منظّمة كوناكت في ندوة اقتصاديّة حول ميزانيّة 2018: الأجراء عبء على الدولة ولا مفر من الخوصصة
عقدت منظّمة كوناكت ندوة اقتصاديّة حول ميزانيّة 2018 والحلول الممكنة لإنعاش الاقتصاد وحضر الندوة عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين. وكان من المفترض أن يفتتحها وزير المالية رضا شلغوم لكنه تغيب لأسباب لم تذكر. وكانت الغاية من الندوة بلورة جملة من التوصيات لرفعها للحكومة حتى تأخذها بعين الاعتبار في ميزانية 2018
ملخص لأهم مداخلاتين:
1- طارق الشريف (رئيس كنفدرالية المؤسسات والمواطنة التونسية)
– يتعين على الحكومة استغلال عدة مجالات لتوفير مداخيل إضافية للميزانية من ذلك إدخال المنضوين تحت النظام الجزافي، والمقدر عددهم ب400 ألف من جملة 650 ألف مؤسسة، ويوفرون مداخيل جبائية بقيمة 28 مليون دينار سنويا، في النظام الحقيقي بما يوفر مداخيل إضافية لخزينة الدولة.
-الاقتصاد التونسي قادر على الخروج من الصعوبات التي يعيشها وذلك باتخاذ إجراءات بتخفيض نفقات الدولة من خلال تكوين الموظفين و نقلهم إلى مواقع انتاج حتى لا يبقون عبء على الدولة.
– (المؤسسات الاقتصادية المنظمة نفسها تعيش اليوم أزمة وبالتالي سينعكس عليها الضغط الجبائي بصفة سلبية، وهو ما يستوجب جرأة في التقليص من مصاريف الدولة عن طريق التقليص في عدد الأجراء وذلك دون التخلي عنهم بصفة نهائية وإنما إما بتكوينهم في مجالات أخرى وتعيينهم في الوظائف المناسبة لها حتى لا يظلون عبء على الدولة باعتبار أن عدد الأجراء في الإدارة التونسية أصبح ثقيلا جدا مقارنة بميزانية الدولة أو إعطائهم فرصة لخلق مشاريع خاصة بهم على غرار ما اتبعته عدد من الدول حول العالم لتجاوز عجزها الاقتصادي.)
-لا بد من محاربة الاقتصاد الموازي الذي يمثل 50 بالمائة من النشاط الاقتصادي وبالتالي توسيع القاعدة الضريبية من اجل تحقيق العدالة الجبائية فضلا عن ترشيد نفقات الدعم سيما وان جزء منها لا يذهب الى مستحقيه.
– لا بد من التفويت في الشركات المصادرة وإعفاء الأموال التي يتم إعادة استثمارها فى كل القطاعات وكذلك المداخيل التي يتم إعادة استثماراها فى البورصة وإحداث صناديق استثمار جهوية لمواكبة المؤسسات في الجهات.
2- الأستاذ الجامعي والخبير المحاسب وليد بن صالح
قال انه من غير المعقول أن لا تقدم الحكومة إلى حد الآن مسودة لمشروع قانون المالية 2018 سيما وانه لم يتبق سوى 12 يوما لتسليم هذه الوثيقة الى مجلس نواب الشعب”.
-ان مشروع قانون المالية لسنة 2018 يتم تحت ضغوطات وخاصة الالتزامات مع صندوق النقد الدولي
– يجب أن لا تتجاوز كتلة الأجور 14٪من الناتج المحلي الخام وان لا يتجاوز عجز الميزانية 4٪ ونسبة المديونية 72٪. موضحا أن السنة المقبلة ستكون أصعب من السنة الحالية جانب ارتفاع الدين العمومي جراء الانزلاق الحاد للدينار التونسي .
– لا بد من التوسيع في قاعدة الأداء وفي قاعدة المطالبين بالأداء على مستوى الموارد الجبائية، للحد من ظاهرة التهرب الضريبي من خلال تعصير عمل الإدارة على مستويي الرقابة والاستخلاص، وشدد من ناحية أخرى على ضرورة الضغط على المصاريف من خلال الضغط على كتلة الأجور في الوظيفة العمومية وميزانية الدعم.
التعليق:
الجميع يتحدّثون عن أزمة اقتصاديّة بل كارثة، ولكنّهم يتعامون عن السبب الحقيقي للأزمات الاقتصاديّة.
الحلول التي قدّمها طارق الشريف والجامعي وليد بن صالح لا تخرج عن دائرة الحلول التي قدّمها صندوق النّقد الدّولي فهي تطبيقات عمليّة من أجل تنفيذ إملاءات الصندوق. وهي حلول من النّظام الاقتصادي الرّأسمالي الذي سبّب الأزمات والشقاء للبشريّة جمعاء من ذلك أنّ 10 في المائة من سكّان العالم يمتلكون أكثر من 80 في المائة من الثروة الموجودة في العالم وأكثر من مليار ونصف من البشريّة يعيش تحت خطّ الفقر أي لا يجدون طعاما.
والجميع يرى ويشاهد ما تعانيه الشعوب من فقر وجوع وشقاء نتاج تطبيق المبدأ الرأسمالي الفاسد الذي يفتقد كيفيّة عمليّة لتوزيع الثروة، فنظرته مبنية على أساس نفعية أنانيّة تجعل الأقوياء هم فقط القادرون على تحصيل الثروة بل تجعل التنافس والصّراع بينهم طبيعيّا على قاعدة الرغيف إمّا أن تأكله أنت أو آكله أنا.
- الدّولة تتبع سياسات رأسماليّة فاسدة لا تنتج إلا المصائب، ولكنّها تجعل النّاس هم من يتحمّلون تبعات الأزمة الاقتصاديّة.
- ان استجلاب رؤوس الأموال من أوروبا يتم تبريره بعدم قدرة رؤوس الأموال المحلية على القيام بمشاريع ضخمة، وأنّ تلك المشاريع الضخمة تتطلب من تونس أن تعتمد اعتماداً كبيراً على التمويل منالاستثمارات الأجنبية المباشرة من أجل تعزيز الأنشطة الاقتصادية. ومن ثمّ يرون في الاستثمار الأجنبي المباشر حلاً سحرياً لمشاكل التخلف الاقتصادي. بينما كشف تقرير أجرته مؤسسة “New World Wealth” البريطانية خلال الفترة الأخيرة أن تونس تحتل المرتبة السابعة إفريقيا من حيث عدد المليونيرات الذين تجاوز عددهم 6500 والمليارديرات الذين بلغ عددهم 70، واحتلت المرتبة الثانية في شمال إفريقيا خلف مصر. ولكنّ الدّولة تخضع لشروط صندووق النقد الدولي وتدفع أصحاب الأموال من أهل البلد دفعا ليكونوا تحت هيمنة الشركات الاستعماريّة
- إن الحكومة لا تملك أية سيطرة على الملكية الأجنبية للشركات بحسب القوانين التي استحدثتها، فللمستثمرين مطلق الحرية في استغلال الموارد الطبيعية والبشرية في بلادنا.
- بل ان الدولة في تونس صارت وسيطا يخدم مصالح كبرى الشركات الاستعماريّة من ذلك الوفود الحكوميّة التي ذهبت إلى قرقنة والكامور (تطاوين) وقبلي من أجل أن تقنع المحتجين المطالبين باستعادة ثرواتهم بفضّ الاعتصام وتتوسّط لعدد منهم بالاشتغال في تلك الشركات.
في سياق هذه الأوضاع لن تكون الحلول التي قدّمتها منظّمة كوناكت إلا مساهمة في إنجاح برنامج الدّول الاستعماريّة في إتمام الهيمنة على تونس.
أمّا من كان جادّا في إنقاذ تونس وإنعاش اقتصاده فلا بدّ أن يفكّر خاج الصندوق كما يقولون أي خارج المنظومة الرّأسماليّة التي أنتجت الأزمة ومن ينتظر نتائج مختلفة من مقدّمات وقع تجريبها فهو أحمق.
أليس من الأجدر بنا أن نفكّر في سياسات اقتصاديّة حقيقيّة تنقذ البلد؟ فما هو الاقتصاد أليس هو التفكير في التوزيع العادل للثروات؟ والنّظام الرّأسمالي فشل طوال قرون في توزيع الثروات توزيعا عادلا. ثمّ أليس الجدير بالدّولة التي تفكّر جدّيّا في رعاية حقيقيّة لأبنائها أن تضع سياسات صناعيّة وزراعيّة وتجاريّة منبثقة من عقيدة أهل البلد؟ فأين هذه السياسات؟ نحن لا نسمع منهم إلا حديثا عن زيادة الضرائب ورفع الدّعم وعجز الميزان التجاري. أليس في بلدنا من الثروات ما يشكّل إحدى العوامل ذات الأهمية لأي بلد يريد تطوير صناعته من توافر مصدر كافٍ من الطاقة؟ أليس في بلادنا من خبرات والمهندسين ما يجعلها قادرة على تطوير نفسها ذاتياً دون الحاجة للاستثمار الأجنبي المباشر؟
ان حصر البحث في ميزانية 2018 المبنية على العجز يوحي بوضع يبرر فيه هيمنة الأجنبي وسيطرته على البلاد. فيوضع أهل البلد بين خيارين فإما الضرائب وإما الموت جوعا. (نحكمحم أو تقتلكم). وكأنّ الحلول قد استنفذت إلا ما يقدّمه النّظام الرّأسمالي الفاسد.
والحقيقة أنّ الله سبحانه وتعالى قد علم أنّ الانسان إذا تحكّم في الانسان كان الظّلم وكانت الكوارث والأزمات فأرسل رسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم خاتم الأنبياء والمرسلين بنظام الإسلام العظيم من أجل أن ينقذ البشريّة. وإنّ في نظام الإسلام لحلّا كافيا شافيا لمعالجة كلّ المشاكل والأزمات ومنها الأزمة الاقتصاديّة. وإنّنا سنتبع مقالنا هذا بمقالات أخرى تبيّن كيف يمكن أن ننقذ أنفسنا واقتصادنا بل كلّ البشريّة من مظالم النّظام الرّأسمالي.
(….. يتبع)
سليم صميدة