الاستعمار رغم الوجوه المتغيّرة
الخبر:
صرّح “باتريس برغاميني”سفير الاتحاد الأوروبي بتونس أنّ “تونس قامت بما يلزم على الصعيد السياسي وأنّ الوقت حان للالتفات إلى الاقتصاد والقيام بالإصلاحات الضرورية. “
وأشار إلى أن أوروباتنظر إلى التجربة التونسية باهتمام نظرا لأنها “الديمقراطية الناشئة الوحيدة في المنطقة”، وأنّ أوروبا على أتمّ الاستعداد لدعم تونس إلى النهاية ولكن يتعيّن على التونسيين القيام بما يتوجّب عليهم، فبالإضافة إلى الجانب السياسي هناك ملف اقتصادي يتوجّب العمل عليه من أجل تنفيذ الإصلاحات الضرورية.
وأعلن”برغاميني”أنّ تونس تحصلت على 10 مليار أورو منذ 2011 بين هبات وقروض وهذا مبلغ كبير ولكن ليس لأوروبا أن تنقذ تونس بل التونسيون هم أنفسهم من يقررون أين يريدون الوصول والنسق الذي سيسيرون به.
ثمّ زعم قائلا: ”نحن هنا للمساعدة نظرا إلى أنّ هناك مصلحة استراتيجية ولكن لا نملي على تونس ماذا يجب أن تفعل”.
أمّا عن تصريحاته في جويلية 2019 لصحيفة لوموند بشأن سيطرة لوبيات عائلية على الاقتصاد التونسي وتعطيل بروز فاعلين جدد، قال برغاميني: ”كنت أقول هذا منذ 3 سنوات.. اعادة توزيع الثروة الوطنية وبناء الاقتصاد الاجتماعي تقتضي إزاحة هذه العوائق ويجب القيام بإصلاحات”.
وعن إخراج تونس من القائمة السوداءلمجموعة العمل المالي ”غافي” قال برغاميني:”إنّ تونس برهنت على أنّها تعمل من أجل مكافحة تمويل الإرهاب….”
التعليق:
لفهم هذا الخبر وتحديد كيفيّة التّعامل معه لا بدّ من بيان الحقائق التالية:
-
أوروبا وبخاصّة بريطانيا وفرنسا، تمثّل القوى الاستعماريّة القديمة الجديدة، وهي لا تخفي حقيقتها الاستعماريّة.
-
مصالح أوروبا الاستعماريّة تتمثّل أساسا في المحافظة على هيمنتها على الأقلّ ما أبقته لها أمريكا من مستعمراتها القديمة وبخاصّة شمال إفريقيا ومنها تونس.
-
سفراء أوروبا وعلى رأسهم سفير الاتّحاد الأوروبي وجودهم في تونس ليس من أجل الاهتمام بشأن الجالية الأوروبيّة المقيمة في تونس إنّما وجودهم من أجل ضمان مصالح أوروبا الاستعماريّة.
-
وأولى أولويّات الاتّحاد الأوروبي في بلادنا الحيلولة دون عودة الإسلام إلى الحكم والحيلولة دون وجود دولة إسلاميّة حقيقيّة متحرّرة من النّفوذ الغربي.
-
ذلك أنّ الإسلام وحده هو الذي يحرّر الشعوب (وبخاصّة المسلمة) من استعباد الدّول الرأسماليّة الديمقراطيّة للبشر، ولأنّ الإسلام باعتباره رسالة عالميّة لتحرير الشعوب فإنّه يمثّل تهديدا وجوديّا للاستعمار الغربي الرأسمالي ومعلوم أنّ الاستعمار هو شريان حياة أوروبا.
-
ولأجل ذلك صرّح الأوروبيون وهلّلوا لإبعاد الإسلام و”انتصار الدّيمقراطيّة”، ولأجل ذلك خرج هذا الخبيث “بيرغاميني” متباهيا أنّ “تونس فعلت ما يجب فعله” و”ما يجب فعله” إذا ترجمناه بلغة المستعمر: “هو إبعاد الإسلام”لأنّهم بذلك ضمنوا استدامة سيطرتهم، وضمنوا إمكانيّة تدخّلهم المباشر في تسيير تونس.
-
وإلا لماذا يعطي الاتّحاد الأوروبي 10 مليار أورو (ما يقرب من 30 ألف مليار) وهو مبلغ ضخم؟ ألم يكن الاستعمار الفرنسي بسبب قروض ضخمة وقتها لبايات تونس؟ إنّه دليل الإدانة دليل تدخّل سافر في بلدنا وتحكّم مطلق في الملفّات الكبرى التي يسيّرها هذا ” السفير” ومن معه لخدمة مصالحهم.
-
أمّا عن زعمه أنّ التونسيين هم من يسيّرون أنفسهم وزعمه أنّ تونس ينخرها الفساد لوبيّات عائليّة تسيطر على الاقتصاد التونسيّ، فمزاعم مفضوح كذبها وبيّن تهافتها، إذ يعلم الجميع أنّ القروض التي تُسندها أوروبا لتونس مراقبة رقابة شديدة يشرف عليها هذا السفير وأعوانه ولا يذهب منها ملّيم واحد إلا حيث يريده هؤلاء المستعمرون، ثمّ يعلم الجميع أنّ أغلب “رجال الأعمال” الفاعلين في تونس ما هم إلا سماسرة عند الشركات الأوروبيّة يشتغلون عندهم بالمناولة فأنّى لهؤلاء الخدم “المساكين” أن يسيطروا أو يقرّروا؟؟؟؟ إنّما هو التضليل والكذب الصريح ليغطّوا عن السؤال الكبير أين ذهبت الأموال؟ ليقال بعدها نهبها الفاسدون والسرّاق من عائلاتكم. أمّا الحقيقة فهذه الأموال الضخمة ضُخّت لتستفيد منها شركات النّهب العابرة للقارّات (ومعلوم أنّ الحكّام في الدّول الرأسماليّة هم موظّفون عند هاته الشّركات)، وضُخّت لرهن البلاد وإدامة السيطرة عليها وعلى المنطقة بأسرها، لتكون الحديقة الخلفيّة لأوروبا آمنة تحت تصرّفها. (يذكر الجميع أنّ أموالا ضخمة رُصدت لتونس حتّى تكون جدارا عاليا ضدّ الهجرة السريّة….).
-
وفي نفس السّياق يأتي كلامه عن إخراج تونس من القائمة السوداء، منّا وأذى وكذبا وتضليلا، فإدخال تونس للقائمة السوداء كان من أجل مزيد التركيع وكان من أجل أن يُعطي لعملائه هنا مبرّر مزيد الخضوع للمستعمر، ولم يخذله العملاء إذ سارعوا في زمن قياسيّ (17 شهرا) في وضع ترسانة قوانين مكبّلة تجعل كلّ حركة أموال في تونس تحت الرقابة العالميّة والأخطر أنّه هذه العمليّة (الوضع في القائمة السوداء ثمّ الإخراج منها) ترسّخ “مبدأ” الخضوع لسلطان العولمة البغيض السيف الذي استلّته القوى الرأسماليّة العالميّة على كلّ دول العالم لإدخالها بيت الطّاعة.
-
برغاميني هذا هو سفير الاتّحاد الأوروبي في تونس،وهو رجل استخبارات معروف، يستخدم سلطته الاستعمارية بأسلوب دبلوماسي خبيث لجعل الهيمنة الأوروبية دائمة، فيتدخل في كل كبيرة وصغيرة تهم الشأن الداخلي التونسيفمنذ أن جاء وهو يتحرّك في البلادمتجاوزا الصفة الدبلوماسية التي يحملها فلم يبدُ في تصرّفاته سفيرا بل الحاكم الفعلي للبلاد يضع السياسات، بل يفرضها، ويتابع المسؤولين من وزراء وغيرهم، بل يتفقّدهم! فلم يترك وزارة إلا دخلها مقتحماً يريد (بدعوى الإصلاح ودعم الديمقراطيّة النّاشئة في تونس) إعادة هيكلتها بتمويل أوروبي، بما في ذلك الوزارات السيادية كوزارة الداخلية، فرأيناه يجتمع برئيس مجلس النواب للإشراف على تأهيل قدراته التشريعية، ويجتمع بمسئولي اتحاد الصناعة والتجارة، وبمسئولي الاتحاد العام التونسي للشغل. وسمعه الجميع يعلن مضاعفة تمويل منظمات المجتمع المدني التي تدعو لقيم الغرب الديمقراطية المناقضة للعقيدة الإسلامية، وهو يتجول في مدن تونس وقراها وأريافها، بل إنه يدخل أماكن لم يتجرّأ كثير من المسئولين على دخولها كأحياء سيدي بوزيد، أو جبل الشعانبي في القصرين.
أليس في هذا دليل بل أدلّة أنّ هذا السفير يمسك بمعظم الملفات السياسية والاقتصاديّة في تونس من خلف ستار، بل من دون ستار؟؟؟
-
إن ما يحصل في تونس اليوم هو تدخّل استعماريّ مكشوف يجعله تحت الوصاية، وإنّ هذا التدخّل ما كان ليحصل دون إقرار وموافقة من حكام تونس القدامى والجدد ووسطهم السياسي والإعلامي الذين انتفى لديهم الحسّ السيادي وتشرّبواالذلّ ومهانة التدخل الأجنبي في تفاصيل شئون البلاد. وإلاّ لماذا تُبرز كبرى وسائل الإعلام التونسيّة هذا الخبيث المسمّى زورا سفيرا تظهره لتبييضه ولتمكّنه من تسويق نفسه كصديق وما هو في الحقيقة إلا عدوّ أشر.
-
إنّه لمن العار أن يقبل المسلمون في تونس استمرار واقع التبعية السياسية والاقتصادية. فهل كانت الثورة من أجل أن يزيد تحكّم المستعمر؟! وإنّه لمن السّذاجةالانشغال بمطالب جزئيّة، والاستعمار يهيمن على البلاد وعلى القرارات السياسيّة والاقتصاديّة الكبرى فيها.