إنها تفوق أو تكاد كل الطقوس التي تمارس في معبد الديمقراطية قداسة, ومن دونها تفقد آلهتهم هيبتها وسطوتها. لهذا جند كهنتها فيالق من الدراويش يروجون لها ويعددون محاسنها، ويحذرون الناس من مغبة الاحجام عنها وادارة ظهورهم لصناديقها التي أوهموا الناس -خاصة الذين لا ينظرون بعين الرضا لأوضاعهم وأوضاع البلاد- بأنها هي الأجنحة التي سوف يطيرون بها نحو ما يصبون إليه. فالظلم إن وجد لا يحل العدل محله إلا عبر تلك الصناديق. وإن اشتكى الناس من الفقر ومشتقاته لا يمكن قطع دابره إلا من خلال الصناديق ذاتها، وسيادة البلاد ان انتهكت لا تسترد إلا عبر ثقوب تلك الصناديق. وباختصار شديد لن يتغير حال إلى حال إلا بأداء تلك الرقصة المقدسة ونعني بها الانتخابات وهذا ما أوحى به شياطين النظام الديمقراطي. أما الوثن الأكبر فلا يجوز ومحرم تحريما جازما الاقتراب منه ولو بمجرد التلميح إلى كونه وثن يضر ولا ينفع وانه أشد ضيقا ونتانة وظلمة من جحر الضب. وانه أرض بور حتى وإن خرج نباته لا يخرج إلا نكدا. مجرد التلميح إلى هذا محرم وكل من تسول له نفسه الاقتراب من حمى هذا الوثن تنهشه الضباع وتمزقه غربان النظام إربا. وكما أسلفنا الذكر من حق الناس التي نضجت جلودهم من لظى النظام الديمقراطي أن يرنوا إلى التغيير بل هو بموجب طقوس الديمقراطية و اجب قبل أن يكون حق شريطة أن يستهدف هذا التغيير سدنة معبد الديمقراطية واستبدالهم بكهنة جدد أما المعبد وما يحتويه من أوثان لا يجوز المساس بهم
حين تتساقط أوراق التوت
قلنا أن الانتخابات من مقدسات النظام الديمقراطي الوضعي ومن أرفع طقوسه مكانة ومن أوكد الواجبات التي على الناس القيام بها وكلما اشتد ظلم هذا النظام كلما ارتفعت الاصوات بالصراخ داعية الناس إلى عدم التخلف عن الانتخاب لرفع ما حلّ بهم من بأس وبالفعل اشتدّ الكرب باهل تونس وعظم البلاء المسلط عليهم وضاقت بهم الأرض بما رحبت وتقطعت بهم السبل جراء فشل النظام الديمقراطي الوضعي في رعاية شؤونهم، وقد صدقوا بعد فرار المخلوع “بن علي” أنه حرمهم طيلة فترة حكمه من دخول جنة الانتخابات الشفافة والنزيهة.. ظل جاثما على صدورهم قرابة نصف قرن وأعز كهنة الديمقراطية لهم أن سبب الضنك الذي تجرعوا مرارته زمن “بن علي” مرده غياب الديمقراطية وخاصة غياب انتخابات كالتي روجوا لها بعد الثورة. صدق الناس كل هذا ومع اجراء أول انتخابات بعد عهد “بن علي” كانت الوفود والحشود تدافع أمام مكاتب الاقتراع كيف لا وهم على بعد مسافة قصيرة جدا من الفردوس المنشود. وبعد أن لطخ مئات الألاف اصابعهم في الحبر عمّ الارتياح أرجاء البلاد وناموا وهم يمنون النفس بغد أفضل وأن تلك الزرقة التي على سباباتهم ستجلب لهم خيرا لا يمكن عده وحصره.
ولم يمضي وقت طويل حتى صدم كل من علق أماله على أداء رقصة الانتخابات في معبد الديمقراطية والكل تجرع مرارة الخيبة فالوضع لم يتغير رغم أنهم أدوا الرقصة على أكمل وجه وطبقوا تعليمات الكهنة بحذافرها. وحتى لا تتجه الأبصار والبصائر نحو المعبد ونحو العجل الذي صنعه لهم الغرب وأمرهم أن يظلوا له عاكفين استنفر المسؤول الكبير شياطينه وفرقهم على المنابر والمنتديات حاثين الناس على عدم مبارحة المعبد والمواصلة في ممارسة نفس الطقوس بكل اخلاص وخشوع فهي الوحيدة الكفيلة بتغير أوضاعهم ولا مندوحة عن سلك سبيل غير سبيل الانتخابات. وجاء يوم زينة أخر واصطف الناس مجددا أمام مكاتب الاقتراع ومرغت السبابات في الحبر وخرجت النتائج ولكن الحال ازداد سوء والجراح احتدم نزيفها. كل هذا وكهنة الديمقراطية يواصلون نشر الاراجيف ويجبون الازقة والشوارع يحثون الناس على عدم مبارحة المعبد مع التأكيد على ضرورة الاقدام على ممارسة الطقوس وهي الانتخابات بأكبر كثافة كيف لا وهي المنقض الوحيد لهم وجاء الموعد وبدأت نسب الاقبال على الصناديق تتواتر على وسائل الاعلام. وبعد مرور خمس ساعات تقريبا على انطلاق المحفل أنخرط الكهنة في موجة من العويل والندب واللطم. الاقبال ضعيف على الصناديق والمعبد مهدد بالانهيار على رؤوس الكهنة. الاقبال ضعيف والنظام على شفا التلاشي والاضمحلال. كلما مر الوقت ونسبة الاقبال تراوح مكانها كلما ازداد الصراخ ونداءات الاستغاثة تملأ الارجاء وبما أن السحر انقلب على الساحر وانكشفت شعوذة كهنة الديمقراطية لم يجدوا مفرا من قول بالحقيقة علهم ينجحون في جعل الناس تهب إلى نجدة المعبد وانقاضه من الانهيار. الحقيقة التي انكروا من قبل على حزب التحرير الصدع بها حين خرج للناس سافرا متحديا وأخبرهم بأن الانتخابات في النظام الديمقراطي حق أريد بها باطل وأنها لا تغير البتة و أن التغير لا يكون إلا بهدم معبد الديمقراطية بالكامل واقامة دولة تطبق نظام الإسلام بالكامل .أقروا بالحقيقة لينقذوا ما يمكن انقاذه فجدران المعبد تصدعت وهم يخشون أن يخر السقف وينتهي أمر النظام الديمقراطي الوضعي. أوهموا الناس بأنه لا تغيير إلا عن طريق الانتخابات ولما زالت الغشاوة عن بصائرهم وبدوءا يتحسسون الطريق نحو التغيير الصحيح دبّ الذعر في نفوس الكهنة وارتعدت فرائص المسؤول الكبير فأرغموا على قول الحقيقة وأقروا بأن الانتخابات لا تغير وكل ما قالوه عن انتخاباتهم كذب وتدجيل وبان صدق حزب التحرير وأكد أنه الرائد الذي لا يكذب أهله فما الانتخابات في النظام الديمقراطية إلا أحد الاعيب المستعمر تصرف الأنظار عن جرائم معبد الديمقراطية وكهنته لهذا نقول صدق حزب التحرير وكذب كهنة المعبد ومسؤولهم الكبير.