة صنيعة الاستعمار تعطي صورة قاتمة عن الإسلام والمسلمين، ما جرأ عليها أعداءها فصارت خادمة لأجندات استعمارية تكرّس التبعية والمهانة والانقسام.
إن هذا الوضع يحتم على المسلمين العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، ففي ظلها تُصان الحرمات وتُحمى الثروات وتُوزع بالعدل والقسطاس ويُرفع الشقاق والخلاف بيننا، حتى يصدُق فينا قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
CATEGORIES اقليمي ودولي