ليست كوارث طبيعية بل كوارث سياسية

ليست كوارث طبيعية بل كوارث سياسية

            نزل الغيث النافع والحمد لله واستبشر الناس بهذا الخير الذي سيُرى اثره لاحقا بإذن الله, فنحن امة نستبشر بنزول الغيث ونحمد الله عليه ونقيم الصلوات وندعو الله لأجله.  لكننا ابتلينا في زماننا هذا بحكام يتخذون من هذه النعمة شماعة لفشلهم وغطاء لإهمالهم وعجزهم  لسوء رعايتهم, فإذا قلت الامطار اتخذوها  سببا لعدم توفير المياه ومبررا لكثرة انقطاعها عن الكثير من المدن والقرى , وإذا من الله علينا بقدر وفير منها جعلوا منها سببا لانهيار الجسور وانقطاع الطرق وتجمع المياه والمستنقعات.

سياسة  التهويل للهروب من المساءلة

       وابتلينا كذلك بمؤسسات إعلامية اتخذت من تهويل العواصف الماطرة وسيلة للدفاع عن الحكام , وزرعت “فوبيا” الامطار والفيضانات في عامة الناس حتى يخيل لمن يتابع نشراتها وبرامجها أننا نعيش في مناطق الأعاصير والعواصف المدارية في خليج المكسيك او البنغال. إنها نفس المؤسسات الإعلامية التي درجت على الترويج للسياسات الغربية الرأسمالية  رأيناها في الأيام الأخيرة  تكّمن الوزراء والمسئولين من تبرير فشلهم والتهرب من مسئوليتهم و تهاونهم في تهيئة المدن والقرى بشكل يحميها من الامطار والفيضانات, ومن إنكار الفساد الظاهر في انشاء الجسور والطرقات والذي أدى الى انهيارها وغم حداثة انشاءها.

        لم تعد هذه التبريرات السخيفة تنطلي على الناس خصوصا مع تتالي الخسائر ولم تعد  شماعة الكوارث الطبيعية تكفي لتحمل هذا الكم الهائل من الإهمال وعدم والمبالاة. فلماذا لا يتم اعداد دراسات التهيئة العمرانية للمدن والقرى بشكل جدي تأخذ في الاعتبار  مجاري الاودية  وأماكن تجمع مياه ألأمطار ولماذا لا يتم توفير الإعتمادات المالية اللازمة لبناء السدود والبحيرات الجبلية وغيرها من الإنشاءات بما يضمن حماية السكان وأملاكهم؟

     متى تتوفر الرقابة الجادة في بناء هذه المنشئات حتى لا تنهار الجسور مع بداية السيول بفعل التلاعب والفساد الظاهر في إنشاءها ؟  ومتى تكون السلطات جادة في منع البناء في مجاري الاودية حتى لا نشاهد احياء كاملة وقرى غارقة في المياه والأوحال كلما نزلت الامطار؟

     هذه هي الأسئلة الملحة التي تراود الناس كلما شاهدو عبر وسائل الاعلام حجم الخسائر الناتجة عن امطار موسمية عادية في غزارتها في هذه الأوقات لكن بدل الإجابة عن هذه التساؤلات نرى الوزراء والمسئولون يطالبون الأهالي بالتضامن فيما بينهم, ويفتحون الحسابات البنكية كي يدفع الناس من جيوبهم تكاليف الخسائر لجبر الضرر الذي لحق البيوت الغارقة في الاوحال.

الكوارث السياسية

          ان الكوارث الحقيقية ليست هي الامطار الغزيرة مهما بلغت ذروتها بل هي تلك السياسات التي تتبعها الحكومة والناتجة عن الإملاءات الخارجية المتأتية أساسا من صندوق النقد الدولي والذي ألزم الحكومة منذ سنوات بتقليص الانفاق الحكومي العام سوء في مجال البنية التحتية و المرافق الصحية والتعليمية , وكل هذا بحجة تعديل العجز في الموازنة المالية العمومية ولضمان تسديد قروض صندوق النقد.

         وان من الكوارث أيضا عدم مبالاة الحكام بالمصلحة العامة وبالأمن الغذائي للشعب التونسي مقابل الحرص على استرضاء الاتحاد الأوروبي وآخرها ما حصل من عدم مبالاة  الحكومة بخطر اندثار قطاع انتاج الحليب واستكثارها دعم منتجي الحليب بمبلغ بسيط بينما تقوم بدفع اكثر من ضعف المبلغ من صندوق التعويض لتمرير صفقة استيراد الحليب من بلدان الاتحاد الأوروبي.

         ان الكوارث الحقيقية التي تعاني منها تونس حاليا هي تلك الناتجة عن اتباع سياسات الاتحاد الأوروبي  وصندوق النقد الدولي وهي سياسات تؤدي حتما الى فقدان السيادة على القرار السياسي والاقتصادي ومزيد التدخل الأجنبي في نمط حياة اهل تونس بحجة مسايرة المعايير الدولية والاندماج في النظام العالمي وهذا حاصل في وقتنا الحاضر بشكل متسارع في ظل حالة التفكك السياسي التي تعاني منها أجهزة الدولة وإدارتها .

        ان الكوارث الطبيعية مهما بلغت حدتها فان تكاليفها مادية بحتة, وبالإمكان علاج آثارها في وقت محدود  اذا تضافرت الجهود , اما الكوارث السياسية فان نتائجها ليست مادية فحسب بل هي اجتماعية وسياسية وحضارية أيضا وان آثارها المدمرة لا تقتصر على جيل واحد بل تمتد الى أجيال متعددة. وان اعظم الكوارث التي حلت بالأمة الإسلامية منذ نشأتها هو زوال سلطتها السياسية المتمثلة في دولة الخلافة العثمانية, وخضوعها الى الاستعمار العسكري المباشر الذي نهب ثرواتها وغير نمط حياتها, ولا يزال هذا الحال متواصلا عبر العملاء من ابناءها. ولن تجد الامة مخرجا من هذه الكوارث إلا باستعادة سيادتها وسلطانها ونظام الإسلام الذي هو قوام حياتها.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This