الحوار الوطني حول الفلاحة بباجة أو مراطون اتفاقية الأليكا Aleca

الحوار الوطني حول الفلاحة بباجة أو مراطون اتفاقية الأليكا Aleca

نظم هذا الحوار المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية ITES بالشراكة مع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وولاية باجة يوم الثلاثاء 22 جانفي 2019, حيث أجمع جل المتداخلين في الموضوع على أن جل القطاعات الفلاحية تعاني من تدهور خطير من شأنه التأثير على الأمن الغذائي.

وفي أبرز ما جاء في كلمات المتدخلين:

ذكّر الأستاذ عبد المجيد الزار رئيس اتحاد الفلاحين بالقدرة التشغيلية للفلاحة التي تشمل خمس سكان البلاد ( الفلاحون وعائلاتهم والأعمال الموازية كالتجارة وغيرها..) زيادة على مردودها التنموي الهائل ” لو أولاه النظام الاهتمام اللازم عوض الإهمال والتهميش “. حيث قدّم أرقاما اعتبرها دليلا على إهمال الدولة للقطاع الفلاحي. أرقام تُظهر أن مساهمة الفلاحة في الناتج الداخلي الخام سنة 1951 بلغت 31.2 بالمائة، وفي سنة 1985 بلغت 17 بالمائة وفي سنة 1990 بلغت 14.7 بالمائة، أما في سنة 2018 بلغت مساهمة الفلاحة في الناتج الداخلي الخام 9.7 بالمائة.

واعتبر الزار أن “هذا الانحدار يدل على تخلي الدولة على القطاع الفلاحي وليس من اهتماماتها”، واصفا إياه بـ”الرهيب” وهو ما يهدد الأمن الغذائي.

وقال الزار إن الفلاحة قطاع حيوي حياتي يمثل الحلّ ويجب أخذها مأخذ الجد وبعمق كبير، لافتا إلى أنها ركيزة أساسية في التشغيل حيث يوجد بتونس 500 ألف فلاح و60 ألف بحار.

وفي كلمة السيد ناجي جلول المدير العام للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية المتراوحة بين “التنكيت” أو السخرية إذ الفلاحة عنده ” مرتبطة بعقلية المسلمين كتهديدهم لأبنائهم بتوجيههم للفلاحة إن لم يقبلوا على المدرسة “. وبين قدرة تونس على أن تكون “ماردا فلاحيا” كما كانت في تاريخها السابق إذا كان للسياسيين قدرة على المجازفة وعلى اتخاذ السياسات والإجراءات الملائمة بعيدا عن الترقيع وفق تعبيره. معددا بعض مشاكل الفلاحة من بذور وشح مياه الري وتهرم اليد العاملة الفلاحية والإشكالات العقارية والتعقيدات العقارية ومشكل وسائط الترقيع ومشكل مسالك التوزيع.

وأن المعهد قدّ بعض الحلول منها حل الإشكالات الكامنة وراء ضعف نسبة انخراط الفلاحين في مظلة التغطية الإجتماعية وخاصة تلك المتعلقة بضعف المردودية الاقتصادية وتأثيرات الجوائج الطبيعية وتراكم المديونية وإيجاد إطار تشريعي ملائم في هذا المجال يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات قطاع الفلاحة ويراعي قدرات الفلاحين.

وتأمين اليد العاملة الفلاحية ضد حوادث الشغل وتحسين أجرة العامل الأجير بالقطاع الفلاحي وتمكينه من جميع حقوقه.

إلى كلمة نائب وزارة الفلاحة عز الدين شغاف المقتضبة جدا, تحدث فيها عن توفير الري وبدائل الأعلاف والبقوليات الجافة..؟

أما مشاركة الحضور الغفير من الفلاحين والأهالي فكانت دسمة بحق وأتت على مشاغل الفلاحين وهمومهم نصرة لقطاع الفلاحة في البلاد عموما, دون أن تتعمق في أسباب ضموره بنسبة تدعوا إلى الفزع الذي كان باديا في النبرات الحارقة للمتدخلين, في الورشات الأربعة التي تلت الكلمات الرسمية, وهي (الحرقة) واضحة في تقرير الجلسة الختامية..

ورشات عمل ونقاش

أولا ورشة الاستثمار الفلاحي وتمويل المشاريع الفلاحية والتأمين الفلاحي, التأمين الذي يُحرّمه الإسلام سواء كان تأمينا على الحياة أو على البضاعة أو على الممتلكات أو غيرها. ووجه حرمته أن عقده عقدٌ باطل شرعا, وأن التعهد الذي تعطيه شركة التأمين باطل لجهالة مآل موضوع التأمين كالتلف الذي قد يقع وقد لا يقع, والمال الذي تأخذه باطل وهو مال سحت.

ثانيا ورشة تهرم اليد العاملة الفلاحية نتيجة نزوح الشباب, لضعف مردودية الفلاحة بسبب غياب دعم النظام.

ثالثا ورشة إستراتيجية تطوير, استغلال الموارد المائية والغابية الضعيف, لقلّة السدود مثلا. وما كارثة نابل الأخيرة عنا ببعيدة.

رابعا ورشة قطاع الصيد البحري والتربية الأسماك والأحياء المائية

الصيد البحري المهمّش والمحروم من دعم النظام للصيادين لتطوير سفنهم وأساليب الصيد بالمعدات اللازمة مواكبة لأحدثها تقنيا.. وتربية الأسماك رغم أن جدواها مشكوك فيه, وهي مع ذلك متعثرة بسبب تعدد الهياكل المتدخلة في إسناد الرخص وغياب دعم الدولة كما قيل.

فقطاع الفلاحة الذي أشاد عبد المجيد الزار بمردوديته, قد حقق نسبة نمو تساوي 8 في المائة سنة 2018 مقابل 2,5 في المائة سنة 2017, وهو يحتل المرتبة الثانية من حيث المساهمة في النمو العام للبلاد. ومع هذا, فهو لا يحضا بالاهتمام اللائق بالأمن الغذائي من طرف النظام الذي يعتزم إبرام اتفاقية الأليكا أو الشراكة المعمقة مع الإتحاد الأوروبي خلال سنة 2020 على أقصى تقدير.

وبعد مراطون الحوار الوطني حول الفلاحة الدسم إلى حد ما, لتطمين المشاركين الذين لم ولن يبخلوا بتقديم الحلول المناسبة التي, مع الأسف, لن ترى النور لارتباط النظام العضوي بإرادة الغرب الإستعماري, الذي يريد استكمال تلك الاتفاقية المبرمة سنة 1995 مع بن علي في الميدان الصناعي.

تذكير: أحكام الأراضي في الإسلام

هذا ولا يفوتنا, وهو الأصل, التذكير بأحكام الأراضي في الإسلام بمناسبة مؤتمر باجة أو WAGA مطمورة روما سابقا, لقدرة البلاد على تأمين الغذاء داخليا وخارجيا ب5 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة التي حسابيا, لو تُقسّم على 2,5 مليون عائلة في تونس لكان نصيب كل واحدة هكتارين ! وهذا عدا الثروات الأخرى المنهوبة مع الأسف بمقدار 5000 مليار من المليمات يوميا بشهادة خبير اقتصادي في ندوة صحفية بقصر الحكومة أذاعته التلفزة الوطنية الأولى..

فالأرض رقبة ومنفعة, ورقبتها هي أصلها, ومنفعتها هي استعمالها في الزراعة وغيرها. فرقبة الأرض في جميع البلاد التي افتتحها الإسلام تكون ملكا للدولة وتعتبر أرضا خراجية, سواء أكانت لا تزال تحت يد الأمة الإسلامية, كمصر, والعراق, وتركيا, أم أصبحت تحت يد الكفار, كإسبانيا, وأوكرانيا, والقرم, وألبانيا, والهند, ويوغسلافيا ونحوها.. وكل أرض أسلم عليها أهلها كإندونيسيا. وكل أرض في جزيرة العرب هي ملك لأهلها, وتعتبر أرضا عشرية.

أما منفعة الأرض فهي من الأملاك الفردية, سواء أكانت أرضا خراجية, أم أرضا عشرية, وسواء أقطعتهم إياها الدولة, أم تبادلوها بينهم, أم أحيوها, أم إحتجروها. وهذه المنفعة تعطي المتصرف بالأرض من الحقوق ما يعطى لمالك العين, وله أن يبيعها, ويهبها, وتورث عنه, وذلك لأن للدولة أن تقطع (أن تُعطي) الأراضي للأفراد, سواء أكانت الأرض عشرية أم خراجية, إلا أن الإقطاع في الأرض الخراجية هو تمليك منفعة للأرض, مع بقاء رقبتها لبيت المال. وأما في الأرض العشرية فهو تمليك لرقبة الأرض ومنفعتها.

ولقد حثّ الإسلام على إحياء الأرض الموات_ قال صلى الله عليه وسلم : “من أعمَر أرضا ليست لأحد فهو أحقّ”. وقال: “من أحيى أرضا ميتة فهي له”, ويكون المسلم والذميّ سواء لإطلاق الحديث_ والأرض التي أهملها أصحابها بعد ثلاث سنين, وأخذتها الدولة منهم, مثل الأرض التي اقطعها الرسول صلى الله عليه وسلّم لبلال المزني ثم استرجع عمر رضي الله عنه ما أهمله منها بعد ثلاث سنين, وأقطعها لغيره. وقد انعقد إجماع الصحابة على أن من عطّل أرضه ثلاث سنين تؤخذ منه وتُعطى لغيره.

هذه هي عناية الإسلام بالأرض وبالإنتاج وبالأمن الغذائي. فكيف تحكمون يا سادة ولماذا أنتم على الحلول متنكبون ولها رافضون !؟

كما يمنع الإسلام إجارة الأرض, قال صلى الله عليه وسلم : “من كانت له أرض فليزرعها, أو ليمنحها أخاه..” وجاء في صحيح مسلم : “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ, وعن أن تُكرى بثلث أو ربع”. فتأجير الأرض للزراعة ممنوع مطلقا مثل المزارعة, أما المساقاة فجائزة. وفي ذلك ضمان لاستغلال الأرض أحسن استغلال بغية توفير الأمن الغذائي للإنسان, مسلم أو غير مسلم, لأن دين الله رحمة للعالمين, فاتقوا الله يا أولي الألباب, واعملوا مع حزب التحرير لإقامة الدولة الراعية بحق, الخلافة, أمّ الفرائض, فبها يعزّ الإسلام وأهله.

وهكذا فإن المراطون تلو المراطون تدعى إليه الكفاءات وأهل الاختصاص والفلاحون من عامة الناس لإفراغ طاقاتهم الثمينة ثم, في نهاية المطاف لا نجد أثرا لجهودهم, إذ تعوض طاقاتهم, بمشروع استعماري يدير ظهره لأفكاره الفنية القيمة, ولأتعابهم المضنية, التي استهلكت أموالا طائلة, للشعب حاجة إليها لسد الرمق في غالب الأحيان. فأي مشروع للاستعمار في بلادنا هو ضحك على الذقون, يقصد منه إغراق البلاد في التبعية له, وبواسطة أبناء البلد المرتهنون بعلم ودون علم.

ومراطون اتفاقية الأليكا أو الشراكة المعمقة مع أوروبا بهذا الحوار يذكرنا بمراطون دستور تونس لسنة 2014, الذي أهدر طاقات عديدة, من الشمال إلى جنوب البلاد من خيرة أبنائه, دون الأخذ بأي رأي منهم. فكان الدستور الذي سطره النواب على أعيُن مراقبي الغرب ومشرفيه هو النتيجة والثمرة الحنظل المر الذي أردانا المهالك في كل مجالات الحياة, بعد الإعراض عن حكم الله القويم.

وأخيرا, لعل هذا المراطون الشكلي كما بينت, يشبه السباق الذي يتنافس فيه أمهر العدّائين, وبعد جهود مضنية وبأموال طائلة, لا نجد في نقطة الوصول أحدا من أصحاب المهارات والقدرات في المجال, ويوضع شخص آخر في النهاية بلا تعب منه.

قال تعالى : “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”

الحبيب الحجاجي (مديني)

لجنة الاتصالات لحزب التحرير تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This