القضية الأم والقضايا الفرعية
…إن المتأمل في واقع البلاد الإسلامية بعد التشخيص يرى تدركا وتخلفا وأوضاعا مزرية يرافقها ضنك عيش وفاقة وعوز…
نشهد تدهورا على كل المستويات: الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتعليمي…الخ
بعد التشخيص والذي لا يكاد يختلف فيه اثنان ،لا بد من السعي إلى العلاج وتقديم الوصفة للخروج من هكذا وضع ثم الارتقاء بالبلاد إلى وضعية تجعلها تعيش حالة من السيادة والريادة الحقيقية.
وأثناء التوصيف يحصل الخلاف والاختلاف فلكل وجهة نظر :
*فالبعض يرى أن معالجة مشكلة التعليم كفيلة بحل بقية المعضلات وكأنها فروع عنها أو نتائج لها.
*والبعض الآخر يرى أنها أزمة أخلاق وأن إصلاحها كفيل بتحرير الاقتصاد ونجاح التعليم وعدالة الحكم…
*نظرة أخرى ترى أن الاقتصاد هو لب المسألة وبه تتعلق بقية المسائل, فاقتصاد قوي يعني دولة قوية وسياسة مثلى وتعليم راق و…
ولتبيان هذه الأمور وإلقاء الضوء عليها، تكفي نظرة بسيطة إلى الواقع وقراءته قراءة جيدة لنخلص إلى خلل هذه النظريات واضطرابها لأن الجزء لا يصلح الكل, بل إصلاح الكل أو تغييره يقود إلى صلاح الأجزاء وتقويمها…
فالتعليم والاقتصاد والاجتماع ما هي إلا فروع عن أصول… وهذا الأصل يربطها جميعا ويتحكم فيها، هذا الأصل هو النظام أي مجموع القوانين والدساتير المنظمة للحياة العامة… وبما أن النظام يشرف عليه كيان تنفيذي متمثلا في الدولة فهي إذا رأس الأمر, بصلاحها تصلح بقية الفروع وبفسادها تفسد.
إن النظام التعليمي والنظام الاقتصادي والاجتماعي هي تفريعات عن نظام الحكم لأنه بالأساس هو الذي ينظم هذه القطاعات بمجموعة تشريعات وقوانين مستوحاة من الدستور الذي هو بدوره مرتبط ومنبثق عن وجهة نظر في الحياة تكون قاعدة فكرية وفكرة أساسية ينظر من خلالها ويقاس عليها .
لذلك كان السعي لإصلاح الاقتصاد من خارج النظام عبثا ودورانا في حلقة مفرغة, والنظام بأصله لن يسمح به ،وإن سمح به ففي إطار ما تقتضيه أحكامه وتشريعاته…
إذا أصبحت التشريعات والقوانين هي العائق, فوجب تغييرها ليتغير الاقتصاد… ولنضرب مثلا على ذلك: الثروة في البلاد الإسلامية متواجدة وبكميات كبيرة… والأصل فيها أن ينتفع بها الجميع دون تمييز… ويحرم جعلها ملكية فردية أو ملكية شركات أو ملكية دولة. لكن واقعها أنها منهوبة لشركات استعمارية عابرة للقارات وبعقود مخزية مذلة دون وجود لأي مردودية للدولة وللناس.
ثم إنّ نظرة الناس للثروة تصطدم مع نظرة الدولة لها, فالدولة ترى أنها من ملكيتها ويحق لها التصرف فيها كيف تشاء, أما الناس فنظرتهم مخالفة… ولقد سعى الناس لتغيير هذا الواقع لكنهم اصطدموا مع الدولة الراعية لقوانين جائرة لذلك نرى الاحتجاجات المتواصلة يوميّا في كل القطاعات وحالة الامتعاض وعدم الرضا عن الدولة وممثليها في الجزئيات قبل الكلّيّات, بحيث صارت إزاحة هذا الحاجز لدى الناس هدفا مرتقبا في كل استفاقة, وهو حاجز الفشل في التفكير قبل التسيير من قبل مسئولي الدولة, وقس على ذلك…
لنخلص إلى أن الفروع لا تصلح إلا بتغيير الأصل, أي الأنظمة المنظمة لها، هذه الأنظمة تشرف عليها الدولة بجهازيها التشريعي والتنفيذي، فيكون أساس الإصلاح في إزالة رأس الفساد وهو النظام برمته واستبداله بمنظومة لا تضادد عقيدة الناس وليست من وضع البشر.
فالحل يكمن في أحكام من وحي السماء يطبقها بشر بعد أن يفقهها في منظومة حكم عادلة هي تشكل دولة راشدة يستخلف فيها الراعي حكم الناس بما حُكِم به الأولون الذين سادوا الارض بعزة… هذه الدولة هي رأس الأمر وتاج الفروض، تشرف على تطبيق أحكام الإسلام دون تحريف أو زيادة أو نقصان، بها ينصلح حال المسلمين فيكون تعليمهم راقيا واقتصادهم مزدهرا ونظام حكمهم عادلا…
ومن تاريخنا الإسلامي شواهد عظيمة على صدق ما نقول, فلقد تميز المسلمون في كل المجالات وكانت دولة الإسلام الدولة الأولى في العالم وعمرت لأكثر من 1300 سنة وازدهرت في كل الميادين..
لكن يوم تركت نظام الخلافة وتخلت عن الإسلام تقاذفتها أمم الكفر وشرذمتها وقسمتها ونهبتها وصرنا أذيالا تبعا نسير في الركاب ونرضى بالفتات…فهل إلى عزة من عودة؟؟؟
علي السعيدي