قيس سعيّد يخطب ضدّ التدخّل الأجنبي فهل كان جادّا؟

قيس سعيّد يخطب ضدّ التدخّل الأجنبي فهل كان جادّا؟

لا ينفكّ قيس سعيّد رئيس تونس يردّد أنّه ضدّ التدخّل الأجنبي في تونس وفي ليبيا، وكثيرا ما خرج يخطب متوعّدا المتربّصين بسيادة تونس، وسمعناه مؤخّرا يحذّر من “الأطراف” التي تعمل على تقسيم ليبيا.
في الأسبوع الفارط حضر الرئيس قيس الجلسة الافتتاحيّة لملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي بدأت جلساته في تونس، يوم الإثنين 9 نوفمبر 2020،  تحت شعار “ليبيا أولا”.

تكلّم قيس سعيّد يومها زاعما أنّها “لحظة تاريخية وموعد مع التاريخ”. وكعادته انتقد التدخّل الخارجيّ في ليبيا مؤكدا أنّ التوافق يمكن أن يتحقق “حين لا تتدخل قوى من الخارج” ودعا إلى “التزام من يقود المرحلة الانتقالية بعدم الترشح” و”وضع دستور مؤقت” و”مواعيد انتخابية قادمة”.

  • قيس سعيّد ينتقد التدخّل الخارجيّ، فهل هو جادّ؟ فما شأن هيئة الأمم المتّحدة بليبيا؟

“التّدخّل الخارجيّ” هو من المصطلحات السياسيّة ومعناه أن تتدخّل دولة ما في شؤون دولة أخرى بأن تفرض نفسها في تقرير مصيرها ورسم مستقبلها. سواء كان ذلك بالقوّة أم بالمناقشات والمفاوضات والحوارات.

وإذا نظرنا إلى ما حدث في تونس مثلا رأينا التدخّل السّافر في شؤوننا فصندوق النّقد الدّولي يحدّد السياسات الاقتصاديّة وبريطانيا هي التي ترسم الاستراتيجيّات السياسيّة والأمنيّة والأمم المتّحدة أشرفت على وضع الدّستور ولم يكن شأن نوّاب التأسيسي إلا المصادقة والتصفيق. أمّا في ليبيا فصراع لا يكاد ينتهي بين فرقاء هم في الحقيقة وكلاء عن الدّول الاستعماريّة فحفتر عميل صريح للولايات المتّحدة الأمريكيّة، أمّا السّرّاج وجماعته فقد أتت بهم بريطانيا، والصّراع بينهم هو ترجمة للصّراع بين القوى المستعمرة الطّامعة، المتربّصة.

هذا عن التاريخ القريب أمّا ما حدث في تونس يوم 09/11/2020 في ضاحية قمّرت حيث تشرف الأمم المتّحدة على الحوار السياسيّ الليبيّ فهو تدخّل استعماريّ سافر بل وقح، ووقاحته تأتي من الرئيس سعيّد الذي يخطب وهو واقف بين يدي المستعمر، ينكر ويستنكر التدخّل الأجنبيّ والحال أنّ سعيّد هو من يمهّد للأجنبي حتّى يتدخّل بل هو بكلامه يخفي هذا المستعمر ويجعله صديقا وحكما نزيها بين خصوم.

انظروا إلى دور تونس في الحوار الليبي فلن تجدوا إلا حضورا شكليّا لا قيمة له ولا أهميّة إلا من حيث إعطاء الانطباع الزّائف أنّ الليبيين يقرّرون مستقبلهم بأنفسهم وأنّهم يصنعون قراراتهم ويقرّرون مصيرهم.

الأمم المتّحدة صديق؟؟؟

لعلّ قائلا يقول الأمم المتّحدة تمثّل كلّ الدّول المنخرطة فيها، ومن هذا الباب فالاستعانة بها ليس استعانة بالأجنبيّ، وحضورها أو إشرافها على المؤتمرات ليس إلا من باب التنظيم ومساعدة البلدان المتأزّمة على تجاوز أزماتها وإيجاد حلول. أمّا المناقشات والقرارات فهي لأهل البلد. وربّما قال إنّ تونس باستضافتها هذا الملتقى بإشراف الأمم المتّحدة تستعيد مكانتها ودورها في العالم وفي خدمة القضايا الانسانيّة ومنها المساعدة في حلّ الأزمة الليبيّة.

نقول أنّ هذا الخطاب هو بالضبط الخطاب الذي يُروّجه صانعوا الأمم المتّحدة.

   وإنّه لمن المعلوم لدى الجميع أنّ هيئة الأمم المتّحدة صنعتها الدّول المنتصرة في الحرب العالميّة الثانية لاحتواء الصّراعات بينها ولتسخرها الدّول المستعمرة لخدمة مصالحها من أجل السيطرة على العالم. فهي القفّاز المخمليّ الذي يُخفي يد الاستعمار ويجعل تدخّله في البلدان المستعمَرَةِ “قانونيّا” وهي غرفة عمليّات منها تشرف الدّول الرأسماليّة اللبراليّة على صياغة العالم كلّ العالم وفق رؤيتها.

هذه هي حقيقة الأمم المتّحدة فهي منذ انتصابها إلى اليوم لم تخدم إلا مصالح الأقوياء، وزادت معاناة الشعوب الضعيفة، وسبّبت المصائب وبخاصّة للمسلمين،

فبإشراف الأمم المتحدة تمّ تقسيم فلسطين وتشريد أهلها عام 1947 ونشأ كيان يهود المجرم (المسمى إسرائيل).

وبإشراف هيئة الأمم سلخت كشمير المسلمة عن باكستان. وبإشراف الأمم المتّحدة دُمّر العراق وفرضت عليه أمريكا الحصار الاقتصادي الذي أجاع المسلمين وقتل أطفالهم بحرمانهم من الأدوية والغذاء، وكانت قوات الأمم المتحدة، أداة لتصفية المسلمين في البوسنة والهرسك حيث استصدرت قراراً بمنع المسلمين من التسلح، وقامت قواتها بالتجسس على المسلمين ومد الصرب بالمعلومات، بل والسلاح والمؤن. ومن ثمّ كانت المذابح الشهيرة ضدّ المسلمين هناك.

هذه بعض أمثلة سردناها لإنعاش ذاكرة المدافعين عن الأمم المتّحدة.

  • تدخّل الأمم المتّحدة في قضايا المسلمين في تونس وليبيا وغيرها، هي طليعة الثورة المضادّة من أجل منع تحرّرهم من الاستعمار ومن أجل الحيلولة دون قيام الخلافة:

إنّ وجود الأمم المتّحدة في بلادنا وإشرافها هو ليس فقط تدخّلا أجنبيّا بل هو اختراق استعماري وقح. هو من أجل أن تديم إخضاع بلاد المسلمين المختلفة. وجعلها تحت النّظر والسيطرة، وإلا فما شأن الأمم المتّحدة ووضع دستور لتونس وآخر لليبيا ومن قبله دستور العراق؟ وما شأن الأمم المتّحدة وتحديد الأنظمة السياسيّة لشعوبنا إنّهم يريدون فرض وجهة النّظر الغربيّة في بلاد المسلمين وجعل الثقافة الغربيّة هي الأساس، نعم الدّول المستعمرة تريد عولمة فكرها السياسيّ الذي أساسه فصل الدّين عن الحياة، وتعمل هاته الدّول على منع المسلمين من التحرّر من هيمنتها وتمنعهم خاصّة من العودة أمّة واحدة في دولة واحدة هي دولة الخلافة، وصار من المعلوم رعب الغربيين كلّهم من الخلافة لأنّها الدّولة التي ستنقذ البشريّة من سطوتهم وجرائمهم. وهي الدّولة التي ستنشر الخير في ربوع العالم.

لأجل ذلك جاءت “ستيفاني وليامز” الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالنيابة، إلى تونس ومنها وبتمهيد من رئيسها قيس سعيّد ومباركة كلّ الطّيف السياسيّ، جاءت:

  • لتحدّد لليبيين ما يجب عليهم فعله، جاءت وبصرامة تتحدّث أنّ ّ هذا الملتقى هو ”الفرضة الأخيرة التي لا يجب أن نخسرها”، وتحدّد إطار المناقشات التي لن تخرج عن مخرجات برلين وفي اتّساق تامّ مع ما يجري من محادثات أخرى بين الليبيين في لقاء 5+5 الذي يقع تحت حراب المرتزقة الغربيين.

  • لتسطّر الطّريق الذي على الليبيين السير فيه فقالت “سوف نعمل على تطوير خارطة الطريق خلال الأيام الستة، ونفتح المجال للنقاشات اعتمادا على عدد من المبادئ…” وهي طبعا مبادئ مرسومة سلفا رسمتها القوى الاستعماريّة.

هكذا تضع الدّول الغربيّة الأسس للحوار وليس لليبيين إلا مناقشة ما وضعه لهم الأسياد الغربيّون، وقد يتركون لهم تعديل بعض التّفاصيل الهامشيّة، (مع العلم أنّ المشاركين في الحوار الليبي مختارين بعناية حسب شروط البعثة الأمميّة).

وخرج الملتقى الليبي بخارطة طريق لإجراء انتخابات في ليبيا بعد 18 شهرا، نعم لقد صاغت بعثة الأمم المتّحدة مستقبل ليبيا في انتخابات ووضع دستور … وهي بذلك تستنسخ ما فعلته في العراق وتونس فلسطين وأفغانستان وغيرها… وكلّنا يعلم علما حال العراق وتونس وأفغانستان وفلسطين…. وما فعلته فيها الدّيمقراطيّة الغربيّة.

نعم إنّهم لا يُحسنون إلا تذليل الشعوب وتمزيق الأمم لا يحسنون إلا الاستعمار.

  • إلى متى يرتع العدوّ ونسكت؟

وممّا يحزّ في النّفس أنّ العدوّ يرتع في بلادنا يسطّر ويقرّر ويأمر، وما يزيدنا ألما أنّ هذا العدوّ ما كان ليبقى له من أثر في بلادنا لولا أن أدخلته حفنة من أشباه السياسيين وأشباه حكّام. لتبقى تونس وليبيا في دوامة الصراع بين الأطراف الاستعمارية ووكلائهم الإقليميين والمحليين

نعم لقد انطلقت ثورة الأمّة من تونس لتقلع الاستعمار وعملائه، ولكنّها تعثّرت إذ اندسّ في ثنايا الثّوّار من ادّعى الثوريّة وخاطب الجماهير بما يحبّون، خاطبهم بالتنديد بالتدخّل الأجنبي والاستقواء بالاستعمار، خاطبهم بأنّ التطبيع مع كيان يهود خيانة عظمى، فصدّقوه وساروا معه حينا من الدّهر. ثمّ ليكتشفوا أنّ خطاباته كلّها تعطي من طرف اللسان حلاوة، ولكنّ أفعاله كلّها نقيض لخطاباته فهو لم يؤيّد أعداءنا فحسب بل أدخلهم البلاد وزعم أنّهم أصدقاء. ثمّ ها هو يمهّد لهم من أجل إخضاع ليبيا وأهلها، بمؤتمرات مشبوهة.

فإلى متى السكوت؟ إلى متى الانتظار؟

لقد آن الأوان أن تستأنف أمّتنا ثورتها وتفتكّها من أيدي العملاء، من محترفي السياسة الذين يُدخلون العدوّ بلادنا يأتمرون بأوامره وينفّذون مخطّطاته. وإنّ تونس وليبيا وكلّ بلاد المسلمين لن تستقرّ حتى تُقطع أيدي هذه الدول الاستعمارية عن التدخل، وحتّى تُزال أدواتهم المحلية الرخيصة، التي باعت نفسها لبريطانيا أو أمريكا، تهيئ لهم التدخل، وتخدمهم فيه وتقاتل عنهم بالوكالة في حرب مزعومة على “الإرهاب” المصنوع غربيّا!

ولن يُزهر ربيعنا حتّى ندرك جميعا أنّنا مسلمون من أمّة واحدة وأنّ قضايانا لن تُحلّ إلا بأيدينا لا بأيدي أعدائنا، باتّباع أحكام ربّنا.

أ, محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
TAGS
Share This