في ذكرى الثورة الجزائرية: الإستعمار وفرضيّة تقبُّله في النفوس
تحتفل الجزائر كل سنة بعيدها للثورة التي استمرت أكثر من 7 سنوات ونصف, باتخاذ يوم 01 نوفمبر من كل سنة عطلة رسمية وطنية تقام فيها بروتوكولات ديبلوماسية واستعراضات عسكريا وحفلات وأناشيد تمجّد أبطال تلك الثورة التي شارك فيها حوالي 1200 مجاهد كان بحوزتهم 400 قطعة سلاح وبضع قنابل تقليدية, واستشهد في تلك الحرب مليون ونصف شهيد، وهكذا، مرت ثلاث وستون سنة على اندلاع الثورة الجزائرية التحريرية الكبرى في الأول من نوفمبر 1954 ضد المستعمر الفرنسي ودامت 7 سنوات ونصف, والتي انتهت باستقلال جزئي منقوص مثلها مثل كل البلاد الإسلامية. نعم استقلال وهمي ولا نبالغ في القول، فبمجرّد معرفة مفهوم الإستعمار نفهم تلقائيا ما معنى الإستقلال وهل فعلا نحن مستقلّون؟
وتعني ممارسة عملية إبقاء البلدان كمستعمرات، ColonisationأوColonialisme إنّ لفظة “الإستعمار” ترجمة لكلمة يستعمر أو يقيم مستعمرة. Coloniser وأصل الفعل colonie وقد أستخدم هذا التعبير لمستعمرات أمريكا الجنوبية من قبل الأسبان أمّا المستعمرات البريطانية فقد أطلق عليها لفظ imperialisme وكذلك فإن الإستعمار هو ترجمة لكلمة imperialisme و colonialisme و colonisationغير أن بعض المعاجم الحديثة فرّقت بين الكلمات الثلاث: أي الإستعمارية الكولونيالية التي تعني: إحتلال منطقة متخلفة خارج حدود الدولة المستعمرة. Colonialisme, فهي عملية بناء المستوطنات أو إقامة المستعمرات. أما الثانية، فتعني سياسة أو ممارسة دولة تفرض حكمها على أخرى.
أماالثالثة, ومن الناحية الإقتصادية استخدم مصطلح الإستعمار بمعنى مرحلة من مراحل تطوّر الرأسمالية، حيث تقود الظروف الإقتصادية في الأقطار المتقدّمة إلى توسعها نحو الخارج.
والإستعمار لغة: هو التعمير، واستعمرت دولة دولة أخرى،أي: فرضت سيادتها واستغلتها.( المعجم الوسيط).
و في التنزيل ، قوله تعالى :”هُوَأَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها . سورة هود الآية61 أي جعلكم عمّارا، تعمرونها وتستغلّونها – عن مختصر تفسير بن كثير .
و الحقيقة أن الإستعمار (لغة و إصطلاحا و مصدرا و اشتقاقا ) ليس إلا من قبيل أسماء الأضداد، فهو أقرب إلى الخراب و التخريب، و إلى الإسترقاق و الإستعباد منه إلى العمار و العمران والإستعمار.
والهدف من إستعمار الأمة الإسلامية هو الحيلولة دون عودتها مرة أخرى لحمل رسالتها إلى العالم، والخوف منها أن تحطّم تلك القوى الإستعمارية. والغربيون لا ينكرون هذا الهدف فها هو (أيوجين روستو ) مستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967 م يقول : إن هدف الإستعمار في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية .ولتدمير تلك الحضارة المحفوظة بدولة الخلافة، يتدخّل المستعمر من أجل خلق نموذج للفكر والحياة والحركة، وبعد أن تتم السيطرة المعنوية والمادية, يصبح الفرد مجبرا على قبول الحدود التي يرسمها له الإستعمار ويفكر داخلها، بل يدافع حتى لا تزول تلك الحدود التي أقنعه بها المستعمر.
وهذا الرضوخ ناتج عن إقناع الآخر المُستَمَر(الأهالي) بتفوقه عليه وعدم قدرته على إدارة شؤونه, حيث هو كما نرى اليوم واضح وجليّ في الحكومات التي تحكم الشعوب الإسلامية, وأيضا من الأحزاب والنقابات بشتّى أصنافها وعلى اختلاف قطاعاتها, فالكثير من البلدان تتعرض للغزو والاحتلال بسبب مطامع الدولة الغازية, ولكن إستمرار الإستعمار يكون نتيجة لعوامل داخلية تتعلق بضعف البلد المستعمر وهذا ما يسمى بالقابلية للإستعمار، التي تنتج عن جميع الظروف الإجتماعية التي تحيط بالفرد حتى يصبح الإحتلال كالقدر المحتوم, تكون وطأته على النفس اقلّ حِدّة من اعتباره على حقيقته الغاشمة, وذلك إنطلاقا من الهزيمة النفسية التي يشعر بها أهل البلد. وهذه القابلية لم تكن موجودة في الأصل لدى المسلمين, ولكن المستعمر أصر على تركيزها في النفوس بإدامة العمل على ايجاد المداخل سواء من باب الثقافة والحكم والجوسسة والعديد من الأعمال الشيطانية، من أجل إدامة الإستعمار، ومن هنا جاءت عملية زرع الثلاثي غير المقدس (الجهل، الفقر، والمرض ) في ديار المسلمين .
ويأتي الغزو الفكري كمستوى آخر، وصورة أخرى للإستعمار وهو أشدّ وأقسى من الغزو العسكري ، يأتي هذا الغزو لتصفية العقول والأفهام لتكون تا بعة للغازي، فالأمة المهزومة فكريا تسير إلى غازيها عن رضا وإقناع وحب حتى تكاد تصبح بلا هوية أو شخصية, وليس أكثر إفصاحا من كلمات عبد الرحمان الكواكبي في كتابه “طبائع الإستبداد” يقول فيها : (لا نيّة للرقيق في كثير من أحواله، إنّما تابع لنيّة مولاه ). وقد أكد هذه الحقيقة من قبل العلامة ابن خلدون عندما قال: (إن المغلوب مولع أبدا بالغالب… ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه ). ويبدو واضحا حينما يتعلق الأمر بإقامة نوع خاص من التعليم، فلن يكون سوى ذلك التعليم الذي يقوم على تربية الأجيال التي تدين بالطاعة والولاء للمستعمر، في الوقت الذي تنسلخ فيه عن ولائها للإسلام وللأمة، لتقتبس المفاهيم والعادات الغربية، وكل ما يأتي به المستعمرون. ومن هنا فإن هزيمة المستعمر عسكريا لا تعني نهاية الصراع معه أبدا، لأنه يلجأ إلى رعاية الجذور التي خلفها وراءه لتخوض المعركة بدلا عنه .
على ان هذه الحقيقة التي نقرّ بها إلى درجة معينة ليست قاعدة مطلقة لا تقبل النقاش، ففي تاريخ الأمة الإسلامية ما يثبت عكس ذلك، أي : إقتداء الغالب بالمغلوب, فقد كان إنجاب التتار- وهو الشّعب القوي والمحتل – إلى الإسلام وانقيادهم له طواعية من الحوادث الغريبة والمدهشة في تاريخ الإنسانية، فكيف إستسلموا لحضارة البلاد التي دخلوها بالسيف على الرغم مما تعانيه تلك البلاد( العالم الإسلامي ) آنذاك من ضعف ومرض وتشرذم.
و على هذا الأساس لم يكن العالم الإسلامي لقمة سائغة للفكر الغربي منذ أول وهلة فكّر فيها هذا الأخير في الإقدام على احتلاله: فبفضل الحضارة الراسخة والحيوية الكامنة في نفوس المسلمين وفي تاريخهم الطويل قامت انتفاضات وثورات في عدّة أماكن من العالم الإسلامي للإنعتاق من الإستعمار وخاضت الأمّة صراعات كبيرة مع المستعمر مباشرة ومع عملائه، صراعات مادية وفكرية لا تزال قائمة إلى يومنا هذ، حتى ولو لبست أثواب جديدة في ظل النظام الدولي, وفي ظل قيام المنظمات الدولية الكبرى كالأمم المتحدة والجامعة العربية والجامعة الإسلامية وعن طريق المساعدات الدولية المشروطة التي يقدمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي…،
في ظلّ هذا الصراع قام حزب التحرير منذ تأسيسه سنة1953 منتصرا للفكرة الإسلامية وكاشفا للمخططات الإستعمارية متصدّيا لبيان حقيقة الإستعمار، يقود الأمة للتحرر الفعلي نحو خلافة راشدة على منهاج النبوة . لهذا ندعو كل مسلم أن يعمل لإقامة الخلافة طريقة لتحويل بلاده إلى دار إسلام وتوحيدها مع غيرها من بلاد المسلمين, وأن يحمل الدعوة إلى العالم ابتغاء إظهار الإسلام وأن يردّد بإيمان صادق وإستنارة ووعي، قول الرسول صل الله عليه وسلم :”فوا الله لا أزال أجاهد على ألذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة “.
عبد الرؤوف الكافي